مرة أخرى تعود اليمن الى الحديث عن الإمامة ، رغم أن الثورة قضت على العهد الإمامي منذ (43) عاماً، وليس من شيء يخاف منه لأن ذلك العهد كان يخلو من أي مؤسسات ، أو مناهج يعتد بها لبعث التاريخ من جديد..! اليمن التي تفوقت على فنون مكافحة الإرهاب العالمية بثقافة الحوار السلمية سجلت سبقاً تاريخياً في إدراك أن الإرهاب هو خلاصة تطرف ، وأن التطرف هو نتاج تعبئة فكرية مغلوطة تنمو وتستشري كلما وجدت مناخات بيئية مثخنة بالجهل ، والتخلف ، والفقر ، والكبت والحرمان. اليمن تؤمن أن العنف لا يولّد غير العنف ، وأن مواجهة التطرف بموقف حاد ومبالغ فيه لابد أن يزيد أولئك المتطرفين تشدداً بما هم عليه من أفكار.. لكن – مع هذا – لم يجد أحد من المراقبين ما يبرر لوزارة الثقافة والسياحة اليمنية توزيع أربعين ألف نسخة من كتابي "الإمامة وخطرها على وحدة اليمن" ، و" ابن الأمير وعصره" للشهيد محمد محمود الزبيري على مدارس ومعاهد الجمهورية ! ربما لا تدرك اليمن أن حركة تمرد الحوثي – الابن ثم الأب - لم تكن إلاّ زوبعة في فنجان ، كان التصعيد السريع لها أمراً مثيراً للريبة ، ويضع ألف علامة استفهام حول حقيقة المستفيد من خلق شبح عدو "طائفي" وهمي أمام قيادة اليمن بالتزامن – بالضبط - مع الزمن الذي آلت إليه أوضاع الساحة اليمنية الى قدر كبير من الاستقرار والهدوء! لا أدري من هو المتحمس في الحديث عن خطر الإمامة في القرن الواحد والعشرين – كما لو أنه يريد أن يوحي للسلطة بأن خصومها متعددوا الألوان ، وعليها أن تقلق على وحدة الوطن ، أو أنه يريد شد أنظارها بعيداً عن مكامن الخصوم الحقيقيين ممن يعملون باحتراف سياسي ، وبمنهجية عصرية أمست مرتكز مختلف الحركات السياسية في العالم . لعل تضخيم الحالة "الحوثية" هو من سيجعل لها أهمية ، ومن سيدفع قوى خارجية لتأمين الدعم المادي والمعنوي لها ، وجعل المجتمع الدولي يلعب على أوتارها كلما دعت حاجته لممارسة ضغوط معينة على اليمن .. ففي عصر منفتح ، كزمننا اليوم، من الصعب جداً فرض مناهج على تلاميذ المدارس تخلّد ذكر "العدو الإمامي"، بدلاً من تخليد إنجازات الثورة التي أطاحت بالعهد الملكي ، وقلبت مفاهيم الحياة التي كانت سائدة آنذاك. في أمثالنا الشعبية مثل يقول :" من دعا الجنّ ركضوه" ، وآخر يقول: "صَياد ما تدخل إلاّ راس الذليل" .. وما أريد قوله هو : إذا كنا ذقنا مرارة وويلات العهد الإمامي ، وجراحنا ما زالت تنزف منه حتى اليوم ، فليس من الحكمة أن نجعل أبناءنا يدفعون نفس الضريبة ، ويقاسون نفس المخاوف ، ويعيشون هلع عدو وهمي لا وجود له في غير رؤوس أولئك الذين أشاروا بفكرة طبع هذه الكتب ، وربما بكثير من الأفكار الأخرى التي استفزت البعض ودفعته الى مزيد من التطرف ، والتشدد ، والتمرد !!