إعلامنا، للأسف تحول إلى ساحة للنواح والعويل على واقعنا الراهن, الذي لم يكلف نفسه عناء نقل حقيقته كما هي.. نريد إعلاماً جديداً يهتم بالكيف لا بالكم.. استثماراً صحفياً حقيقياً يخدم المهنة, ويسمو بها، يعالج سلبيات واقعنا, ولا يسعى إلى تكديسها. خلال وبعد خليجي 20 وحتى الآن كان ولايزال الأشقاء الخليجيون من مسئولين إعلاميين وجماهير...إلخ، يتحدثون عن “اليمن” كما لو أنها بلد يفصلها عنهم قارة أو رحلة أيام طوال.. وأخيراً استطاعوا الوصول إليها واكتشافها في مغامرة, ظنوا أنها ستكون محفوفة بالمخاطر!!. شاهدناهم في الفضائيات والصحف الإلكترونية يتحدثون باندهاش عن بلد كريم مضياف، ودود للغاية.. ورغم الصدق الواضح في أحاديثهم الإيجابية عن اليمن وناسها، إلا أنها تركت لدينا انطباعاً, أننا لانزال خارج برواز الصورة الإعلامية, التي يبدو أنها لم تستوعبنا كبلد له إرث تاريخي إنساني عريق. لا نبعد كثيراً عن بقية دول الخليج, وبزمن لا يزيد عن الساعة والنصف طبعاً من الجو.. بالإمكان أن تكون في قلب إحدى عواصمها أو العكس، غير أن الهوة الحقيقية وهذا الجهل إن جاز التعبير لبلد كاليمن يتحمل وزره الإعلام اليمني الهزيل أداءً وإمكانيات. إن العشوائية الطاغية على إعلامنا، خاصة المقروء، والاهتمام بالكم بعيداً عن الكيف والمادة الصحفية المتميزة, جعلت إعلامنا عاجزاً عن تقديم اليمن بصورته الحقيقية، بل عجز عن تخطي المحلية ليكون صاحب حضور, ولو بسيط في الخليج القريب منا. في الصحافة اليمنية نقرأ يومياً عن إصدار صحفي جديد, يقول صاحبه أنه سيكون إضافة متميزة لصحافة نوعية تحترم قراءها.. غير أن الحاصل أننا نشهد إصدارات طبق الأصل من سابقاتها، إن لم تكن السابقة أفضل خاصة في بداياتها. لقد انقسمت الصحافة اليمنية إلى صنفين: الأول مهمته مقتصرة على تجميل كل شيء حتى وإن كان قبيحاً، تعيّش قراءها في عالم وهمي.. عالم فاضل خالٍ من الجريمة والفساد.. وعلى النقيض تماماً تحرص صحف الصنف الآخر على إظهار البلد وكأنه أفغانستان أخرى.. أو بلد ألغام, ويبدو أن القائمين على تلك الصحف, قد التبس عليهم المعنى الحقيقي لحرية الرأي والتعبير, فراحوا ينقلون للناس الأحداث المحلية بصورة مبالغ فيها إما لتصفية حسابات مع النظام, أو ابتزازه وقد نجحت إلى حد كبير جداً في ذلك, لكنها فشلت في تقديم صحافة تحترم نفسها.. صحافة تبحث عن الحقائق ميدانياً وليس من داخل شقق صغيرة غير لائقة لممارسة العمل الصحفي. تتجاوزنا إعلامياً دول شقيقة بعضها لا تتفوق علينا في إمكانياتها المالية.. لكنها تعرف جيداً كيف تقدم نفسها للعالم بصورة مشرفة, وقد رصدت في سبيل ذلك إمكانيات حققت لها غايتها، فيما يقتصر الأداء الإعلامي والصحفي بدرجة كبيرة في بلادنا على تقديم نفسه أولاً بصورة هزيلة, أفقدته قاعدة واسعة من القراء, الذين أعرضوا عنها, فكان مصيرها التكدس المستمر, حتى ضاقت المكتبات والأكشاك بها, بالرغم من أنها، أي المطبوعات الصحفية اليومية والأسبوعية لم تعد تتجاوز أعداد طباعتها العشرة آلاف عدد، في أحسن الأحوال، وهذا الرقم يكشف حقيقة الهوة, التي تزداد اتساعاً بينها وبين قرائها. حاجتنا الآن ملحة وضرورية أكثر من أيِّ وقت مضى, لأن يكون لدينا إعلام قوي يحتوي الإمكانيات الإبداعية والمهنية الهائلة لعشرات الصحفيين والكُتاب والإعلاميين المتناثرين بين صحف شتى معظمها لاتقدرهم لا مادياً ولا معنوياً. فمنذ مطلع تسعينيات القرن الفائت بلغ عدد الصحف الممنوحة تراخيص النشر قرابة “400” صحيفة، ومع نهاية العام 2010م تقلص العدد إلى “160” صحيفة.. وهذا الرقم لايزال قابلاً للزيادة من جديد, ويؤكد أن الكم طغى على ماعداه, وأدخل القراء والمهتمين أو حتى المعلنين في حالة إرباك، ويبدو أنهم لن يستطيعوا الخروج منها, لأن خطوات جادة من الجهات المعنية مازالت غائبة, ولا أمل في مقدرتها لتجاوز كل هذا العبث. فالإصدارات الهائلة عدداً، الخاوية مضموناً لم تقدم للبلد وإنسانه أي شيء عدا علاقة هشة تفتقد للثقة.