أينما وجد الجمهور، تجد الزنداني، الذي سيموت وهو يبحث عن منصة و كاميرات تلفزيون. فحين شعر الشيخ الجليل، بفضل خبرته السياسية، و ببعد نظره الذي يدل على قوة الإيمان، أن الجمهور لم يعد يلتف حول الرئيس. أدار الرجل بوصلته، و شد رحاله، قاصدا ساحة التغيير. وهناك أفصح الله لسانه بلغة الثورة، و حين تهلل الجماهير، تتوهج الموهبة، وتتقرح القريحة، إنها والله لموهبة تحتاج "لبراءة اختراع" فعلا. والثورة في القاموس الإسلامي، لها مردفات عده، ولن يعجز صاحب البيان والتبليغ، والإعجاز العلمي عن الإتيان بكل المصطلحات التي "تؤسلم" الثورة الشبابية. وإن كانت الثورة هي ثورة شباب، لا ثورة شيوخ، فان هذا لا يعني أبدااااا بأي حال من الأحوال، أن منصة الثورة لن تتسع لكل الشيوخ، أكبرهم وأصغرهم. بلحاهم الملونة سواء، الحمراء أو البيضاء أو السوداء. وهي ألوان العلم اليمني الذي تلتف به الساحة، بما يعني مبالغة في وطنية الشيوخ، وثوريتهم. وإن كانت الثورة الشبابية سلمية.. سلمية فان هذا لا يعني إطلاقااااا، أن لا تعتلي المنصة، فيالق الشيخ والحراس المدججين، بكل ما يحمي لحوم العلماء المسمومة. وان كانت الثورة، ترفع صور "جيفارا" و"الحمدي" وايضا "جار الله عمر"، وجميعهم يساريو الاتجاه السياسي، فان هذا لا يمنع "أصحاب اليمين" من أن يكونوا هم المسيطرين على الثورة الجديدة. وإن كانت ثورة الشباب، ترفع شعار "شاعري" يقول: ثورتنا ثورة شباب لا حزبية ولا أحزاب.. فان هذا لا يعني ابدااااااا أن لا ترى الشمس طوال النهار والليل في المنصة الرسمية للثورة، ساطعة، ومغيبة لحلم الشباب الثوري. إن الشعب الذي يريد إسقاط النظام يلتحق به الثائر الزنداني، مع فيالقه المسلحة، وينسى ويحاول أن يُنسي، انه ضمن هذا النظام الذي نريد إسقاطه. لان النظام ليس هو مجرد رئيس وحزب، و منظومة سياسية، ومجلس وزراء فاسد، وبرلمان مزور، بل هو أيضا منظومة ثقافية. انه الثقافة القديمة والمتخلفة، البالية، والقمعية. والزنداني، جزء أصيل من الصميل "صميل النظام". بل هو اخطر ما في هذا النظام القمعي. فهذا هو الرجل الذي كان "علي عبد الله صالح" يستعين به لخوض حروبه المقدسة ضد الشعب، مره في الجنوب، ومره في شمال الشمال، ومره على الصحافة، ومرات على الحريات العامة والشخصية. فان يشرعن الزنداني كل أفعال وأخطاء وأحقاد، و نكبات وكدمات النظام، ثم يأتي ليعلن توبة غير معلنه، لينقذ نفسه ويشرعن للثورة، وينطق باسمها، ويهتف خلفه المسبحون، الحامدون، فان هذا والله لفعل عظيم. الزنداني والجنوبية كانت لحظة دخول الزنداني للثورة، متناسقة تماما والثقافة التي يمثلها، انه مشهد سينمائي بديع، تم فيه دهف امرأة لا ترتدي النقاب، تدعى "أروى عثمان" وضاعت وزغتها الكهرمان.. وزينة الثورة وحشمتها. أهلا بالإقصاء والقمع، والتكفير والدهف، حياااا بهم.. حياااا بهم. إنها بعينها، الثقافة التي رسخها النظام، وبالتالي يجب إسقاطها أولا في الميدان، وان توثق عدسة "أروى عثمان" هذا السقوط. وليس سرا، أن هذه الثقافة أصبحت جزء أصيلا من الموروث، ولا يتبناها الزنداني وحده، بل أيضا من يعارضون الزنداني، ويجاهرونه العداء. فنخبة اليمن من مثقفيها وقادة تنويرها "ان كان مازال لها نخبة غير شباب الثورة" يكرسون ذات الطريقة "الصالحية". فلا يتحدث عن الجنوب إلا من ولد في الجنوب من أبوين جنوبيين، ولا يتحدث باسم صعده إلا من كان قد رضع من حليب صعده، ولا يجوز أن تذكر "دم الأخوين" إلا لو كنت سوقطريا. هكذا تجد "منطق مناطقي" يقول بلغة الطقس: الجنوبي يتحدث، لما تكون الرياح جنوبية-شرقية، ولما تكون الرياح شمالية- غربية يخرس، وينطق أي حد من الشمال.. يعني المتحدثة التي أرادت أن تصارع الزنداني، وتهزمه في عقر دار الثورة، لم تنوي الحديث بصفتها النخبوية، كواحدة من مثقفي البلد الأمي، ولا بصفة أكاديمية أو أدبية، ولا حتى كمواطنه يمنية واعية. إن مبرر الحديث هو: "إنها جنوبية" وبل الجنوبية الوحيدة، في العشرين امرأة المتواجدات بالصدفة، من المحويت واب ، الحداء، صعده، شرعب، ريمه، بني مطر... وبرط.. طبعا هذا الحضور مخزي بحق أي ثورة.... او اعتصام يطالب بالتغيير وبإسقاط النظام... فكيف تكون هناك جنوبية وحيدة!! يااااااه، نعم، يجب إسقاط النظام، وبسرعة، وبحذافيره الشطرية والمناطقية والجغرافية، والجهوية، حتى قبل إسقاط الرئيس علي عبد الله صالح والشيخ عبد المجيد الزنداني. ولن يسقط النظام إلا حين نلتقي بمثقف يمني، بلا لقب عائلة يدل على الجهة التي قدم منها، ويتحدث بحرية عن كل ما في اليمن، ولا نعرف من أي جهة من اليمن هو. عندها سنتأكد أن النظام قد سقط، حتى لو بقى الرئيس متواجدا في نشرات الأخبار، والشيخ في كل مكان فيه جماهير، وكاميرات تلفزيون.