يفي البداية يتجاهلونك ثم يسخرون منك ثم يحاربونك ثم تنتصر كلمات عظيمة قالها غاندي ويبدوا أن طبائع شعوب العالم الثالث جميعها كذلك حيث أن جميع القيادات العربية لم تتعظ وضلت تسير على نفس المنوال تقليل من الشأن مع عدم اكتراث ثم سخرية يتبعها تخوين ثم بلطجية ودماء ثم تنتصر ثورة الشباب. وقد استوقفني كتاب توفيق الحكيم (ثورة الشباب) حيث يقول أن الثورة دليل حيوية وأن الشباب هو حيوية الجسم فلا عجب أن يقوم الشباب بالثورة. والثورة ما دامت متصلة بالحيوية فلا بد أن تكون منشطة لهذه الحيوية ومجددة لها وإلا اتخذت اسما أخر وهو الهوجة (الهمجية) والفرق بين الاثنين أن الثورة تبقي النافع وتستمد منه القوة وتقضي على البالي المتهافت المعوق للحيوية والواقف في طريق التطور والتجديد.أما الهوجة فتقتلع الصالح والطالح معا. والثورة والهوجة يختلطان معا أحيانا فالثورة كي تؤكد ذاتها وتثبت أقدامها قد تلجأ إلى عنف الهوجة لاقتلاع كل جميل وتجعل بداية كل شيء بدايتها ولا يتغير ذلك إلا عندما تشعر الثورة بنضجها وصلابة عودها عندئذ يصبح لها شخصيتها المستقلة وتنبذ عنها عنصر الهوجة بعد تقديمها الكثير من الخسائر. والثورة فطرة في داخل كل شاب منا وذلك يظهر جليا من خلال تعبيرنا الدائم بالانفصال عن شخصية السلف منا ورفضنا لكل مايقوله من يكبرنا لذلك فالشباب دائما ما يكون في حالة ثورة. وقد أحببت أن أقول هذه المقدمة لان هناك من يدعو إلى الهوجة في هذه الأيام ظهر ذلك من خلال الدعوة المأزومة التي تنادي بالزحف إلى القصر الرئاسي وهذه الدعوات إنما تفرغ الثورة من مضامينها وتنجرف بها إلى المجهول حيث أن الزحف لا يكون إلا بجيش من المحاربين ولا يكون لشعب من المسالمين ثم إن شعار الثورة سلميه سلميه يقتضي عدم الانجرار لبعض الدعوات والاحتكاك بالآخر وتقديم الذرائع له وأني أكاد أن اجزم أنها ليست بدعوة من الشباب ولكنها دعوات بعض الموتورين والمأزومين الذين يستعجلون الثورة لإلقائها إلى الهاوية فما الذي يضمن تعقل الطرف الآخر وعدم انجراره أيضا ومن يضمن ألا يحصل زحف مضاد من التحرير باتجاه التغيير وما يدرينا لعل هناك من يؤجج الأمور في كل طرف ويحصل ما لا يحمد عقباه ولنا في التاريخ عبرة مما حصل في معركة الجمل بين علي رضي الله عنه من جهة وأم المؤمنين عائشة وطلحة والزبير رضي الله عنهم من جهة أخرى راح ضحيتها عشرات الآلاف من الصحابة وهم بلا شك خير وأعقل ممن هم الآن هنا وهناك. إن من يدعون إلى الزحف لاتهمهم الدماء التي سوف تسال لأنها ليست دماؤهم ولأنهم سوف يكونون مختبئين في جحر مخفي بينما غيرهم يجود بدمه ثم يخرجون هم بعد ذلك ليجنوا الثمار. ثم إني سمعت بعض العلماء يقولون من ساحة التغيير نفسها انه لا يجوز الخروج على ولي الأمر بالسيف والدم ولكن الخروج المحمود هو الخروج بالكلمة حينها يكون الخارج صاحب حق شيطان عنه إن سكت. أيها السادة إن التغيير قد يعني التنقل من جهة لأخرى مع ما في ذلك من التناقض لكن هل يعني ذلك انه من استقال من الحزب الحاكم أو من منصب من المناصب الحكومية وبمجرد انتقاله إلى جانب شباب التغيير يصبح بقدرة قادر من الثوار الأحرار والمناضلين الكبار وتسقط عنه تهم الفساد أقول قد تقتضي الثورة أن يشجع البعض على الانتقال لجانب شباب الثورة دعما للتغيير ولكني اعتقد انه لا يجب أن تسمى الأمور إلا بمسمياتها فالأعور يضل اعور هنا أوهناك وصاحب الجنابة لا يطهره انتقاله من هذه الجهة لتلك إلا بالغسل وليس بالنية وحدها ولا يصح أن نقول أننا الآن في ثوره ثم يتم التصحيح بعد ذلك لأنه ما بني على باطل فهو باطل ولن تستطيع استبعاد هؤلاء الوافدون أبدا لأنهم اصحبوا أبطالا في الواجهة فكيف تقول لي اليوم أنهم أبطال ثم تأتي غدا وتقول أنهم أنذال. وبالتالي هؤلاء يخلون بوجه الثورة المشرق والمشرف وانتقالهم هو انتقال الفساد من هذه الحكومة لحكومة أخرى وكأننا لم نعمل شيئا غير أننا حولنا ميلان القارب من جهة لأخرى غير أن الميلان يظل ساريا للأبد. أخيرا إني أكاد أن اجزم أن التغيير قد حان أوانه ولكني لا اعلم إن كان هذا التغيير تمهيدا لأمر ارآده الله بهذه ألامه لإخراجها من أزماتها المستفحلة أي أن الأمر اكبر من ثورة في مصر أو في اليمن. هل هو تمهيد ليوم القيامة مع العلم بأن هناك علامات واشرط لم تقع أم أنها قيامة على الظلم والفساد.وقد علمت حديثا عن المصطفى ما معناه (إن الله ليبعث على رأس كل مائه سنه من يجدد لها دينها) واعتقد أن مجدد هذه المائة سنه هم الشباب وأكاد جازما أن الرئيس لا محالة مسلم بأمر التغيير وان القضية قضية وقت والنصر لمن صبر ساعة فاصبروا يا شباب التغيير ساعة من غير أن تسفك الدماء فان كل قطرة دم غالية على كل يمني.