عندما دخلت الولاياتالمتحدةالأمريكيةالعراق غازية توجهت قواتها الى المتاحف والجامعات والمكتبات تعيث فيها فسادا وتدميرا، وشجعت اللصوص وأعداء الانسانية على أن ينهبوا المتاحف ويدمروا محتوياتها التي لا يستطيعون نهبها، وتعجب البعض من فعل أمريكا وتساءل: كيف تقدم دولة تزعم انها تؤمن بالحضارة وترفع من شأنها على مثل هذا العمل الاجرامي؟ ولم يكن هناك من جواب عن هذا السؤال الحائر، فأمريكا ومنذ أن أصبحت القطب الوحيد في العالم أصبحت لا تبالي بالآخرين، فهي تظهر ما في قلبها في تصرفاتها من دون ان تجامل أو أن تتظاهر، فقد ولى زمان المجاملات والتظاهر، فهي كانت في الماضي وفي ظل وجود قطب آخر في حاجة الى ان تخفي حقيقتها الاستعمارية وتظهر للناس انها بلد الحرية وحقوق الانسان، وان من تضيق به ارضه ويلفظه وطنه فعليه ان يأتي الى واحة الحرية وهي أمريكا لينعم في ظلها بما حرم منه في وطنه. وبمجرد سقوط الاتحاد السوفيتي أحست أمريكا أن المارد الذي بداخلها يريد الخروج والتعبير عن ارادة التدمير والكراهية، فلم تحاول منعه بل ساعدته على الخروج والانطلاق ليوزع اجرامه وحقده على المعمورة من دون ان يهتم بالنقد أو المآخذ، الذي يبحث في تاريخ الولاياتالمتحدةالامريكية وبداية نشأتها، وكيف نشأت على ارض لا تملكها، فانه لن يعجب ولن يستغرب. الولاياتالمتحدةالأمريكية ليست دولة متحضرة او صاحبة حضارة، وقد يفتح البعض فاه دهشة واستنكارا ويظن ان التقدم في الاشياء والمخترعات هو الحضارة بعينها، فكيف يزعم الزاعمون ان امريكا ليست دولة متحضرة؟ ونقول لهذا «المندهش« ان الحضارة شيء والمدنية شيء آخر، وما تتمتع به امريكا هو المدنية وليست الحضارة، لأن المدنية هي تطوير الاشياء، وابتكار الوسائل والادوات من اجل ترفيه الحياة وتسهيل المعيشة، اما الحضارة، فهي في القيم والمبادئ والاخلاق، وهذا ما لا تتمتع به امريكا، فهي تكيل بمكاييل مختلفة، فالباطل عندها هو الحق، والحق عند غيرها هو الباطل، والحرية في مفهومها هي ان تفعل هي ما تشاء، وليس لأحد غيرها هذه الحرية او شيء يسير منها. حين يطالب اصحاب الحقوق بحقوقهم كالشعب الفلسطيني والشعب العراقي والشعب الافغاني فهؤلاء ارهابيون متطرفون، اما حين يقتل الكيان الصهيوني البشر ويدمر الارض، ويخرب الديار فذلك دفاع عن حياته ضد من يهدد هذه الحياة. من حق الكيان الصهيوني ان يمتلك الأسلحة ذات الدمار الشامل، ولا يلزم بالتوقيع على معاهدات حظر انتشار هذه الاسلحة المدمرة، وليس من حق ايران او باكستان او أي دولة عربية او اسلامية ان تتمتع بهذا الحق بل يجبرونها على التوقيع على معاهدة الحظر ويهددون من يمتنع عن ذلك بالغزو والتدمير. ما تقوم به العصابات الصهيونية من انتخابات لاختيار افضل المرشحين لرئاسة الحكومة (الباغية) هذه ديمقراطية تعترف بها امريكا، لكن ان يختار الشعب الفلسطيني حكومته التي يثق بها لإدارة شئونه في انتخابات نزيهة اعترف بها العدو قبل الصديق، فذلك مخالف ويجب مقاطعة حماس ومنع الدعم عنها، وعدم الاتصال بها ورفض ان تكون شريكا في المفاوضات. عندما كانت امريكا في مصالحة مع الانظمة العربية كانت دائما تمدحهم، وتثني عليهم، وتعتبرهم حكاما صالحين، ولما حققت من خلال خضوعهم لإرادتها، واستولت على منابع النفط، ووضعت يدها الملوثة بدماء الأبرياء على صنابير «حنفيات« النفط تفتحها متى شاءت، وتغلقها متى ارادت، وتعطي هذا وتمنع هذا، حين تحقق لها ذلك وكان هو الهدف غير المعلن لحروبها الطويلة في بلادنا الاسلامية، اصبحت الأنظمة غير ذات جدوى، وفقدت قيمتها في التداول، وقلبت لها امريكا ظهر المجن فكشفت ما لديها من معلومات عن ديكتاتورية هذه الانظمة، وتنكيلها بشعوبها، وكشفت سوءاتها المالية والسياسية والاجتماعية. لا شك ان شهر العسل بين امريكا وحلفائها في البلاد العربية والإسلامية قد قارب على الانتهاء، والمجاملات التي كان كل واحد يظهرها للآخر قد اصبح لا لزوم لها، فحصلت القطيعة ودب الخلاف، ولم يجد لإصلاح ما فسد ان نبعث حكما من أهلها وحكما من أهله. ان بغض الولاياتالمتحدةالامريكية للحضارة في أي مكان من العالم هو شعور صحيح لبلد لا يملك من اسباب الحضارة ومقوماتها شيئا وهاكم الدليل فعندما انقطع التيار الكهربائي عن مدينة نيويورك ساعات تحول الشعب الى مجموعة من اللصوص وقطاع الطرق، وحين عاد التيار بالكهرباء فجأة كان هناك منظر بانورامي عجيب، فقد انتشر في الشوارع اللصوص وهم يحملون على أكتافهم اجهزة التلفزيون والفيديو، وهناك من يجر الثلاجات ويحمل الثياب المسروقة، ونسأل اين هي الحضارة في كل هذا؟ واليكم شاهدا آخر: ألقت أمريكا القبض - عندما غزت أفغانستان - على مجموعات من العرب كانوا هناك ليوزعوا المعونات ويشرفوا على اعمال الاغاثة واعتبرتهم في البداية اسرى حرب تم نقلهم الى امريكا، ولما علت اصوات الاحتجاجات على هذا الفعل الذي يتنافى مع ابسط قيم الحضارة، وحقوق الانسان، ماذا فعلت امريكا؟ نقلت هؤلاء الأسرى الى مستعمرتها في كوبا في جزيرة جوانتنامو حيث لا يخضع فيها السجناء للقوانين الامريكية التي توفر لهم حقوقا انسانية، ورفض وزير الدفاع الامريكي دونالد رامسفيلد اي توصيف لهؤلاء السجناء وذلك حتى لا يخضعوا لأي قانون ينصفهم ويعيد اليهم حريتهم حتى ولو بعد حين، فأين الحضارة وقيم التحضر في مثل هذا السلوك الشائن والخسيس؟ ان الأحداث المتسارعة كشفت وجه أمريكا القبيح وأكدت بما لا يدع مجالا لأدنى شك ان الأخلاق هي اساس الحضارة، وهي الحامي الذي يضمن سلامة سلوك الانسان، وصلى الله على رسول الهدى الذي بعثه مولاه عز وجل ليتمم مكارم الأخلاق وينشر الرحمة على العالمين، فقال صلى الله عليه وسلم «انما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق« (مالك). وقال عليه الصلاة والسلام: «ان من احبكم اليّ وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقا. وان أبغضكم اليّ وأبعدكم مني يوم القيامة، الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون« قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون؟ قال: «المتكبرون«. (رواه الترمذي وقال: حديث حسن). ولله در أمير الشعراء أحمد شوقي الذي لخص هذا المعنى الجليل في بيت من الشعر حين قال: وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا ولقد أثبت التاريخ ان الحضارات تنشأ وتعلو بالأخلاق، وانها تنهار وتصبح أثرا بعد عين اذا فسدت أخلاقها. هذه أمريكا دولة متمدينة وليست متحضرة، بل انها تكره الحضارة عند غيرها وتسعى الى تدميرها والتاريخ المعاصر شاهد على ذلك. اخبار الخليج