شهدت إسطنبول يوماً عصيباً أمس، بعد اندلاع اشتباكات عنيفة في قلب ميدان تقسيم السياحي، بين متظاهرين أكراد وقوات الأمن التي استخدمت غازاً مسيلاً للدموع لتفريق المحتجين الذين رشقوا مركزاً للشرطة بالحجارة، بعد مسيرة سلمية واعتصام نظمه "حزب السلام والديموقراطية" الكردي، احتجاجاً على قتل الجيش 12 عضواً في "حزب العمال الكردستاني"، في عملية تمشيط نفذها في محافظة هكاري على الحدود مع العراق. وقال رئيس "حزب السلام والديموقراطية" صلاح الدين دميرطاش حسبما ذكرت صحيفة "الحياة" إن الاعتصام في ميدان تقسيم يستهدف أن "ننقل إلى قلب إسطنبول، مشاعر الحزن التي يشعر بها الأكراد في جنوب شرقي تركيا، ليعلم الجميع كيف يشعر الأكراد بسبب ذلك الحادث". وكانت مدن عدة في جنوب شرقي تركيا، شهدت خلال اليومين الماضيين تظاهرات وصدامات مع قوات الأمن، تخللها إغلاق محال كثيرة في مدينة دياربكر، بأمر من "حزب العمال الكردستاني" الذي فرض الحداد على تلك المدن، مهدداً كلّ من ينتهكها. تزامن ذلك مع تهديد زعيم الحزب عبد الله أوجلان من سجنه، تركيا ب "الجحيم" بعد الانتخابات الاشتراعية المقررة في 12 حزيران المقبل، وقال: "أمام حكومة رجب طيب أردوغان ثلاثة أيام فقط بعد الانتخابات، لتعلن خطوات جدية لتسوية المسألة الكردية، وإلا ستتحوّل تركيا إلى جحيم يطيح بالحكومة وأرواح كثيرين". وأتت هذه التطورات بعد محاولة "حزب العمال الكردستاني" مطلع الشهر الجاري، اغتيال أردوغان من خلال استهداف موكبه الانتخابي وإطلاق النار عليه، ما أسفر عن مقتل رجل أمن وجرح آخر، واعتبر الحزب محاولة الاغتيال هذه، رداً على مقتل أربعة من عناصره برصاص الجيش، فيما قُتل جندي تركي الجمعة الماضي بتفجير لغم زرعه "الكردستاني" في محافظة هكاري. وفيما يتوقع صحافيون وساسة أتراك ازدياد التوتر وعمليات القتل، حتى إجراء الانتخابات، يحذر كثر منهم من السياسة الانتخابية لأردوغان، والقائمة على اللعب على الوتر القومي والتراجع عن وعوده للأكراد، لدرجة أنه أنكر قبل أسبوع وجود قضية كردية في تركيا، معتبراً أن "القضايا الموجودة هي فردية"، وهذا التصريح الذي أزعج الناخبين الأكراد، واعتبره "حزب السلام والديموقراطية" تنصّلاً من مسؤوليته في تسوية القضية، وتراجعاً عن الوعود التي قطعها سابقاً بإعطاء الأكراد حقوقاً ثقافية كاملة. ويُتوقع أن تفرض القضية الكردية نفسها بقوة على جدول الأعمال في تركيا بعد الانتخابات، سواء بقوة السلاح أو السياسية، خصوصاً في إطار استطلاعات الرأي التي تفيد بأن الأكراد سيعزّزون تمثيلهم في البرلمان المقبل، مع دخول قيادات كردية قومية، مثل ليلى زانا، في مقابل تراجع أصوات "حزب الحركة القومية" واحتمال بقائه خارج البرلمان، ما سيرفع صوت الأكراد أكثر في مجلس النواب، فيما ينقل القوميون نشاطهم إلى الشارع، وهذا سيناريو يأمل الجميع في تجنّبه.