السلام بمفهومه الإنساني مطلب الشعوب وغاية البشرية أن تصل إلى تمثل هذه القيمة الإنسانية النبيلة لينعم الجميع بحياة سعيدة مطمئنة، فالسلام في نظر الشعوب المحبة للسلام يعني المحبة والتسامح والإخاء، والسلام يعني الخير والرحمة ومساعدة الآخرين ومد يد العون للمحتاجين، وهو يعني أيضاً احترام حقوق الغير وعدم الاعتداء عليهم وعلى ممتلكاتهم وتقييد حرياتهم.. وهو المضاد للشر والحقد والكراهية والإرهاب والعنف والتخريب والقتل والاعتداء والخطف والتقطعات والسلب والنهب وإخافة الآمنين والتآمر على الأوطان والشعوب.. والسلام المنشود ليس مجرد شعار نرفعه ولانؤمن به أو نعمل من أجل إرساء مبادئه وقيمه , ولا هو مجرد كلمة نتلفظها بألسنتنا ولا تطمئن بها قلوبنا وتصدقها أفعالنا.. وإن كان العالم السويدي الفريد نوبل مخترع البارود قد شعر بالذنب وأدرك الجريمة التي اقترفها في حق البشرية بهذا الاختراع المدمر الذي ستكون له عواقب وخيمة وأضرار كبيرة على حياة البشر ومستقبلهم وأن البشرية لن تنعم بالسلام بسبب هذا السلاح الفتاك .. فأراد أن يكفِّر عن خطيئته ويرد الاعتبار للسلام الإنساني الذي انتهك قدسيته وأساء إلى قيمه وأخلاقياته بتخصيص جائزة سنوية تمنح لكل من يساهم في صنع السلام ويعمل على إرساء قيمه وأخلاقياته في المجتمعات وبما يعزز من دعم وتشجيع أنصار السلام على الاستمرار في مناهضة العنف والتطرف والإرهاب بكل اشكاله على مستوى العالم ,وهو مايفرض على الحكومة السويدية واللجنة القائمة على هذه الجائزة أن تحترم حق نوبل وأن تحافظ على الهدف الأساسي الذي أراده وأن تلتزم بالمعايير والشروط التي حددها نوبل لمن ينال هذه الجائزة، انتصاراً لقيم السلام واخلاقياته.. أما أن تتحول جائزة نوبل للسلام إلى ورقة ضغط سياسي ضد الأنظمة والشعوب وبما يحقق مصالح دول كبرى، فهذا انحراف عن المبادىء التي أسسها وأقرها نوبل.. وانتقاص من قيمة السلام وقدسيته وتشويه متعمد لمفهومه الإنساني وقيمه.. وأعتقد أن قرار اللجنة منح الأخت توكل كرمان جائزة نوبل للسلام كان مبنياً على توجهات سياسية بحتة ولا علاقة لها بالسلام لا من قريب ولا من بعيد.. فما الدور الذي قامت به توكل كرمان خدمة للسلام في اليمن أو خارجها؟؟ بل على العكس فهي أكثر الرافضين والمعارضين لحل سلمي للأزمة اليمنية وأكثر المحرضين والمشجعين على العنف والتخريب.. أما إذا قلنا إنها حصلت على الجائزة كناشطة حقوقية.. فما هي القضايا التي تبنتها لدعم ومناصرة المرأة؟! ولماذا لم يكن لها موقف من زواج الصغيرات؟! وما الذي عملته توكل من أجل دعم حق المرأة للترشح لعضوية مجلس النواب؟! كما لم يكن لها أي دور في مناهضة العنف ضد المرأة ودعمها والوقوف إلى جانبها ولم نسمع أنها تبنت مشاريع خيرية واجتماعية لخدمة المرأة والتخفيف من معاناتها.. ولم يكن لها أي دور في مكافحة الأمية بين النساء والحد من ظاهرة الزواج المبكر وغيرها من القضايا التي تهم المرأة اليمنية والأهم أننا لم نسمع أو نعرف توكل كرمان إلا في هذه الأزمة، وهي فترة زمنية لاتتجاوز التسعة أشهر بينما أغفلت نساء عملن ومنذ سنوات طويلة كناشطات حقوقيات وأسهمن وبشكل كبير في مناصرة قضايا المرأة والدفاع عن حقوقها وحرياتها وكان لهن الفضل في إيصال صوت المرأة اليمنية والعربية إلى المحافل الدولية ولفت نظر الهيئات والمنظمات الدولية إلى قضاياها ومعاناتها والقيود المفروضة عليها.. وهنا اتساءل: لماذا لم تمنح الجائزة للشيخة موزة بنت حمد أو للدكتورة حنان عشراوي أو أمة العليم السوسوة أو سعاد القدسي أو أسماء الباشا أو سعاد العبسي أو طيبه بركات أم أن نضال توكل ودورها قد طغى على نضال ودور هؤلاء النسوة وغيرهن.. لا أقول هذا حقداً على توكل عبدالسلام كرمان أو حسداً لها، وإنما تذكيراً للغافلين والمتغافلين عن رؤية الحقيقة رغم وضوحها وانتصاراً لقيم السلام واخلاقياته التي أرادها الفريد نوبل واشترط توافرها فيمن يمنح هذه الجائزة الإنسانية ؟؟ وتعرية للقائمين على هذه الجائزة الذين اصبحوا يقدمون هذه الجائزة لمن تختارهم بريطانيا وامريكا وإسرائيل وما «رابين وبيريز» إلا دليل على اختلال المعايير والمبادىء التي أسست من أجلها الجائزة .. فإذا أقررنا أن اسحاق رابين وشمعون بيريز نالا الجائزة عن استحقاق وأنهما صانعا سلام، فإننا نقر أيضاً أن توكل حمامة سلام فعلاً؟؟ ومع ذلك يبقى حصول توكل كرمان على جائزة نوبل إنجازاً للمرأة اليمنية والعربية تستحق عليه التهنئة.