العنوان الأبرز طبياً في الآونة الأخيرة، ظهور دراسة بريطانية تقول لنا ببساطة أن 80% من حشرات القمل أصبحت عضواً في النادي المتميز لمسببات الأمراض، وهو نادي المستعصين على وسائل المعالجة المتوفرة، مما يتطلب من الباحثين أن يفركوا فروات رؤوسهم كما يفعل المصابون بالقمل، ويفكروا في إيجاد حل. تلك واحدة من الأخبار الطبية السيئة بلا شك، هي التي أتتنا عن القمل اخيراً. وكأن العلماء لا يكفيهم أن ثمة العشرات من مسببات الأمراض المعدية التي لم يستطيعوا أن يجدوا لها علاجاً يقضي عليها، ولا أيضاً القائمة المتزايدة العدد باستمرار من الجراثيم والحشرات التي كونت مناعة ضد ما كان لديه القدرة سابقاً من الأدوية والعلاجات في القضاء عليها، ليأتينا اليوم القمل ليقول: وأنا أيضاً! * قمل مقاوم * ونُشرت نتائج البحث في العدد الأخير من مجلة أرشيفات أمراض الأطفال. والقصة أن الدكتور دانيال توماس وفريقه من مركز المراقبة الإحصائية المستمرة للأمراض المعدية في كاردف بويلز في المملكة المتحدة، قاموا ببحث ميداني شمل 31 مدرسة في ويلز مسلحين بأمشاط خاصة لالتقاط بيض القمل. ووجدوا أن 8% من الأطفال الذين تم تمشيط شعرهم والبالغ عددهم 300 ألف طالب، لديهم قمل في فروات رؤوسهم. ونجح الباحثون في تجميع أكثر من 4 ألاف بيضة قمل. ثم قاموا باختبار مدى قدرة علاج القمل في القضاء عليها. والمفاجأة أن 80% من القمل قاوم تأثير هذه العلاجات! الدكتور توماس علل الأمر بأن عملية البقاء للأفضل طالت القمل أيضاً، ولذا فالذي تحورت جيناته من القمل عبر السنوات، ليتمكن من مقاومة الأدوية المستخدمة للقضاء عليه، هو الذي بقي واستمر في الانتشار بين رؤوس الأطفال وغيرهم. والغريب في الأمر هو عدم تنبه الأطباء لنتائج إحدى الدراسات المنشورة العام الماضي، وفيها أثار الباحثون نتائج تبعث على الدهشة حينما قالوا بأن مجرد تمشيط الشعر المبتل يقضي على أكثر قمل الرأس مقارنة باستخدام الأدوية الموضعية المتوفرة. وكنت في ذلك الحين قد تناقشت حولها مع أحد استشاريي الجلدية، ولم نجد تعليلاً لهذه النتائج، اللهم إلا أن تكون العلاجات قد فقدت فاعليتها في القضاء على القمل وبيضه، وهو ما تشير إليه الدراسة هذه. * تشخيص الإصابة * القمل حشرة صغيرة بلا أجنحة تعيش على شعرات الإنسان، وخاصة فروة الرأس. وتتغذى على كميات ضئيلة من الدم تمتصها من خلال جلدة الرأس. وبالرغم من استغراب الكثيرين، إلا أنها مشكلة صحية شائعة جداً، خاصة لدى الأطفال، والفتيات منهم بشكل أكبر، فيما بين سني الثالثة والثانية عشرة من العمر. وتشخيص وجود القمل ليس أمراً عسيراً على الطبيب حين فحصه لشعر الرأس لبحث وجود أحدى أربع علامات على وجوده، وهي: بيض القمل. وتبدو كنقط صفراء أو بنية قبل تفقسها. وبعد تفقسها تبدو بيضاء أو شفافة. وتوجد على الشعرة قرب منبتها من الجلد، حيث تحتاج إلى حرارة الجسم لمساعدتها على النمو والفقس، الذي يتم عادة ما بين أسبوع إلى أسبوعين من وضع الحشرة الأم للبيض. حشرة القمل. وهي ما لا يتجاوز حجمه حبة السمسم، وتبدو بنية أو سوداء. وتحتاج الحشرة إلى أسبوع بعد الفقس كي تبلغ. وتتغذى الحشرة على دم جلد الرأس كل ست ساعات، لكن لديها القدرة على البقاء دون طعام الدم لمدة 3 أيام. علامات حك جلدة الرأس. حينما تعض الحشرة جلدة الرأس لامتصاص غذائها من الدم، فإنها قد تثير رغبة في حك تلك المنطقة. والأمر يعتمد على نشوء الحساسية، فالقمل قد يظل في الرأس يتغذى لأسابيع دون أن يثير رغبة في حك منطقة عضه لجلد الرأس، وحينها قد لا يشكو الطفل من الحكة، بل من شيء يتحرك بين شعرات رأسه أو يُشعره بالوخز. علامات التهابات ميكروبية موضعية. وهي جروح قد تحصل أحياناً لدى الطفل نتيجة الحك العميق وإصابة الجروح تلك بالتهابات بكتيرية. وقد تحتاج إلى مضادات حيوية موضعية من كريم أو مرهم غالباً. وتستطيع الأم تبين وجود القمل عبر فحص شعر رأس أطفالها من آن لأخر على ضوء إضاءة جيدة وباستخدام عدسة مكبرة عادية. * العلاج والنظافة * وتوجد العديد من مستحضرات علاج القمل إما على هيئة شامبو أو كريم أو لوشن، وتباع عادة في الصيدليات دونما حاجة إلى وصفة طبية. لكن حينما يكون عمر الطفل أقل من سنتين فإنها لا تُستخدم، بل يجب تنظيف الشعر خصلة بعد خصلة، وبالمشط يدوياً. وأياً كان عمر الطفل، فمن الواجب مراعاة النقاط التالية في سبيل التخلص من القمل في رأس الطفل: استخدام مشط ذي أسنان قريبة بعضها إلى بعض، وتمشيط الشعر بها بانتظام بعد غسيل الشعر بالشامبو كل 3 أيام لمدة أسبوعين. وتبلل الشعر يُسهم في منع الحشرة من الحركة آنياً، مما يُسهل خروجها مع تمشيط الشعر. غسل كل أغطية الفراش والوسائد والبطاطين وملابس الطفل في ماء ساخن، تتجاوز حرارته حوالي 60 درجة مئوية، وتجفيفها في مجففة الملابس الكهربائية لمدة لا تقل عن 20 دقيقة. ما لا يُمكن غسله بالماء من الأشياء المتقدمة، وكذلك ألعاب العرائس والألعاب وألعاب الحيوانات المصنوعة من القماش وغيرها، يتم إرسالها إلى المغسلة التجارية للتنظيف الجاف. أو يُمكن للأم وضعها في أكياس بلاستكية وإحكام غلقها لمدة أسبوعين حتى تموت الحشرات وبيضها. غمر أدوات العناية بالشعر من أمشاط وربطات خصلة الشعر والفرشاة في محلول تنظيف معقم لمدة ساعة، وما لا يُمكن تنظيفه يتم التخلص منه مباشرة. * حرج الأمهات وملامة أنفسهن.. لا مبرر لهما * الإصابة بالقمل لا تعني قلة النظافة أو تدني العناية بالطفل، فالقمل حشرة عالية العدوى ويسهل عليها الانتقال من طفل لأخر، خاصة في أماكن ازدحام الأطفال كما في المدارس أو الأندية أو المخيمات أو ملاعب الأطفال. وبالرغم من عدم قدرة الحشرة على الطيران أو القفز، إلا أنها تنتقل بسهولة عبر الاتصال المباشر من شعر رأس إلى شعر رأس أخر. وتستطيع تثبيت نفسها والحركة بين الشعر باستخدام مخالبها. إصابة الطفل بالقمل لا تعني مطلقاً أن ثمة نقصاً في مستوى نظافته وعناية والدته به، فالقمل يُصيب الأطفال من مستويات اجتماعية مختلفة وفي بيئات شتى ومن يتلقون عناية شخصية عالية ومستوى تنظيف جيد. ويُمكن الوقاية من الإصابة أو إعادة العدوى بعد التخلص منه بتنبيه الطفل على الأمور الآتية: تجنب ملامسة رأس طفل أخر أثناء اللعب أو غيره. عدم استخدام أمشاط الغير أو قبعاتهم أو ربطات خصلة الشعر. عدم استخدام سرير أو وسادة طفل أخر مُصاب. فحص شعر بقية أفراد الأسرة كل أربعة أيام عند إصابة أحدهم بالقمل. وحينما لا تزول العدوى من أحد الأطفال، فإن الأسباب قد تكون إما فشل العلاج في التخلص التام من القمل أو إعادة إصابة الطفل مرة أخرى. والأمر يحتاج عادة إلى صبر من الأم، ولا داعي مطلقاً للوم النفس حول تدني مستوى رعاية الطفل والعناية به. وكالات