«إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم«. كذلك قال الله تعالى عن كتابه العزيز، وتحدث عن معجزته الخالدة التي لا تزيدها الأيام والدهور الا ثباتا على ثباتها، وخلودا على خلودها، واعجازا على اعجازها. نعم انك عزيزي القارىء أيا كان جنسك وجنسيتك ولسانك حين تقرأ القرآن قراءة مجردة عن كل هوى تكتشف عالما زاخرا بالعطاء، وآفاقا رحبة من المعرفة.. سوف تقرأ عن الأزمنة التي لم تعشها، وعن الأزمنة التي تعيشها، وعن الأزمنة التي لن تستطيع أن تعيشها. نعم سوف تقرأ في القرآن عن عظماء أثروا الحياة الانسانية هم أولو العزم من الرسل وبقية اخوانهم من الأنبياء والمرسلين، ومن سار على نهجهم واتبع طريقتهم من صحابتهم وحوارييهم، وسوف تقرأ عن فراعنة عاثوا في الأرض فسادا، وعن طغاة أساءوا الى الانسانية أبلغ الاساءة، وعن طغاة ملأوا الأرض فسادا واستكبارا. سوف تقرأ عزيزي القارئ كل ذلك في كتاب الله تعالى الذي «لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه« لأنه «تنزيل العزيز الرحيم« ولأنه «وبالحق أنزلناه وبالحق نزل« (الاسراء/105). سوف تقرأ وسوف تدهش حين ترى نماذج من البشر تحدث عنها القرآن في سالف الأزمان وها هي تقف أمامك في صلف وغرور واستكبار ولا تملك نفسك الا ان تهتف في يقين: صدق الله العظيم. تحدث القرآن الكريم عن رجل طاغية استعبد الناس وأذلهم وزعم انه إله، وعلا في الأرض وجعل اهلها شيعا يستضعف طائفة منهم، قال القرآن عنه في نبأ صادق: «إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين« (القصص/4). وأي فساد بعد هذا الفساد؟ وأي استعلاء واستكبار في الأرض بعد هذا الاستكبار وذاك الاستعلاء؟ فرق الناس شيعا واحزابا، وذبح الاطفال، واستحيا النساء، وعاث في الأرض فسادا، وكان شديد الجرأة حين قال لملئه: «وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم إلها غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى واني لأظنه من الكاذبين (38) واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون(39)« (القصص). ولقد تحدث القرآن في افاضة عن أمم بغت في الأرض، واستكبرت وظنت انها باقية وليست الى زوال فماذا قال القرآن عنهم؟ اقرأوا سورة «الفجر« وذلك في قوله تعالى: «ألم تر كيف فعل ربك بعاد(6) إرم ذات العماد(7) التي لم يخلق مثلها في البلاد(8) وثمود الذين جابوا الصخر بالواد(9) وفرعون ذي الأوتاد(10) الذين طغوا في البلاد (11) فأكثروا فيها الفساد(12) فصب عليهم ربك سوط عذاب(13) إن ربك لبالمرصاد(14)« (الفجر). وقد يظن ظان ان مثل هذه النماذج المستكبرة والمتمردة على منهج السماء قد ولى عهدها، ولن تكون لها رجعة الى هذه الحياة بعد ان سادت الشرائع السماوية وعلا لواؤها واقبل الناس عليها افواجا، وهذا ظن خاطئ وفهم قاصر للنفس البشرية الميالة الى الانحراف الا من اعتصم بحبل الله المتين. ان الشر سوف تبقى له دولة، وسوف يكون له سلطان في الأرض، وان صراع الحق مع الباطل صراع لن ينتهي مادام الانسان تتنازعه نوازع الخير والشر. ان هذا الصراع الذي يكاد يكون أبديا سنة باقية من سنن الله في الخلق ولن تجد لسنة الله تحويلا ولن تجد لسنته سبحانه تبديلا. وها هي سنة الله تعالى في خلقه تتجسد في دولة طاغية مستكبرة وهي صورة مكبرة لذلك الطاغية الذي علا في الارض وقال: «أنا ربكم الأعلى«، وقال للملأ من حوله: «ما اريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد« (غافر/29). وها هي دولة الولاياتالمتحدةالامريكية تجسد هذه الصورة القبيحة لأمة عتت عن أمر ربها، وظنت انها باقية لن تزول، وان سلطانها وقوتها وغناها باقية الى ما شاء الله، وها هي تتآكل من داخلها وتشعل الحروب خارج ارضها لتشغل شعبها عن التفكير في همومه الداخلية، ويؤجل المطالبة بالاصلاح الداخلي وحل مشكلة البطالة التي يعانيها شعبها، فأمريكا كغيرها، فيها بطالة وفيها فقر، وفيها مرض ومن زار حي «هارلم« الذي يسكنه السود يكتشف هذه الحقيقة واضحة. أمريكا علت في الارض بسلطانها وتمردها على مواثيق السماء والارض، وخانت العهود والمواثيق التي اخذتها على نفسها حين تخلصت من الاستعمار البريطاني الذي سام شعبها سوء العذاب فآلت على نفسها ان تكون نصيرة للضعفاء ولكنها لم تحفظ هذه العهود والمواثيق، فبمجرد سقوط الاتحاد السوفيتي وخلو السلطة لها وحدها، وانها القطب الوحيد الذي يأمر وينهي ولا معقب لحكمها، ولا راد لمشيئتها، بمجرد احساسها هذا كشفت عن وجهها القبيح، وسقط القناع عن وجهها الذي ظل يبتسم ابتسامة صفراء توهم من يراها ان صاحبتها دولة عادلة، تسعى الى نصرة الضعيف، وتشد من أزره في مواجهة من يريد القضاء عليه. الولاياتالمتحدةالامريكية هي فرعون هذا العصر بلا منازع، وهي دولتا عاد وثمود اللتان ورد ذكرهما في سورة الفجر. فأمريكا في العصر الحديث دولة لم يخلق مثلها في البلاد ثراء، وقوة عسكرية، وتصنيعا، وهي صاحبة الأبنية العالية «ناطحات السحاب« وغيرها، وهم الذين شقوا الجبال وفتحوا فيها الجسور والشوارع بفضل ما توصلوا اليه من علم سهل لهم الصعب. حين احست امريكا انها القوة الوحيدة في العالم التي لا تنافس اخذت تفرض على الناس قانونها الخاص وتطوعهم، اما ترغيبا بالمال والدعم العسكري والتكنولوجي وإما ترهيبا بالغزو والدمار، فقال رئيسها: من لم يكن معنا في حربنا ضد الارهاب فهو مع الارهاب، وقال: ان العناية الالهية ارسلته ليخلص العالم من الشرور. وصدق الله العظيم الذي قال في سورة الفجر: «إن ربك لبالمرصاد«، وهذا يعني ان ما قصة القرآن العظيم في سورة الفجر عن قوم عاد وثمود وعن فرعون ليس تاريخا مضى ولا رجعة إليه بل هو نموذج من الممكن ان يتكرر فاذا تكرر فان الله تعالى لهم بالمرصاد وسوف ينزل فيهم من العذاب ما أنزله على الأمم السابقة. نعم.. ان أمريكا علت في الأرض.. كما علا فرعون ومصيرها هو مصيره نفسه الذي اخبرنا به القرآن في قوله تعالى: «وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون بجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين(90) آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين(91) فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وان كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون(92)« (يونس). وكما كان فرعون وسيظل آية للطغاة المستبدين، كانت بريطانيا (العظمى) ولا تزال آية للدول المستبدة الظالمة، كما ستكون أمريكا آية لدولة استغنت فطغت فعتت عن أمر ربها، وتلك نهاية كل ظالم فردا كان او جماعة، «... وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون« (الشعراء/227). ....................................................... نقلا عن أخبار الخليج