بعد سلسلة اجتماعات مغلقة عقدتها الحكومة بعد ظهر اليوم مع كبار التجار والموردين للمواد الغذائية، وحاصرت خلالها ممثلي وسائل الإعلام من الحصول على أية معلومة عما يدور من نقاش خلف أبواب القاعات المغلقة، علمت "نبأ نيوز" من مصادر حضرت الاجتماع المغلق بأن التجار حملوا سياسات البنك المركزي اليمني مسئولية ضخ أموال إلى السوق انعكست آثارها السلبية على الأسعار. وأفادت المصادر أيضاً بان التجار اشتكوا من رسوم كبيرة وصفوها ب"غير قانونية" يدفعونها دورياً ، وبالتالي كانت سبباً في أن يضيفها التجار على السلع الموردة إلى الأسواق المحلية كونهم غير معنيين بتحمل خسارتها، مشيراً إلى أن الدكتور رشاد العليمي- القائم بأعمال رئيس الوزراء حالياً- وعد التجار بمناقشة هذه الرسوم خلال الاجتماع القادم لمجلس الوزراء، إلاّ أن أحداً لم يكشف طبيعة هذه الرسوم "غير القانونية" ولماذا تفرض، ومن يفرضها إذا كانت غير قانونية. ونوه المصدر إلى أن الاتفاق الأولي الذي تم في الجلسة المنعقدة في مبنى وزارة الصناعة والتجارة أفضى إلى الإبقاء على الأسعار خلال الفترة القادمة وحتى يوم العاشر من نوفمبر ليتم مراجعتها بعد ذلك في اجتماع مشترك بين الحكومة والتجار. وقد لفت انتباه "نبأ نيوز" أن خالد راجح شيخ- وزير الصناعة والتجارة- استهل الدقائق الأولى من الاجتماع مع التجار- التي سمح فيها للصحفيين بالحضور قبل تحويلها لجلسة مغلقة- بكلمة مقتضبة استبقهم فيها بالتماس العذر للتجار في رفع الأسعار، وسرد جملة من المبررات، قائلاً: "شهر رمضان يترافق دائما بارتفاع الأسعار، وكذلك العيد على الأبواب، وله طقوسه والتزاماته المادية وعندما يكون هناك طلب على سلع معينة ترتفع الأسعار ما دام العرض محدود" وأضاف:"هناك سلع تأثرت بمتغيرات سعرية خارجية وأهمها القمح والسكر، لكن السكر لحسن الحظ بالاتجاه للنزول وحتى الآن نزل ما بين 300-400 ريال لكن نطمح في المزيد، فنحن أيضا نرصد كل البورصات العالمية لتجارة السكر" ، داعياً تجار السكر "بان يخفضوه أكثر بمناسبة رمضان". وقال ايضاً:"كنا نتمنى أن يستمر استقرار الأسعار خلال رمضان لكنه انفجر بطرق مختلفة تمثلت في انخفاض في التعهدات الخارجية من باب الحيطة والحذر، وانخفاض بعمليات الطحن من باب تحاشي الوقوع بخسائر، حتى إن البعض توقف، وحصلت ندرة بالمعروض فتحركت الأسعار من باب الخلل بين العرض والطلب"، منوهاً في ختام حديثه بقوله "توصلنا إلى اتفاق بعد حوار صعب، البعض التزم به والبعض الآخر لم يتفاعل معه بالشكل الايجابي مما عكس نفسه في الشح بالعرض". وفي أعقاب جلسة ثانية مغلقة اقتصرت على الدكتور العليمي ووزير الصناعة، والتاجر يحيى الحباري، وعبده سعيد أنعم – وبعد امتناع الدكتور العليمي من الإدلاء بتصريحات للصحافة، وعلى ضوء الضجة التي عملها ممثلو وسائل الإعلام الذين بقوا في الانتظار لساعات خارج القاعات، لم يجد خالد راجح شيخ بداً من الإدلاء بتصريح أعاد فيه قراءة نص بنود الاتفاق السابق الذي أبرم قبل أكثر من أسبوع مع الغرف التجارية قائلاً: لقد اتفقنا على: أولاً- بالنسبة لسلعة القمح والدقيق الاستمرار بالأسعار السابقة المتفق عليها في الإجراءات السابقة، وثانياً- المطاحن كلها تشتغل بطاقتها القصوى، وثالثاً: التعاقدات تستمر مع الشركات التصديرية، ورابعاً: الصوامع يجب أن تغطي الكمية الداخلة في الخزن الاستراتيجي التي تغطي لأكثر من شهرين إلى ثلاثة. واتفقنا على أن تتكلف المؤسسة الاقتصادية بزيادة الكميات التي يتطلبها السوق في احتياجات العيد من اللحوم على وجه الخصوص، وسيتم مراجعة أسعار البيض والدجاج المجمد". وأضاف بأن الاتفاق شمل أيضاً "تشكيل لجنة متابعة مشتركة من نائب رئيس الوزراء ووزير الصناعة والتجارة ورئيس الغرفة التجارية وستتابع الالتزام بالمقررات التي خرجنا بها، كما أن لجان الضبط في الأسواق ستتحرك بالتعاون المشترك مع الأجهزة المباشرة في المجالس المحلية، وزارة الصناعة، المواصفات والمقاييس، وصحة البيئة والأمن، والملفات التي تصل للنيابة أن تبت بها النيابة وتتخذ فيها الإجراءات"، منوهاً إلى أن "التجار أثاروا بعض الجوانب الإجرائية وحصر أي رسوم إضافية ورفعها إلى مجلس الوزراء في أول اجتماع لمجلس الوزراء". إلاّ أن ما أدلى به كان محضر بيان اتفاق سابق مع الغرف التجارية، ولا علاقة له بما دار داخل الغرف المغلقة؛ الأمر الذي يؤكد ما سربته بعض المصادر بأن الاجتماع لم يفض إلى تفاهم بين الحكومة والتجار. من جهته صرح تاجر الدقيق يحيى الحباري عقب خروجه من الاجتماع الأخير قائلاً: "اتفقنا على أن نشغل كل المطاحن في الجمهورية اليمنية كاملة، ويظل الدقيق ب2630 ريال في المصانع ويضاف عليها النقل وربح التاجر وغيره ما فيش"، وأكد "أن الكميات في الصوامع والمخازن تكفي اليمن ثلاث سنوات". وكان الحباري تحدث في بداية الجلسة الأولى، مؤكداً الالتزام بالاتفاق الذي تم مع دولة رئيس الوزراء على هذه الأسعار والطاقة الإنتاجية الكاملة، مشيراً إلى أنه "الآن أسعار القمح يفوق أسعاره السائدة في السوق بحوالي 12- 20 دولار، لكننا التزمنا التزاماً أدبياً أمام الأخ رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية بأن نحافظ على الأسعار. ونحن ملتزمون بهذه الأسعار لكن نؤكد لكم بأن الأسعار العالمية في ارتفاع بشكل لا يطاق وفي نفس الوقت إذا أردت أن تطاع فآمر بما يستطاع، وإذا أردتم أن نستمر بالاستيراد فاتركوا لنا مجال للتعامل مع السوق.. وأنا أقول نريد رواتب وتشغيل منشآتنا الاستثمارية، ولا نريد غير ذلك. ونؤكد أن الربح الزائد في القمح والدقيق حرام، حرام، حرام .. والمزايدة بأسعار الدقيق حرام، حرام". التقت "نبا نيوز" بنائب رئيس جمعية حماية المستهلك – فضل منصور- لمعرفة المزيد من التفاصيل- إلاّ أن التعليمات المشددة بعدم تسريب معلومات لوسائل الإعلام وصلته خلال إدلائه بتصريحه الذي قال فيه أن المحاور الرئيسية لما دار في الاجتماع "هو خطاب الأخ الرئيس أمس وقبل هذا الاجتماع شرح الأخوة في القطاع التجاري بسلسلة من الاجتماعات، وهناك التزام ومبادرة تبشر بخير ونأمل أن يتم تنفيذ ذلك"، منوهاً إلى أن "ما تم الاتفاق عليه هو تخفيض الأسعار لجميع السلع سواء التي ذكرها الأخ الرئيس أو التي تهم المستهلك بصورة مباشرة وهذه بادرة خير نأمل أن تتم وان يلمسها المستهلك بصورة مباشرة". وحول طبيعة ما طرحه التجار حول رفع الأسعار، قال: " التجار طرحوا بأن هناك أسعار عالمية لكن الأسعار العالمية ليست بجميع السلع وإنما هي بسلع محدودة جدا؛ ونحن في حماية المستهلك كنا طرحنا هذا الموضوع في إطار تقرير لرئيس الوزراء لكن الأسعار العالمية لا تتناسب والزيادة التي طرأت، بالإضافة إلى أن هناك استقرار في كثير من السلع على مستوى العالم مثل الزيوت والملابس لم يتغير سعرها ولا نعرف ما هي الأسباب التي أدت إلى هذا الارتفاع الرهيب"، ملفتاً الأنظار إلى "أن أسعار اللحوم في عدن وصل الكيلو إلى 1700 ريال وهذا لا يستطيع تحمله المستهلك إطلاقا". وتأتي هذه الاجتماعات بتوجيهات مباشرة من لدن الرئيس علي عبد الله صالح الذي تحدث أمس باستياء بالغ عن الارتفاع غير المبرر للأسعار وطلب من الحكومة تحمل مسئولياتها في إعادة الاستقرار للسوق.. وهو المر الذي رجحت مصادر سياسية ل"نبا نيوز" أن يكون رفع الأسعار جزء من عمل "سياسي" مقصود يهدف إلى إحراج الرئيس علي عبد الله صالح نفسه الذي خرج للتو منتصراً من المنافسة الانتخابية، ومتفائلاً بشدة بأن يستطيع تحسين الظروف المعيشية للمواطنين والقضاء على الفساد. ويبدو أن مشكلة ارتفاع الأسعار ستمثل تحدياً لم يكن في الحسبان ضمن رهانات الرئيس صالح ، إذا ظل التجار يتلاعبون بالسوق على هذا النحو بغير إجراءات حاسمة ورادعة تعيد الأمور إلى نصابها.