جميل أنت يا وطني بتضاريسك المتنوعة التي ترسم لزائرها لوحة شاملة وخلابة وخارطتك الطبيعة الشاملة ومناظرك الطبيعية، ونسماتك اللطيفة ومدنك التاريخية وآثارك التي تشهد عليها ذرات رمالك. من مدرجاتك الجبلية إلى سواحلك الدافئة ومن مزارع البن في حراز إلى خلايا النحل في وادي دوعن ومن كهوف سقطرى إلى عرش بلقيس في مأرب، كل شبر من ترابك شهد حضارة سجلها التاريخ، تاريخك العريق تحفل به مكتبات العالم. هناك الكثير من المهتمين بالجمال والتراث والتاريخ في العالم من يبحثون عن جمالك ليقضوا على أرضك لحظات ممتعة يجدون فيها عبق التاريخ، فيقطعون المسافات ليضعون رحالهم على أرضك. وكعادتك تستقبلهم بجمالك المشرق الذي قد لا يعرفه الكثير من أبنائك وبكرم الضيافة التي تسحر كل ضيف على أرضك. هذا ما أتحفتنا به القناة الفرنسية الثالثة مساء الاثنين الموافق 6 نوفمبر 2006 حين عرضت برنامج عن اليمن بعنوان "لا يجب أن نحلم!"، أي أن ما سوف نشاهده هي الحقيقة بعينها. على مدار 105 دقائق تابعنا ذلك البرنامج وعشنا معه لحظات رائعة، عرض خلالها الجمال الآسر لتلك المناظر الجوية للمدرجات الجبلية والمعالم الأثرية والمدن التاريخية والأودية ما لم يعرضه التلفزيون اليمني نفسه. كانت المحطة الأولى للبرنامج هي العاصمة صنعاء، صنعاء التاريخ والحضارة، "مدينة المليون قمرية" كما قال عنها مقدم البرنامج لوران بينيولا. بدأ البرنامج بعرض مدينة صنعاء القديمة بحدائقها التي تتوسط الأحياء – ما تسمى في صنعاء ب"المقاشم" - والفن المعماري والأسواق والأزياء التقليدية والقمريات التي تزين واجهات المنازل وكيفية صنعها. كانت المحطة الثانية للبرنامج هي المدرجات الجبلية في حراز ومناخة ومزارع البن فيها، البن اليمني الذي ذاع صيته في القِدَم في كل أنحاء العالم، أما في عصرنا الحالي وللأسف فلا نجده سوى في طي النسيان ويكاد أن ينقرض. ولحسن الحظ لا زال هناك من أبناء اليمن الكثير ممن يحافظون على تلك الثمرة لأنها جزء من التاريخ اليمني. كم كان حديث أحد مزارعي البن في تلك المدرجات على سفوح الجبال الشاهقة يوحي بالفخر والاعتزاز بزراعة البن حين أجاب على مقدم البرنامج: "لن أبدل زراعة البن بزراعة القات مهما كان الثمن !". و هنا توقف البرنامج للحظات عند عظمة أبناء اليمن الأوائل الذين حولوا جبالها إلى مدرجات خضراء وصلت منتجاتها من البن والبخور والطيب إلى أغلب بقاع الأرض. كانت المحطة الثالثة للبرنامج هي مدينة العلم والعلماء، مدينة زبيد، التي لم تسلم من أيدي العابثين بتاريخها وموروثاتها العلمية والثقافية. انتقل البرنامج بعد ذلك إلى مدينة أخرى من المدن التاريخية، مدينة تعز وقلعة القاهرة، وتجول البرنامج في الأسواق القديمة وسوق الضباب وجبل صبر. وهنا ركز على دور المرأة اليمنية في جبل صبر ومساهمتها إلى جانب الرجل في بناء المجتمع اليمني سواء في الزراعة أو في التجارة أو في التعليم. المحطة التالية للبرنامج كانت في خيام البدو في الصحراء. وهناك أبرز البرنامج كرم الضيافة عند البدو وحرية المرأة البدوية مقارنة بالمرأة الحضرية والتي، كما جاء على لسان صاحب الخيمة، هي أهم ما يميز إنسان الصحراء! بعد ذلك سلَّط البرنامج الضوء على قضية محزنة، يرق لها القلب وتدمع لها العيون، قضية تقض مضجع كل من يمقت الظلم. إنها القضية المأساوية ل"أمينة"، تلك المرأة التي تقبع خلف قضبان السجن منذ تسعة أعوام مضت بتهمة قتل زوجها، والتي حُكم عليها بالإعدام ثم أُلغي الحكم كون أن الجريمة وقعت قبل أن تبلغ "أمينة" سن البلوغ.
وفي إطار هذه القضية قام البرنامج بعرض جزء من فيلم قصير كانت قد صورته خديجة السلامي وعرضته في عدة مدن يمنية وفرنسية. اختلفت الآراء في تلك القضية، تقول أمينة بأنها بريئة وأن القاتل هو من أهل زوجها بسبب مشاكل أرض وأُلصقت عليها تهمة القتل في حين ليس لها في تلك القضية لا ناقة ولا جمل- كما تقول. رجال ونساء في قريتها لا يصدقون أنها بريئة وأن القتلة هم من عائلة زوجها ويتضح ذلك من جوابهم على أسئلة مصورة الفيلم بقولهم: "يجب قتلها"، و"حكم الله"...الخ. أين هي الرحمة في بلد الإيمان والحكمة؟ وهل تلك المرأة التي دخلت السجن في ال14 من عمرها، بعد ثلاث سنوات من زواجها الإجباري، هي بريئة حقاً؟ أيها البلد الحبيب...يا يمن الإيمان والحكمة! هل صحيح كما يقال عنك بأنك بدأت تفقد هاتين الصفتين؟ أنتقل البرنامج إلى المكلا ليطلعنا على قنوات الري القديمة التي تُبرز ذكاء الإنسان اليمني منذ القِدَم في استخدام وسائل الري المفيدة، ثم رحل إلى جزيرة سقطره وكهوفها الأثرية التي لعبت فيها أيادي الشر فشوهت معالمها ونهبت كل ما فيها من موروث حضاري. حلق بنا البرنامج من سقطره إلى حضرموت الأبية، حضرموت الخير والعطاء، حضرموت بقصورها الشامخة ومدائنها القديمة وناسها البسطاء.
عرض البرنامج خلال دقائق الدور الذي يقوم به بعض رجال الأعمال اليمنيين المغتربين، كالشيخ سليمان سعيد بقشان، في المساهمة بناء المدارس والمستشفيات وغيرها من المشاريع التي تفيد المواطن. وادي حضرموت، حيث تنتشر فيه خلايا النحل، يشتهر بالعسل الدوعني الذي لم تَعبُر شهرته حدود اليمن فحسب بل عبرت حدود شبه الجزيرة العربية كلها. وبالطبع لم ينسى البرنامج أحد معالم اليمن الأثرية وهي مدينة شبام حضرموت، "ثامن عجائب الدنيا" كما قال عنها مقدم البرنامج. وكم هي رائعة المحطة الأخيرة للبرنامج، مأرب، إحدى أقدم حضارات الدنيا، وعلى أرض اليمن الطاهرة، حضارة دولة سبأ. هناك على أطلال عرش بلقيس ودَّعَنا لوران بينيولا وأختتم برنامجه الجميل الذي قضينا معه أمتع الأوقات. وما من مشاهد للبرنامج التقيت به إلا وأبدى إعجابه الشديد باليمن وجمالها الطبيعي وحضارتها العريقة. وطني الحبيب..أمي اليمن! إن ما تمتلكيه من مقومات طبيعية تمنحك فرصة كبيرة لتكوني إحدى الدول الرئيسية للصناعة السياحية في المنطقة العربية. لكننا بحاجة إلى ترويج سياحي قوي وإلى برامج تلفزيونية تغطي السهول والجبال والقيعان والأودية والصحراء والساحل والجزر لتظهر جمالك الطبيعي وتنوع مناخك وطيبة أهلك. لا يكفي أن تكون تلك البرامج باللغة العربية كما نراها على شاشة التلفزيون اليمني من وقت إلى آخر بل يجب أن تبث بلغات أخرى بحيث تصل إلى أكبر عدد من المشاهدين. ويكفي أن يكون هناك إرادة جادة لدى وزارة الإعلام ونية صادقة لدى الإعلاميين.