على مرمى آلاف الأميال كان ثمة شيء يستحق شد الرحال.. وترتيل أنات الاغتراب عن الوطن.. فقد ترك رالف بيكر الكنائس الألمانية خلفه تقرع الأجراس ليدنو من أصوات المآذن وهي ترفع الآذان للصلاة لذات الرب الذي يعبده.. ولم تك صنعاء في مفكرته إلا تلك العينة التي يتفحص من خلالها أغوار العالم الإسلامي في أقدس شهوره- رمضان. في صنعاء وجد بيكر نفسه مشدوداً لابتهالات الصيام، ولتلك النفوس الهائمة بطقوسها الروحانية.. فلم يكترث من أي كنيسة أتى وعند أي مسجد يقف فثمة إحساس رقيق كان يقرا به صفحات القلوب مثلما يقرأ الوجوه حتى صارت عدسته تستوقف لحظات الزمن في هذا الموضع أو ذاك، لتوثق كل نبض تحسست رجفاته في شهر الصيام.. ومع أنه كان يترصد بعينيه لحظات الحياة اليمنية، إلاّ أنه في النهاية اكتشف أنه صور كل لقطاته بضميره الإنساني المفعم بالحب، والاحترام الكبير لهذا المجتمع المسلم.. وها هو اليوم يعود مجدداً ليعلق كل أحاسيسه على جدران "البيت الألماني بصنعاء"، في معرض افتتحته سفارة ألمانيا الاتحادية بصنعاء مساء الثلاثاء تحت عنوان (جمال الصوم – رمضان في اليمن). المعرض يضم الكثير من الصور الفوتوغرافية النادرة عن مختلف المناطق والمدن والأحياء اليمنية، والتي التقطها المصور أثناء رحلته الأخيرة لليمن، التي صادفت مع أيام وليالي شهر رمضان المبارك- لتترجم حينئذ البُعد الجمالي الروحي للشهر الفضيل. هذا الرجل الذي قطع آلاف الأميال ليصور الطقوس الإسلامية، لم يكن هدفه من هذا المعرض الذي سيستمر حتى التاسع من ديسمبر إلاّ تعزيز التقارب اليمني - الألماني بشكل خاص، ومع العالم الإسلامي والغربي بشكل عام. الفنان رالف بيكر، بهذا المعرض يترجم رسالة أخلاقية سامية تدعو للتعايش السلمي الأمن بين الحضارات الإنسانية، ولعل ما ستحققه صورة واحدة من صوره قد تعجز عن تحقيقه جيوش، لأن الثقافة لا تفرض بالقوة إنما يغرس مفاهيمها عظماء البشرية! يشار إلى أن سفارة ألمانيا الاتحادية من أنشط السفارات الموجودة في صنعاء على الصعيد الثقافي والفني الذي تشترك في تنفيذه مع مختلف المؤسسات والهيئات اليمنية، علاوة على أن جمهورية ألمانيا هي أكثر الدول الأوروبية التي تقدم مساعدات ومنح لدعم التنمية الوطنية اليمنية.