في قلب العاصمة صنعاء، وفي الزمن الذي تبحث فيه اليمنيات عمن يمكنهن من الاندماج في الحياة، كانت هي خلف بوابة تعلوها يافطة كتب عليها (تيسير ماجك سنتر).. سيدة أنيقة بزيها اليمني، تتحرك كما الفراشة، وتمر على الجميع كما الربيع باسماً، تقدم لهذا طلباً، وتسأل تلك عن طلبها، وتجيب أخرى كانت تناديها.. وتتحرك هنا وهناك بحيوية.. فتأخذك الدهشة لروعة المكان، وروعة هذه المرأة، وتسافر بك لحظات الصمت، لكنك حتماً ستعرف أنها مدام تيسير حسن.. مدام تيسير هي أول يمنية تدير صالون اجتماعي وثقافي وترفيهي، وخدمات عقارية وهندسية، وتعهدات.. فالبعض يسميه "كوفي شوب Coffee-shop"، لأنه يقدم المشروبات، والمرطبات، والمعجنات، وبعض الأطباق المميزة.. وبعض آخر يسميه صالون إذ الخيمة العربية للأمسيات الثقافية والفنية، واللوحات التشكيلية الأصلية، والمكتبة المتواضعة التي تتوسط المكان، والإكسسوارات، والتحف والقطع التراثية التي توحي لك أنك تدخل متحفاً، والبيانو، ووجوه الأدباء والمثقفين والسياسيين الذين يتوزعون على الطاولات، ويتهامسون الحديث.. رجالاً ونساءً.. يبعثون الإحساس بأنك في بلد آخر.. فهي المرة الأولى التي تحتضن صنعاء مكان كهذا.. يحكي قصة التميز بكل أشكاله. وعندما تعرف أن مدام تيسير هي بنت صنعاء القديمة، وابنة القاضي حسن الشرقي، لابد أن تثق أن اليمن تعيش عالماً آخراً غير الذي كتبت عنه الدكتورة "كلوديا فايان" في كتابها الشهير:"كنت طبيبة في اليمن"! فريق "نبأ نيوز" كان أول الداخلين إلى صالون مدام تيسير، ليفتح الحوار مع أول سيدة أعمال يمنية تطرق أبواب الحداثة بمشروع نوعي مميز، وليجري معها الحوار التالي: • مشروع يطرق لأول مرة، فكيف جاءت الفكرة لمدام تيسير؟ • كانت الفكرة هو وجود ملتقى لنوعية معينة من الناس تفتقر إلى مثل هذه الأماكن الهادئة والمتميزة في صنعاء، مثل سيدات أعمال يبحثن عن أماكن يلتقين فيها تكون فيه شيء من الخصوصية، أو الرجال غير المخزنين يبحثون أحيانا عن أماكن يقضون فيها أوقات هادئة، فهم يشكون أنهم تعودوا أن كل شيء مستعجل.. يدخلون المطاعم يأكلون ويخرجون بسرعة، بينما أصبح بوسعهم تمضية وقت بقراءة كتاب أو شرب قهوة ، ومن الممكن الجلوس ساعتين أو أكثر في نفس الزاوية دون الشعور بالملل..
• وهل فعلاً وجدت إقبال؟ • نعم .. هناك إقبال كبير ، حتى أصبح عندنا في كل أربعاء تجمعات داخل الخيمة وخارجها يحضرها صحافيون، وفنانون تشكيليين، وأدباء، ومثقفين، وسياسيين.. وصار البعض يعقد لقاءات عمل في هذا المكان، ولقاءات ثقافية.. ومن يأتي إلى المكان لأول مرة يأتيه مرة ثانية. • يعني الفكرة توافق ميولك؟ • الفكرة جاءت لوحدها من غير مشورة، فقد كانت الفكرة هي أن تجتمع نشاطات عدة في مكان واحد.. فأنا أحب أن أجتمع مع الناس، وأتعرف عليهم ، وكان من الممكن أن أعمل بوتيك، أو نادي رياضي؛ لكن مثل هذه الأفكار أصبحت موضة، وأنا تقريباً فضلت أن أخرج عن المألوف؛ فأصبح المكان ثقافي وأدبي وفي نفس الوقت يسمى "كوفي شوب Coffee-shop"- خصوصاً وإن المكان تديره امرأة من صنعاء القديمة وبنت قاضي!! • ما الشيء الذي يشعرك أن هذا المكان مميز؟ • أولاً الناس الذين يأتون إلى المكان هم المميزين ، وثانياً أنك كل الأماكن التي تذهب إليها إما تحس نفسك في شارع أو جزء من المكان ، والكل يتطلع إليك.. لكن هنا المكان مختلف، فكل واحد في حاله.. ونحن خلال بضعة شهور أصبح لنا صيت على الرغم من أن المكان بسيط بأثاثه وديكوره، ولم نعمل له أي دعاية إعلانية، وهو في طور التوسعة.. وحتى اللوحات التي تراها هي لفنانين تشكيليين رائعين هما الفنان محمد اليمني، والفنان العراقي جعفر عبود، والفنانة العراقية مدام فيروز. • وماذا عن الأسرة، هل عارضت المشروع كونه فيه احتكاك مباشر بأناس مختلفين؟ • الأسرة أكثر الناس الذين وقفوا معي، وكذلك لدي أصدقاء شجعوني .. وما غير ذلك لن يهمني، فكما يقولون:"واثق الخطوة يمشي ملكاً"، فعندما طرحت الفكرة على الأسرة، قال لي الأهل جربي فإنك سوف تواجهين الأمور بروية، وتختلطين بناس وأنت قد المسئولية .. والحمد لله كل الأمور تسير على أحسن ما يرام! • وهل واجهت زبائن يتسببون بمضايقات، أو على غير ما تتمنين؟ • الكثير من الناس لهم طلبات غريبة ، وعجيبة ولكنني أوقفهم عند حدهم. فمثلاً هناك نساء يأتين ويطلبن "شيشة"، فأقول لهن أهلاً وسهلاً ولكن "ما فيش شيشة".. هناك أشياء ليست في مجالي ولا أحبها خالص، فالمكان عائلي.. وتأتي الكثير من العوائل إليه لذلك لدينا مكان مخصص للأطفال يمارسون فيه الرسم ويلعبون فيه. • هل ترتاد المكان شخصيات سياسية رفيعة؟ • سمعتنا – والحمد لله – واصلة إلى واشنطن، فسفيرنا عبد الوهاب الحجري قال أن الملحق الثقافي زار المكان أثناء إجازته في اليمن وتحدث عنه ؛ علاوة على أن بعض الشخصيات العربية زارت المكان وأبدت إعجابها مثل القنصل الجزائري، والقنصل المغربي، والسفير المصري وزوجته.. وفي الحقيقة أن الناس الذين يزورون المكان يتغربلون ولا يبقى إلاّ المميزين.. فهناك زوار من الرئاسة، ومجلس الوزراء، وسفراء، وشخصيات سياسية وحكومية كبيرة- وكان لي شرف كبير بزيارة الأستاذ خالد الرويشان وزير الثقافة الذي زاد من ثقتي بنفسي، وحفزني بإصرار على النجاح.. وأنا في الحقيقة لا أريد ناس "ملهومش لزمه" فالنوعية أفضل من الكمية. • هل تديرين المحل بمفردك، أم هناك من يساعدك؟ • العمل يعتمد علي في كثير من الأحيان ، ومعي أخت مشرفة على المكان ، وأنا أحاول دائماً أن أكون موجودة وأساعد في الكثير من العمل – بما في ذلك في المطبخ مع العمال من أجل تسريع العمل. والكثير من الناس عندما يأتون ولا يجدونني يتركوا المحل ويخرجوا .. لكني أجد صعوبة في أن يعتمد المحل على شخص واحد ، لذلك أحاول أن أباعد فترات زيارتي للمحل وأعتمد على العاملين في الإدارة، حيث أن العمل لدينا يبدأ من الساعة التاسعة صباحاً وحتى الواحدة ظهراً، ثم من الرابعة عصراً إلى الحادية عشرة مساءً. • من هم الأشخاص الذين آزروك بقوة، وتمتنين لهم!؟ • ناس كثيرين شجعوني على هذا العمل، وأولهم المهندس خالد الخولاني، فهو شخصية رائعة جداً، ودرس في أمريكا، وهو أيضاً شريك لأخي في شركة؛ والإنسان الثاني هو الفنان التشكيلي محمد اليمني، وهو الذي صمم ورسم، وشارك في عمل الديكور، ثم الدكتورة رؤوفة – أختها- التي هي أكثر واحد شجعني وتقول لي دائماً أن اعتمد على نفسي ولا أعتمد على بنت فلانة وأخت فلانة. • نرى أن العمال ذكور وليسو إناث – باعتبار المديرة امرأة- فما السر في ذلك؟ • العمال كانوا في البداية بنات، ولكن حدثت بعض المشاكل من سوء تصرف البعض منهن، والتغيب الدائم للبعض الآخر، وعدم الالتزام؛ لذلك قررت أن أعتمد على الشباب، وعندي عاملين سوريين ، وعامل يمني ، وحتى إن وظفت أحد ثاني سيكون شاب! • وهل تواجهين صعوبة في التعامل مع الشباب من موقع المسئولية؟ • لحد الآن أواجه صعوبة ، فأكثر الأشياء وحتى البسيطة أتابعها بنفسي ، وبدون المتابعة سيكون المحل شأنه شأن أي بوفيه خارجي آخر.. أنا متعودة على الترتيب والنظافة، وبتصوري في هذا المكان لمسات تفتقدها الكثير من الأماكن- حتى الراقية! • كسيدة وأم ، كيف تتعاملين مع المكان؟ • اعتبر المكان مثل بيتي، لذلك ترى أن فيه مجلس عربي ، وكراسي وطاولات، وبيانو، ولعب أطفال، ومكتبة، وتحف، وأشياء كثيرة هي من واقع إحساسي بأنه مثل البيت.. أنا أحب أن يرتاح الناس فيه ، فالكثير من الأماكن ندخلها لكننا نحس بعدم الراحة داخلها! • أي نوع من الموسيقى تفضلين تقديمها للزبائن؟ • الموسيقى الهادئة الكلاسيكية، أما الأغاني فهي من نوع الأغاني المميزة لأم كلثوم، وأصالة، وماجدة الرومي، وعبد الحليم حافظ، وكاظم الساهر. • إزاء هذه الخدمات، هل نتوقع أن تكون الأسعار مرتفعة؟ • لا أبداً، الأسعار لدينا عادية جداً وغير مرتفعة. (تيسير ماجك سنتر) .. ليس مكاناً عادياً، بل أنه مركزاً للكثير من الخدمات.. ففيه صالة لعرض الأعمال الفنية وبيع لوحات الفنانين التشكيليين، وبيع منتجات وأشغال يدوية نسائية متميزة ومختارة، وإكسسوارات تخص أعمال التصوير مثل براويز وألبومات مصنوعة يدوياً. أما القسم الآخر من المركز فهو مكتب خدمات عامة لبيع وتأجير العقارات وأعمال الديكور والتشطيبات، وتصاميم هندسية، وتنسيق حدائق، وتتعهد لإقامة الحفلات والمؤتمرات وورش العمل وحفلات الأعراس. وتتولى تقديم خدمات توظيف، وتقديم دراسات مشاريع واستشارات، وخدمات ترجمة فورية، ودعاية وإعلان .. بالإضافة إلى أستوديو التصوير بأنواعه.. وفي كل اثنين وأربعاء وخميس أمسيات فنية وثقافية وعلمية..