في الزمن الذي نعتقد أنه «جدب» دوماً هناك مفاجأة في اليمن، ودوماً هناك من لا ينتظر مساعدة أحد، بل يبادر، ويبدع، ويقول: هآنذا قبل الانشعال بالشعارات والعناوين الكبيرة. البعض اعتاد قياس التحولات في حياة المرأة اليمنية بحجم وجودها في مجلس النواب، أو المجالس المحلية، فيخيل له أنها مازالت رهينة عصر «المكالف» كونها لا تملك أكثر من مقعد برلماني، وينسى النظر إلى كفاح هذه المرأة في مختلف القطاعات المهنية، ولا حجم أدوارها في صناعة الحياة غير السياسية التي هي حياة السواد الأعظم من اليمنيين. لكن إذا أردنا قياس التطور في تفكير وأسلوب حياة المرأة اليمنية ليس علينا سوى النزول إلى أرض الواقع للتعرف على مستوى مشاركتها التنموية، والبون الشاسع بين حالها الأمس وحالها اليوم، وبين حرياتها قبل عقد ونصف وحرياتها اليوم. أمس فوجئت ان ابنة صنعاء القديمة تفتح أول صالون ثقافي في اليمن أو كما اعتاد البعض تسميته «كوفي شوب».. من يصدق أن مدام تيسير بنت القاضي حسين الشرقي تفتح وسط العاصمة صالوناً كبيراً، تسحر الداخل إليه خيمته العربية، والقطع التراثية من الصناعات الشعبية التي تطرز كل ركن من جدرانه، ومكان رائع للصغار المرافقين لأسرهم، ولوحات فنية رائعة تتكلم عن نفسها، وأشياء كثيرة رغم أنها كانت ساحرة وجميلة على نحو مذهل، إلا ان الأروع منها كان مدام تيسير نفسها التي تتنقل بين زبائنها بحيوية واحتشام فتبعث الإحساس في النفس أن المرأة اليمنية ستنتصر على فحولة الكثيرين من استصغروها سواء رضوا أم أبوا !؟ صالون مدام تيسير ليس مجرد مكان لتناول المشروبات الباردة أو الساخنة أو المرطبات وغير ذلك، بل هو ملاذ يستظل تحته المثقفون، والفنانون والسياسيون، والإعلاميون وكل من أرهقه ضجيج المدنية وبات بحاجة إلى ساعة هدوء يخلد فيها برفقة ذكرياته، أو العديد من أهل الرأي، والإبداع بعيداً عن أي روتين آخر. ورغم أن المكان رائع بكل معنى الكلمة، لكن تعلق المرء به يعود إلى هذه السيدة الجرىئة التي كسرت الكثير من القيود الاجتماعية سواء تلك المتعلقة بكونها امرأة أم تلك التي ظلّت لصيقة بأسر القضاة وبطقوس صنعاء القديمة، فعندما يجرى الحديث عن كل هذه الظروف ثم نجد فجأة أن هناك من نجح.. بمفرده .. من تخطيها، والاندماج في المجتمع المهني لابد أن نعيد تفكيرنا بكل الذرائع والحجج التي لطالما قدمناها على طاولات النقاش لتبرير إخفاقنا في تمكين المرأة سياسياً أو مهنياً.. ولابد أن تشدنا الأنظار إلى إرادة المرأة اليمنية نفسها في بلوغ كل ما تصبو إليه، لأن مدام تيسير أثبتت لنا أنها لم تجلس في بيتها بانتظار من يطرق عليها الباب ويمنحها المنصب أو الاستقلالية الشخصية.. كما أنها لم تمض وقتها بكتابة التقارير نسخاً عن بيانات العام الماضي، أو عن أدبيات منظمة خارجية ومن ثم تسطير الأماني تلو الأماني وملء العالم ضجيجاً بمطالب الحقوق والحريات وغير ذلك مما تعودنا سماعه من كثير من النساء وهن يتحدثن عن تجاربهن الفاشلة في الترشح أو التدرج الوظيفي. لا أحد ينكر الموروث الاجتماعي والثقافي، فهو حقيقة نعيشها، لكن العيب كله أن تستسلم المرأة لذلك الموضوع وتتحول إلى جزء من فتاويه أو ممارساته وتتجاهل أن في داخل كل امرأة «مدام تيسير» ذات الإرادة القوية التي قررت قبل ثلاثة أشهر فتح صالون نوعي ليظلل كل المبدعين والمثقفين والمفكرين وكل أسرهم، إذ أن هناك رغبة وطموحاً لتوارث الإبداع