اليوم يوم عرفة، الذي يباهي به الله ملائكته بعباده الذين جاؤوه شعثاً غبراً من كل حدب وصوب، إلا أن وضعنا العربي الذي أصبح دون الحضيض، يحرمنا من شرف أن يباهي الله بنا ملائكته!! أيباهي بمن أخذوا من الإسلام الانتماء وتركوا ما تبقى، أيباهي بمن أصبحوا أذلة صاغرين لا تقوم لهم قائمة! أيباهي بمن شهدوا أن لا إله إلا أمريكا، وأن بوشاً عبده ورسوله! لا أقول هذا بسلبية العاجز، ولكن مباهاة الله بنا ملائكته شرف كبير عظيم لا يمكن أن نستحقه ما لم نحاول أن نغير ما في أنفسنا حتى يغيرنا الله. وقد تكون أولى الخطوات الإيجابية التي نتخذها هي أخذ موقف من اختيار الأمريكيين لهذا اليوم العظيم لتنفيذ حكم الإعدام على صدام! وقبل أن يتشدق هذا أو ذاك قائلاً: (ها هو أحد أزلام صدام يدافع عنه)، أجيبه قائلاً أنني لم أكن ولن أكون من أنصار صدام، وأنا لا أدافع عنه، ولكنني استنكر حكم المحكمة والفرق كبير، وشعب العراق لا شك أدرى وأخبر وأعلم بما فعل صدام، وإن كان يستحق هذه العقوبة أو لا، لكن ما كنت أؤمن به من قبل سماعي حتى بخبر تنفيذ الحكم، هو أن صدام لا يجب أن يحاكم أو يعدم إلا بقرارٍ عراقي لا لبس فيه، دون (رعاية) من أحد. ومما زاد من استنكاري لهذا القرار توقيته المريب، وفي هذا الأمر نقطتان مريبتان: الأولى: ناحية دينية، فهل يعقل أن يعدم صدام في يوم الأضحى المبارك؟! هل يريدون القول أن صدام هو (الذبح العظيم) الوارد في قوله تعالى (وفديناه بذبح عظيم)، وإن كان كذلك فمن هو المفتدى؟! العراق؟ ولا شك أبداً في أن اختيار يوم عيد الأضحى يجعل في نفس كل عربي غصة، حتى من تأذى من صدام وأزلامه، هذا بافتراض آدميتهم، فما من إنسان يتمنى لأحد الموت، خاصة لو كان في موته شبهة (تجارة) بدمه. الثانية: ناحية سياسية، فلا يخفى لأي شخص يمتلك الحد الأدنى من القدرة على الاستنتاج والاستنباط –ما لم يكن عميلاً يود تصديق رواية سادته- أن في (التسريع) بحكم الإعدام غاية سياسية وصفها لوبان –المرشح للرئاسة الفرنسية- أنها مناورة سياسية رخيصة! أما لماذا أرى أن لا شك في هذه (الغاية السياسية)، فلذلك أسباب كثيرة سأحاول الإحاطة ببعضها، فأولها وأهمها، أن (بوش) في مأزق سياسي خطير يحتاج وبشدة إلى التعلق بأي قشة حتى ولو كانت قشة (صدام)، فشعبيته تتناقص، وهو على وشك الإعلان خلال أيام عن استراتيجية أمريكية جديدة في العراق، ويبدو أن هذه الاستراتيجية تتطلب الانتهاء من (لعبة) صدام، والمحاكمة الهزلية التي تحولت إلى محاكمة (سمجة)، ويضاف إلى ذلك أن الانعقاد الأول للكونجرس الأمريكي بالقيادة الديمقراطية الجديدة سيكون في الثالث من شهر يناير أي بعد أيام قليلة. ويدعي بعض الموالين للوجود الأمريكي في العراق أن القضاء على صدام حسين سينهي وجود حزب البعث، وهذا الكلام يتناقض بشدة ما مع ما يقوله هؤلاء الموالون أنفسهم، فهم يصورون صدام بالطاغية الذي فرض على الجميع أفكار حزب البعث، والآن يدعون أن (البعث) سينتهي بإعدام صدام، فلماذا إذن بقي هؤلاء (البعثيون) بعثيين حتى اليوم رغم اختفاء صدام من الساحة؟! نقطة أخيرة هامة، لماذا التسريع في تنفيذ الحكم، على الرغم من أن محكمة (الأنفال) والتي يعتبرها الكثيرون أكثر (حبكة) من محكمة (الدجيل) لم تنته بعد، ولم يصدر الحكم فيها، ولماذا تم تجاهل طلب طارق عزيز –والذي ظل صامتاً لفترة طويلة- بعدم تنفيذ الحكم في صدام قبل أن يدلي بمعلومات مهمة في القضية؟!! هل هناك ما يخشاه الأمريكيون، أو تخشاه الحكومة العراقية؟ أعود وأكرر في الختام، أنني لم أكن من أنصار صدام، ولن أكون، إلا أن أمريكا بغطرستها، وغرورها، ووقاحتها، ولا أبالغ إن قلت وغبائها، مصرة على أن تزيد من عدائنا لها، باستفزاز مشاعرنا كعرب بأن تقدم لنا أكبر ذبيحة لعيد الأضحى، فهل يحب أحدنا أن يأكل لحم أخيه ميتاً، وهل يباهي الله بنا ملائكته إن فعلنا؟ [email protected]