- القاص السعودي ماجد الثبيتي - ... أغمضت عيني وبكيت ، كأن أغفو قليلاً وأنحدر ببطء نحو القاع ، النوم كان في القاع وأنا أذهب إليه ، بكيت وأنا أغفو وأنا أنحدر وأنا أذهب للنوم . المطر الذي لم ينتهِ منذ يومين، طويلاً متسلسلاً و غير مزعج ، هو بالتقريب البكاء أثناء الذهاب للنوم . حين جاءنا أخي " ؤ " بنبأ موته ، لم يكن موته هو سبب المطر الذي لا ينتهي أثناء النوم ، ولكني أشير هنا ليوم أني أغمضت عيني وبكيت . أطفأنا الفانوس مبكراً ، و لم ننعم كثيراً بمشاهد الظلال وهي تطارد بعضها على الجدران ، و هي تقتل بعضها على الجدران ، وهي تلتف بعد أن تتعب من المطاردة حول النافذة التي لم ينته عنها المطر منذ يومين . ** البارحة توقفنا عن النوم ، أنا وأخي الذي مات ، قررنا ذلك و فعلناها ، تقريباً كان السبب هو ضجرنا من الأحلام المكررة ، والمتشابهة لشخصين ينامان في غرفة واحدة ، و الأكيد أنه من أجل سبر أغوار ما بعد النوم ، وددنا أن نكتشف ما الذي يحدث أثناء نوم كل الناس ، من الذي يرعى قطيع الكلاب في القرية ، من الذي يَحلب نباحها دون أن يترك قطرة واحدة على الأرض ، تساءلنا كثيراً عن الذين يترامون بالنجوم بذلك المقدار الشجاع من القوة و الطول ؟ أسئلة أسوأ من هذه كانت أسباباً مقنعة للتوقف عن النوم. ** ( تجيء نجرب القوة ؟ ) قالها أخي الذي مات ، لم تكن هذه الدعوة لتجريب العضلات كما يحدث في العادة ، ولكن في قدرتنا على إبصار أقصى نقطة في هذا الأفق ، جربنا معاً قدرتنا في النظر ، قبل البدء باكتشاف ليل ما بعد النوم ، جربنا ذلك قبل مجيء الليل.. بدأ هو فقال : - أني أرى على ذلك الجبل البعيد شجرا يمشي ! فدققت أنا بالتحديق أكثر و رأيت فإذا به أبي يحمل على رأسه حصاد اليوم ، فضحكت حتى امتلأت عيناي بالدمع . فقاطعني الذي بدأ وقال : - أبي مات منذ عام ، و الحصاد الذي يحمله على رأسه هو رأسه يا غبي . إلا ترى جيداً ؟ مسحت دمع الضحك من عيني اليمنى و نظرت مرة أخرى ورأيت أن الجبل الذي يمشي عليه شجر مثل أبي قد غاب . الجبل الذي وقفنا بعيداً عنه ، مسيرة ثلاثة أيام قد غاب ، غمره الليل فجأة و قلت : - لا أرى شيئاً ! ضحك حينها أخي الذي مات ، ضحكة المنتصر و قال : - ألم أقل لك ؟ أنه شجرٌ يمشي على قمة الجبل ، واسمعه الآن يركض إلينا ، أتسمع ؟ أصخت السمع قليلاً ، وتذكرت قبل سماع أي شيء أنه يفترض بنا أن نهرب ، ألاّ ننتظر ، فركضت و أنا أسمع من يركض خلفي يركض يركض يركض يركض ..... ** بدأت ليلة عدم النوم ، واستعدت الحواس لكشف ما بعده ، راقبت بدقة اختفاء كل شيء على حدة ، انسلال الأشياء إلى الظلال ، أمي في البدء اختفت ، بعد أن صفعتني لأسباب متعلقة بالله وبسياستها في تربيتنا، راقبت اختفاءها بجدية أكثر ، حضورها في غرفتنا ، يدها أولاً و شعرها و ملابسها ، شيئاً فشيئاً ، واختفاء صوتها تدريجياً ، تعليماتها من الغرفة الأخرى و تهديدها و لعنها لنا، حتى لم يعد لها شيء ، لدرجة أنني ظننت أن لا أم لنا من شدة متابعتي لبراعة اختفاءها ، لو لا تنبيه أخي الذي مات أنها قد تسمعنا لو تكلمنا بصوت مرتفع ، لكنت بكيت بسبب ذلك الظن . تصاعدت أول خيوط الليل ، ليل ما بعد نوم كل الناس ، هكذا أسميناه ، سمعنا أصوات لم نعرف لها أسماء معينة من قبل ولكن أبرزها هو صوت الكلاب ، نباحها المتواصل ، لا شك أنها تجرب قوتها في الرؤية هكذا قلت ، ولكنها لن تستطيع أن ترى شجراً مثلما رأيت هكذا قاطعني أخي الذي مات ، أنصتنا أكثر ، نريد أن نكتشف كل أسرار ليل ما بعد نوم كل الناس ، أهل القرية كلهم في جهل عظيم من ما يحدث أثناء نومهم ، أنا و أخي الذي مات نتنافس لمعرفة كل شيء ، لم نعرف بعد ولكننا نتنافس ، بعد أن هدأت الأصوات قليلاً ، وساد الصمت في الغرفة سألني أخي فجأة : - لماذا الليل أسود ؟ فجعني هذا السؤال ، لو قلت أنه أربك إيماني لما كذبت ، حركه عن موضعه بشكل قوي ، لم يخطر على بالي من قبل هكذا سؤال ، لماذا الليل أسود ؟!! و لأننا لم نتفق على هكذا مفاجآت ، " زعلت " ، قررت حينها الانسحاب ، الغدر الذي هو أحد خصال أخي الذي مات ، منعني عن إكمال الطريق ، قام هو بضربي على هذا الانسحاب ، أن لا توفي بوعدك يعني أنك خائن هكذا قال ، بكيت أنا ، أغمضت عيني وبكيت أكثر ، كأن أنحدر من علو الجبل و النوم في القاع ، تاركاً خلفي ليل ما بعد نوم الناس ، ذهبت هكذا للنوم ...