تعودنا على الحديث عن الفساد في جهات معينة، حتى تطبعنا عليه، فأصبح الحديث عن فساد (الكهرباء) و(النفط) و(الصحة) حديثاً (مملاً) سمجاً ولا معنى له، أما اليوم فسأتحدث –كنوع من التغيير- عن فساد وزارة (الاتصالات)، وهو فساد يفوق فساد الوزارات الأخرى مجتمعة، إلا أنه بعيد عن الأنظار لكون العارفين بأمره قليلون. عند الحديث عن وزارة الاتصالات يتبادر إلى الذهن جملة من المفردات مثل: (مدينة التكنولوجيا)، (الريال الإلكتروني)، (الحكومة الإلكترونية)، (الإنترنت)، وعند التمعن في كل واحدة من هذه المفردات نكتشف (كارثة) أو (نثرة) كما يقال بالعامية. فمدينة التكنولوجيا، لا هي مدينة ولا علاقة لها بالتكنولوجيا، وأذكر حادثة لطيفة في أحداثها، مخيفة في معانيها، تلخص الموقف في مدينة التكنولوجيا، فقد قامت مجموعة من الشباب العاملين بمجال التكنولوجيا بتأسيس مجموعة (لا تسعى إلى الربح) ولأنهم متفائلون (زيادة عن اللازم) ذهبوا إلى مدينة التكنولوجيا - لاعتقادهم أن لها علاقة بالتكنولوجيا- ليعقدوا مؤتمرهم التأسيسي هناك، فرحب القائمون على المدينة بطلب المجموعة، وحولوا رسالتهم إلى (الصندوق) لدفع مبلغ فلكي، لا تستطيع مجموعة من الشباب دفعها، إلا أن إصرار الشباب دفعهم إلى الكفاح للوصول إلى معالي وزير الاتصالات الذي استمع باهتمام وأبدى غضبه الشديد، واستاء استياء شديداً، واكفهر وجهه، وأرغى وأزبد، وتمخض ليلد فأراً، وأمر بتخفيض المبلغ إلى النصف!! فأصبح المبلغ الفلكي مبلغاً نصف فلكي، إلا أن أحد الشباب والذي يعرف الوزير طلب منه مساعدتهم أكثر، وقام الوزير بالتوجيه بإعطائهم المدرج مجاناً، إلا أن (زجاج) نفسية هؤلاء الشباب كان قد تحطم وتهشم، وكسر الزجاج لا يجبر، وكان هذا أول وآخر اجتماع للمجموعة يتم عقده في صنعاء، ومن الجدير بالذكر أن هذه المجموعة لها مثيل في دول عربية أخرى ولقيت (دعماً مادياً ومعنوياً)، وعجز شبابنا أن يحصلوا حتى على (الدعم المعنوي)، ومما زاد من الطين بلة، أن محاضرة تالية عقدت في مدينة التكنولوجيا وكانت عن العلاج بالإبر الصينية!! ولتحيا التكنولوجيا! أما (الريال الإلكتروني) فحدث ولا حرج، فقد صرف على هذا المشروع العظيم أكثر مما صرف على النهر العظيم في ليبيا، وإن كانت لدى (الزعيم) الجرأة أن يعلن أن مشروعه كان فاشلاً، فوزارتنا لا تعترف بمثل هذا الفشل، لأنهم لا يمتلكون مثل هذه الجرأة. لا أريد أن أتحدث كثيراً عن تفاصيل مشروع (الريال الإلكتروني) لأن المشروع (أفشل) من أن نتحدث عنه، على الرغم من المبالغ (الخيالية) التي استلمها إخواننا التوانسة، وعلى الرغم من اقتراب مبيعات (الريال الإلكتروني) من الصفر. أما (الحكومة الإلكترونية) فقد وئدت في المهد، ولن أنسى تعليقات البعض عند سماعهم عن الحكومة الإلكترونية، فمنهم من قال: (حيعينوا وزراء يشتغلوا بالكهربا، وإذا طفيت يركبولهم بطاريات)، ومنهم من قال: (حكومتنا الآن حكومة إلكترونية، كل وزير بيدير وزارته بالتلفون والموبايل والفاكس والإس إم إس!)، وغيرها كثير من التعليقات. إلا أن المتابع لموضوع (الحكومة الإلكترونية) يعرف تماماً أن الوضع (أسوأ) بكثير من كل هذه التعليقات، فالمشروع في مرحلته الأولى والبالغة 5 سنوات، تجاوز هذه المدة ولم يحقق شيئاً!! خمس سنوات من الفراغ و(الكلام الفاضي) ورفض تسليم الأوراق الخاصة بكل وزارة حرصاً على (الفساد) القائم! أما (الإنترنت) فهي تهم شريحة واسعة من المواطنين على العكس من (النثرات) السابقة، ولن أتحدث عن (البطء) الشديد، و(معارك) الاتصال بالإنترنت، بل سأتحدث عن (الابتزاز الالكتروني). ولمعرفة تفاصيل هذا الابتزاز يجب أن نعلم تفاصيل الاشتراك بالإنترنت عبر خدمة الADSL، وهي كالتالي: الاشتراك نوعان (منزلي) و(تجاري)، وسنأخذ أسعار الخدمة بسرعة 256 ك.ب. لأنها المشتركة بين (المنزلي) و(التجاري). الاشتراك المنزلي بسرعة 256 ك.ب. لمدة 120 ساعة شهرياً، ب 6000 ريال. الاشتراك التجاري بسرعة 256 ك.ب. مفتوح 24 ساعة، ب 42000 ريال شهرياً!!! هل تلاحظون معي الفارق؟ والمضحك المبكي الذي لا يتصوره عقل بشري أن المواطن الكريم الذي يعيش في هذا البلد (السعيد) والذي يملك مكتباً تجارياً لا يحق له الاشتراك بالمنزلي وإذا اكتشفوا (تلاعبه)، واشتراكه باشتراك منزلي حل عليه الويل والثبور وعظائم الأمور! قد يدافع القائمون على إدارة الإنترنت عن موقفهم بتفاهات مثل (التكاليف العالية) وغيرها من الأعذار الجاهزة التي يستخدمها مسئولونا، إلا أنني سأسد عليهم الطريق بما يلي: تستطيع أن تشترك بخدمة الإنترنت في كندا بما يعادل 5000-6000 ريال شهرياً اشتراكاً (مفتوحاً 24 ساعة)، ليس هذا فقط، بل أن السرعة هي 30 م.ب. أي ما يعادل 120 ضعفاً لخدمة الإنترنت المفتوح 24 ساعة!!، أي أنك تحصل على سرعة أعلى بكثيييييييييييير، بمبلغ أقل بكثييييييييييييير. لنأخذ مثلاً آخر من مصر، فالاشتراك بخدمة ADSL بسرعة 512 ك.ب. (أي ضعف السرعة الموجودة)، بمبلغ شهري لا يتعدى 40 جنيهاً أي –صدق أو لا تصدق- أقل من ألفي ريال!!! لن أدخل كثيراً في التفاصيل (فارق السرعة، وفارق الخدمات، فارق الدفعات الأولى، ...الخ)، فإذا كانت هذه الخدمات التي تقدمها وزارة المواصلات، فلماذا (الجعجعة) والتغني بأمجاد زائفة؟! لقد أعلنت الوزارة (بصلافة ووقاحة) أن عام 2006 سيكون عاماً لمحو الأمية المعلوماتية، ولم أجد في 2006 إلا ترسيخاً لهذه الأمية. أيها السادة إن المأساة الحقيقة في وزارة المواصلات أنها تعود إلى الوراء بدلاً من التقدم، ولا يسعنا إلا أن نناشد الوزير والقائمين على الوزارة، أن يقفوا بوضع الوزارة على ما هي عليه، ما دام التقدم مستحيلاً، ولا حول ولا قوة إلا بالله.