قد لاندرك نحن معشر المعلمين وأولياء أمور الأطفال،وبصورة فورية مباشرة المقدمات والمدخلات والأسباب المؤدية إلى النتائج والمخرجات في تصرفات ومدركات الأطفال والعلاقة البنيوية السببية بين تلك المقدمات والنتائج.. وقلما يدور في عقولنا التلازم الشرطي بين مافعلوه وقاموا به ويقومون الآن به وبين طرائق تعليمنا لهم وأساليبنا التربوية المألوفة في تعاملنا معهم. وقد تبدو روابط التفاعل عند تأدية الأدوار التعليمية في المدارس والتربوية في الأسر باعتبار أن الأهل والمعلمين راشدون تقع عليهم جملة من الواجبات والمسئوليات نحو الأبناء أشبه بقطارين يسيران بسرعة كبيرة في خطين متعاكسين، قطار الطفولة في اتجاه وقطار الراشدين في اتجاه معاكس، ومحاولة إلقاء أية نظرة من نافذة أحد القطارين إلى القطار الآخر، ستكون بسرعة خاطفة وغير واضحة لأن مجال الرؤية لم تتوافر فيه شروط الابصار المطلوبة، وكذلك على ما أعتقد هو حال واقع الطفولة في البيوت والمدارس فالمعلمون إلى جانب مشكلاتهم الخاصة.. مطالبون بالتحضير اليومي والتدريس المتكرر للدروس وإعداد النماذج الامتحانية الدورية واتباع توجيهات الإدارة المدرسية وقائمة التحسينات الاشرافية من المشرفين،منتظرين بفارغ الصبر استلام رواتبهم مترقبين بأمل أية زيادة مالية ولو من باب الأماني والاحلام الوردية، وكذلك أولياء الأمور فهم يقطعون الأيام والاشهر والسنين لهثاً في سباق ماراثوني محموم لسد احتياجات اسرهم ومن يعولون من ضروريات الحياة ويكافحون لحل مشكلات أبنائهم التغذوية والصحية والمدرسية والاجتماعية والسلوكية الخُلقية لتأمين المستوى المقبول أو الأدنى من الاستقرار والتماسك الاسري، وبالرغم من أن هناك كثيراً من الأولياء والمعلمين الذين لايقومون حتى ببعض تلك الأدوار الوظيفية الضرورية لتربية وتعليم الأطفال لتحقيق المستوى الأدنى بسبب قسوة ضغوط الحياة وحاجاتها اليومية التي تلهب ظهورهم بصورة متجددة مع انعدام فرص العمل وعدم كفاية الدخل المتحصن. ولكن دعونا نفترض أنهم «الآباء المعلمون» يقدمون بما عليهم من أدوار بقدر استطاعتهم وحسبما تسمح به ظروفهم المعيشية القاسية من غير إهمال متعمد فهل تنتهي أدوار ومسئوليات أسر ومعلمي الأطفال التربوية والتعليمية عند حدود مايقومون به من وظائف ضرورية أسرياً ومهنياً تعليمياً؟ أم أن الفضاء التربوي والتعليمي للأهالي والمعلمين كما يرسمونه بأدوراهم الواقعية يفتقد إلى مناخات أكثر تنوعاً ومدارات أكبر اتساعاً وأنفد عمقاً؟! وبعبارة أخرى ما الذي ينقص أطفال الحاضر ولا يوجد لديهم اليوم وهم رجال المستقبل أليس متوافر لهم تناول المأكولات والمشروبات والعقاقير الطبية ويمتلكون الملابس والمقتنيات الشخصية مهما كانت نوعية الجودة ردئية فيما سبق.. ألا يسمح لهم بمشاهدة بعض أو معظم البرامج التلفزيونية، ويحصلون على بعض أو جل الوقت لتمضيته لهواً ولعباً وتسلية مع الاصدقاء والأقارب، وماعليهم مقابل ذلك سوى تأدية ماعليهم من واجبات مدرسية، وتنفيذ تعليمات الراشدين وقبولها بطاعة تامة دون مناقشة أو تمرد رافض!!. ماذا يحتاجون وهم مراراً وتكراراً يذهبون للمدارس ويحملون على ظهورهم مايتوجب عليهم حمله من المناهج والكتب الدراسية؟منصتين بإطراق للإذاعة المدرسية في اصطفاف موحد وماعليهم غير الالتزام بتعليمات الإدارة المدرسية والجلوس الصامت أمام سيل المعلومات المتدفقة من أفواه المعلمين وليس مطلوب منهم غير اجهاد ذاكرتهم لحفظها وضمان عدم تفلتها لتدوينها كماهي على أوراق الاختبارات من غير نسيان. أليس هذه في الواقع الصورة الذهنية المرسومة لدينا لما ينبغي أن يسلكه هؤلاء الأطفال حتى يكونوا صالحين طيبين أذكياء مهذبين؟! ولكن ألا يحتاج الأطفال إلى أشياء أخرى أكثر إلحاحاً لماهو متاح ومتوافر لهم على الصعيد الأسري والتعليمي؟ ليست مثالية فجميع الأدوار والمسئوليات التي تقوم بها الأسر والمدارس تجاه الطفولة هي اشباعات ضرورية ولايمكن الاستغناء عنها مطلقاً، ولكنها على ما أعتقد غير كافية لسبب بسيط جداً وهو أن جميع تلك الأدوار لم تحاول اكتشاف الصورة الذهنية لدى الأطفال عن أنفسهم من هم وكيف يفكرون؟ ما استعداداتهم وأين تكمن قدراتهم الإبداعية فيهم؟ ماذا يملكون حالياً من مواهب وماذا يأملون أن يكونوا عليه لاحقاً؟ مامخاوفهم ومشكلاتهم ومصادر قلقهم؟ ما أهم مايلح على عقولهم من أسئلة محيرة وماهي اقتراحاتهم وحلولهم الفردية؟ ماهي قناعاتهم وقيمهم الشخصية وأراؤهم الذاتية؟ أيها الأولياء والمعلمون هناك عالماً تكوينياً داخلياً ونظاماً خفياً في شخصيات الأطفال لايمكن الاقتراب منه وقراءة شفرته وتشغيل مناتجه واستثمار طاقاته في كل ماهو جيد وخير وصالح وناجح مالم نحاول تأدية بعض الأدوار وامتلاك واتقان بعض المهارات اللازمة أثناء التعامل معهم لاشباع حاجاتهم في سياق أساليب التنشئة والطرائق التعليمية من تلك المهارات اللازمة لتأدية الأدوار الغائبة التي يحتاجها الأطفال أشد الاحتياج أثناء التعامل مع حاجاتهم على سبيل القصر لا الحصر :- 1 مهارات فن التواصل وكسر الحواجز. 2 مهارات حل المشكلات وطرائق تعليم التفكير. 3 مهارات تكوين العلاقات وبناء القواعد. وغيرها من المهارات التي ينبغي على الأسر والمدارس معرفتها وممارستها مع عالم الطفولة في هذا العصر الذي بدت ظواهره اليومية أكثر تعقيداً وأسرع تغيراً وبما يوحي بمستقبل أكبر انفتاحاً على خيارات عديدة واحتمالات شتى ممكنة قد يغيب فيها ماهو معقول ومنطقي، وسنحاول طرق تلك المهارات اللازمة في اعداد قادمة إن شاء الله تعالى. * الاستاذ المساعد بقسم اصول التربية جامعة تعز / الجمهورية