وصف الدكتور أبو بكر القربي- وزير الخارجية- المرحلة التي تمر بها الشعوب العربية ب"لحظة تاريخية حرجة" وقال أنها "تعيش أحداثا عاصفة تفرض على القمة العربية المناقشة الجادة للقضايا المصيرية، والتصدي لها بروح المسؤولية العليا، مؤكداً أن تعزيز التضامن العربي يقع في سلم أولويات المشاركة اليمنية في القمة، وأنها ستعمل مع الأشقاء من أجل كل ما يحقق توحيد الصف العربي وتنقية الأجواء العربية. ورفض القربي أي عمل عسكري ضد إيران، داعياً إلى العمل الحثيث على نزع فتيل المعركة ودعوة الجميع إلى طاولة المفاوضات والعمل على تجنيب المنطقة "مخاطر أي مواجهات عسكرية سيدفع ثمنها الجميع"، في نفس الوقت الذي وصف علاقات اليمنبإيران ب"طبيعية"، مشيراً إلى أن من وصفها ب" المجموعة المتمردة في صعدة" حاولت"توظف العامل المذهبي والطائفي في تمردها ضد الدولة وتصويرها ما يدور هناك وكأنه حملة ضد المعتقدين بالمذهب الشيعي لكسب تعاطف إيران"، منوهاً إلى "إن إخماد هذا التمرد والقضاء عليه من بديهيات مهام الدولة في الحفاظ على وحدة الشعب الوطنية". جاء ذلك في حوار أجرته "الاقتصادية" معه في العاصمة السعودية الرياض * ما أبرز القضايا التي سيشدد عليها الوفد اليمني خلال القمة سواء على صعيد الشأن العراقي أو العربي أو وضع الجامعة العربية؟ -- القضايا التي تحملها اليمن إلى المؤتمر هي القضايا المصيرية ذاتها والهم المشترك للأمة العربية حيث سيحرص على معالجتها برؤية عربية مشتركة ابتداء بالشأن الفلسطيني والصراع العربي الإسرائيلي وسبل تحريك عملية السلام استنادا إلى المبادرة العربية، وأشكال دعم حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية، ورفع الحصار الجائر عن الشعب الفلسطيني. كما تحتل الأوضاع المتدهورة والمأساوية في العراق اهتماما خاصا حيث ستسعى للخروج بموقف جماعي يدعو إلى الوحدة الوطنية العراقية والحفاظ على استقلال العراق وهويته العربية ووحدة أراضيه، والتصدي للصراعات الدموية العبثية التي أخذت تنحو منحى طائفيا ومذهبيا خطيرا وكذا الدعوة إلى قيام حكومة وطنية لكل العراقيين وتجسد وحدة العراق في مختلف جوانبها. وستكون الأزمة اللبنانية موضوع اهتمام القمة والعمل على تنحية كل ما يمكن أن يضر بمقومات الوحدة الوطنية اللبنانية بما فيها مخاطر الحرب الأهلية. وكذا البحث عن معالجة الأوضاع في دارفور وتجنب الهجمة الشرسة التي يتعرض له السودان فسنحرص على الخروج بقرارات تدعم عملية السلام والوحدة الوطنية في هذا البلد الشقيق لتشمل هذه العملية الأوضاع في دارفور وبما يجنبه التدخل في شؤونه الداخلية وفرض عقوبات دولية عليه. والواقع أن جامعة الدول العربية بحاجة ماسة للدفع والتفعيل بحيث تستطيع القيام بدورها المؤثر والحيوي في هذه الظروف الحرجة، وبشكل عام بدأت عملية الإصلاح المؤسسي تأخذ طريقها وسنعمل بجدية واهتمام للارتقاء بدور هذا التجمع العربي المهم وبما يتواءم والظروف الدولية. * ما هي نظرة اليمن للنتائج المرجوة من القمة؟ -- تمر الشعوب العربية بلحظة تاريخية حرجة وتعيش أحداثا عاصفة تفرض على القمة العربية المناقشة الجادة لهذه القضايا المصيرية، والتصدي لها بروح المسؤولية العليا والخروج برؤية قومية تسمو إلى مصاف هذه المخاطر التي تمس الوجود الكياني والمستقبلي للشعوب العربية، وتحدونا الآمال الكبيرة أن تخرج القمة بنتائج على مستوى التحديات الراهنة. * من سيرأس الوفد اليمني خلال القمة؟ -- فخامة الأخ الرئيس علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية. * التوتر يسود أكثر من جهة عربية وفي مواقع مختلفة فهل يمكن أن تعمل على إعادة التضامن العربي والأمل في إزالة بؤر التوتر والخلافات في العالم العربي؟ -- على الرغم من حجم الصعوبات والتوترات التي تسود في أكثر من موقع عربي كما ذكرتم، ومع ذلك لا ينبغي لنا أن ندع اليأس يتسلل إلى نفوسنا، وأن ننظر إلى المستقبل بعزيمة قوية، وإلا فقدنا الإيمان بحتمية النجاح لتفعيل العمل العربي المشترك، مع قناعتي بأن ذلك لا يتحقق بالتمني بل بالعمل المثابر والفاعل والتصدي الحازم لهذه الصعوبات برؤية عربية منسجمة تأخذ في الحسبان أماني الشعوب العربية وتطلعاتها. ودون شك فإن مؤتمر القمة في الرياض سيشكل عاملا قويا لمزيد من التنسيق والارتقاء بأشكال العمل العربي المشترك. * ما هي أفضل الآليات في رأيكم لحل الخلافات العربية العربية؟ -- إن الاجتماعات العربية على مستوى القمة والمشاورات التي تجري بين قادة الدول العربية في إطار دبلوماسية القمة من أفضل السبل للتشاور والتنسيق لحل أي خلاف وتسهيل التوصل إلى قواسم مشتركة تجاه المسائل الخلافية، وتلعب الجامعة العربية وأجهزتها المتخصصة دورا مهما في هذا المضمار، والتي يقع علينا مهمة دعمها والاستفادة من التجارب الدولية الأخرى كالاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي في مجال حل الخلافات. * هل تعتقدون في ظل الخلافات العربية العربية أن هناك حاجة إلى تفعيل "عهد التضامن" بين القادة العرب الذي أقرته القمة العربية في تونس؟ -- التضامن بين الشعوب والقادة العرب مسألة وجود وليس ترفا نمارسه حينما نشاء ونتقاعس عنه في أحيان أخرى، فلا سبيل لحماية هذا الوجود إلا بالعمل على تنقية الأجواء وتعزيز التضامن العربي الذي يشكل السد المنيع لكل ما يهدد أمننا القومي والالتزام بعهد التضامن وتنفيذه يمثل إحدى الآليات. * إلى أين وصلت جهود اليمن لإرساء المصالحة بين الفرقاء الصوماليين؟ وهل تتوقعون أن يحظى هذا البلد بالاستقرار مستقبلا؟ -- تبذل الجمهورية اليمنية بالتعاون مع الأطراف الإقليمية والدولية الأخرى المهتمة بالشأن الصومالي قصارى جهودها للمساعدة على استقرار الأوضاع في هذا البلد الشقيق المثخن بالجراح، وما زال يعاني من آثار حرب أهلية مدمرة، وتعمل دون كلل على تعزيز الحوار والمصالحة الوطنية بين الحكومة الانتقالية الصومالية والفرقاء الآخرين على قاعدة الوحدة الوطنية والحفاظ على وحدة الأراضي الصومالية، والقضية ليست بذلك القدر من اليسر، بل يكتنفها الكثير من التعقيدات القبلية والسياسية والموروث الثقيل الذي أفرزته الحرب الأهلية. وفي هذا السياق تحضر حاليا الحكومة الصومالية الانتقالية لعقد مؤتمر للمصالحة في نيسان (أبريل) المقبل، وتسعى اليمن إلى مشاركة جميع الأطراف الصومالية في الحوار دون استبعاد كل من يؤمن بوحدة الصومال وينبذ العنف والإرهاب ويعمل بإخلاص على تعزيز الأمن والاستقرار في هذا البلد الشقيق، وسنحرص خلال القمة على أن تحظى الأوضاع في الصومال بمزيد من الاهتمام العربي وأن تجد القرارات الصادرة عن القمم العربية حول الوضع الصومالي طريقها إلى التنفيذ والتوصل إلى تصورات عملية مشتركة تساعد الشعب الصومالي على الخروج من أزمته الراهنة. * كيف ينظر اليمن إلى الحديث عن عمل عسكري ضد إيران وتأثيرات مثل هذا العمل في أمن المنطقة واستقرارها إذا ما حدث؟ -- أي عمل عسكري هو عمل ضار ومدمر دون شك، ويكفي تأمل ماذا تحصد شعوبنا مما حدث ويحدث نتيجة حرب العراق والآثار الخطيرة التي لحقت بالأمن القومي العربي بسبب ذلك. وتؤمن اليمن بأن الحوار والشفافية وطرح جميع المشكلات على طاولة البحث هو الأسلوب الأنجع لتسوية المشكلات كافة. وبمزيد من الصبر والتأني والعقلانية يمكن الوصول إلى حلول تأخذ في الحسبان مصالح الجميع، وإذا ما وقعت المواجهة العسكرية، لا قدر الله، فإن ساحتها هي منطقتنا العربية، ولن يكون أحد بمنأى عنها، وسيقع أثرها المباشر على شعوبنا التي ليست في حاجة إلى بؤرة صراع أخرى. وعلينا العمل الحثيث على نزع فتيل المعركة ودعوة الجميع إلى طاولة المفاوضات والعمل على تجنيب منطقتنا مخاطر أي مواجهات عسكرية سيدفع ثمنها الجميع. * ما تقييمكم لعلاقات صنعاء مع طهران في ضوء ما يتردد عن دوافع مذهبية وطائفية لتمرد الحوثي؟ -- العلاقة مع إيران طبيعية، وإن حاولت المجموعة المتمردة في صعدة والخارجة عن النظام والقانون أن توظف العامل المذهبي والطائفي في تمردها ضد الدولة وتصويرها ما يدور هناك وكأنه حملة ضد المعتقدين بالمذهب الشيعي لكسب تعاطف إيران، وخلال زيارتي لطهران أوضحت للقيادة الإيرانية حقيقة ما تقوم العناصر المتمردة في صعدة، وأنهم ينتمون إلى المذهب الزيدي الذي يتعايش مع المذهب الشافعي منذ قرون، حيث يعيش معتنقو المذهبين من أبناء الشعب اليمني الواحد في وئام وسلام ولم يشهد التاريخ اليمني إطلاقا احترابا تحت المظلة الدينية، وقد كفل الدستور اليمني حرية المعتقد. فاستحضار العامل المذهبي من قبل هذه الزمرة الإرهابية ما هو إلا غطاء لممارسات تمس بوحدة الوطن، وإن رغب هؤلاء في التعبير عن أطروحاتهم السياسية وتقديراتهم لما يدور في الوطن من تفاعلات سياسية واقتصادية واجتماعية يحق لهم تأسيس حزب سياسي يعبر عن رؤاهم تلك والعمل على تحقيقها بالوسائل السلمية في إطار التعددية السياسية والحزبية والتنوع الفكري الذي تنتهجه بلادنا، وينظم الدستور اليمني وقانون الأحزاب والتنظيمات السياسية هذه المسألة. أما التدثر بالرداء الديني والمذهبي والعمل على تخريب الوحدة الوطنية وشهر السلاح في وجه الحكومة الشرعية فإن إخماد هذا التمرد والقضاء عليه من بديهيات مهام الدولة في الحفاظ على وحدة الشعب الوطنية. * وأخيرا هل سيطرح اليمن أي مشروع خلال القمة سواء لتعزيز أجواء الاستقرار في العراق أو لبث روح التضامن العربي إن وجدت؟ -- تؤيد اليمن المشروع العربي لتعزيز أجواء الاستقرار في العراق وقوامه الحفاظ على وحدة الشعب والأراضي العراقية ورفض تقسيمه على أسس مذهبية أو عرقية، والدعوة إلى قيام حكومة وطنية تحمي مصالح كل ألوان الطيف السياسي والقومي والمذهبي ولا تفرق بين أي فئة منهم، ومواجهة أنشطة المليشيات التي توجه سلاحها بحزم مهما كان انتماؤها، مع ضرورة البدء في مسيرة توافق عراقية تعالج مطالب العراقيين وبناء قوات مسلحة وطنية تعلو فوق المذهبية والطائفية البغيضة وتعيد الاستقرار والأمن إلى العراق الشقيق، والعمل على جدولة انسحاب القوات الأجنبية منه. وأود التأكيد أن تعزيز التضامن العربي يقع في سلم أولويات المشاركة اليمنية في القمة العربية وسنعمل مع الأشقاء من أجل كل ما يحقق توحيد الصف العربي وتنقية الأجواء العربية مما قد يكون قد علق بها من شوائب.