في تحول استراتيجي يعد الأول من نوعه الذي يشهده عهد الرئيس علي عبد الله صالح منذ تسنمه مقاليد حكم اليمن في 17 يوليو 1978م، صدر أمس الخميس القرار الجمهوري رقم (50) لسنة 2007م بتشكيل أول حكومة يمنية تفصل بين القيادة الحكومية وبين القيادة التنظيمية لحزب المؤتمر الشعبي العام (الحاكم). فقد أناط الرئيس علي عبد الله صالح تشكيل الحكومة بالدكتور علي محمد مجور ليخلف بذلك عبد القادر باجمال، ليتفرغ الأخير لمنصبه التنظيمي -أميناً عاماً للمؤتمر الشعبي العام؛ فيما أقصى من التشكيلة الحكومية الجديدة جميع القيادات التنظيمية للمؤتمر من أعضاء الأمانة العامة، وهم : صادق أمين أبو راس – الأمين العام المساعد .. وزير الإدارة المحلية عبد الرحمن الأكوع – الأمين العام المساعد .. وزير الشباب والرياضة د. عبد الملك المعلمي – عضو الأمانة العامة .. وزير الاتصالات د. خديجة الهيصمي – عضو الأمانة العامة .. وزيرة حقوق الإنسان وبهذا التغيير تصبح حكومة الدكتور علي مجور أول حكومة في عهد الرئيس صالح لا تشارك فيها قيادات الأمانة العامة للمؤتمر الشعبي العام.. في إطار توجه استراتيجي جديد في سياسة الرئيس صالح، يراعي التالي: أولاً: إن الربط بين قيادات السلطة وقيادات المؤتمر جاء تلبية لظروف نشأة المؤتمر (24- 29 أغسطس 1982م) الذي أريد له آنذاك تحشيد الجهود الوطنية (السياسية والشعبية) لأغراض اقتصادية تنموية بحتة تعالج تخلف البنى التحتية، وتضفي طابع مؤسسي على العمل الوطني، فضلاً عما تهيأه هذه الصيغة من مناخ على طريق الوحدة اليمنية.. لكن بعد انتهاء فترة "الحضانة" وإنجاز المطلوب، والوصول إلى صيغة دولة المؤسسات آن أوان "الفطام". ثانياً: منح مؤسسات الدولة اليمنية استقلالية تامة من أية ارتباطات حزبية قد تؤاخذ عليها في الحسابات الديمقراطية. ثالثاً: كان لانتقال رموز المؤتمر القيادية الكفوءة إلى مراكز قيادية حكومية (وزارية) في نفس الوقت الذي ظلت تحتفظ بمراكزها التنظيمية، تأثيراً سلبياً على تطور الأداء التنظيمي للمؤتمر، إذ أن هذه القيادات انهمكت بهموم الوزارات التي تولت قيادتها وتغيبت عن ساحة العمل التنظيمي، كما أن المؤتمر خسر بذلك بعض عناصر حراكه الفكري والجماهيري.. رابعاً: إن صيغة الفصل بين قيادة التنظيم وقيادة الحكومة يأتي استجابة لتطورات داخلية بدت في ظلها المعارضة (أحزاب المشترك) نشطة في حراكها داخل تكوينات الوسط الشعبي، وقادرة على إحداث تحريك نسبي للشارع وهو الأمر الذي كان يستدعي من المؤتمر تعزيز وجوده في الشارع، وفي المجتمع المدني، وموازنة الساحة. خامساً: من المعروف أن الرئيس صالح يتمتع ببعد نظر في قراءته للمستقبل، وهو في ضوء التحديات الدولية التي أخذت تنقل معاركها مع دول المنطقة من ساحة الحكومات إلى ساحة الشعوب برهانات مذهبية ومناطقية وفكرية مختلفة تهدف تجويف القاعدة التي تقف عليها الأنظمة.. فمن الواضح أن الرئيس صالح يتطلع خلال المرحلة القادمة إلى أدوار كبيرة يلعبها المؤتمر على مسار حماية الهوية الوطنية، ومحاربة الأفكار الدخيلة، وتعزيز التلاحم الوطني. في جميع مراحل عهد الرئيس صالح كانت قيادات الأمانة العامة للمؤتمر هي التي تتولى المناصب الحكومية العليا. فالرئيس صالح تولى الحكم في 17 يوليو 1978م، وفي يوم 18 يوليو قدمت حكومة عبد العزيز عبد الغني- المشكلة من عهد الرئيس السابق أحمد الغشمي- استقالتها لكنه استبقاها لظروف متعلقة بتداعيات تلك المرحلة. وكانت أول حكومة تشكلت في عهد الرئيس صالح هي حكومة الدكتور عبد الكريم الارياني في 15 أكتوبر 1980م، والتي جاءت بعد (5) أشهر فقط على صدور القرار الجمهوري رقم (5) لسنة 1980م القاضي في مادته الأولى بتشكيل لجنة الحوار الوطني ، وفي الثانية التحضير لعقد المؤتمر الشعبي العام الذي يتولى المصادقة على مشروع الميثاق الوطني. وهكذا كانت ولادة المؤتمر الشعبي العام متزامنة مع حكومة الدكتور الارياني الذي ما لبث أن اصبح الارياني الرجل الثاني في قيادة المؤتمر بعد الرئيس صالح. الحكومة التالية في 12/11/1983م برئاسة عبد العزيز عبد الغني الذي استمر حتى إعلان الجمهورية اليمنية 1990م.. وبعد إعلان الوحدة حافظت قيادات الأمانة العامة للمؤتمر على مناصبها الوزارية في الحكومات المتعاقبة- ابتداء من حكومة حيدر أبو بكر العطاس (24/5/1990م)، ثم الائتلافية مع الاصلاح والاشتراكي برئاسة العطاس ايضاً في (30/5/1993م)، ثم الائتلافية بين المؤتمر والاصلاح برئاسة عبد العزيز عبد الغني(6/10/1994م)، وحكومة فرج بن غانم (15/5/1997).. ومنذ يوم (16/5/1998م) الذي شكل فيه الدكتور عبد الكريم الارياني أول حكومة مؤتمرية صرفة ظل منصب رئيس الوزراء حكراً على منصب الأمين العام للمؤتمر. فقد أعقبه عبد القادر باجمال في 4/4/2001م الذي واصل الجمع بين رئاسة الحكومة وأمانة المؤتمر حتى مطلع الأسبوع الجاري الذي صدر فيه تكليف رئيس الجمهورية للدكتور مجور لتشكيل الحكومة.. ولكن حكومة خالية من قيادات الأمانة العامة للمؤتمر لتسجل تحولاً استراتيجيا في منهج الحكم يحدث بعد (25) عاماً من عمر المؤتمر الشعبي العام- الحزب الحاكم في اليمن. التشكيلة الحكومية الجديدة.. انقر هنا..