من «نعم الله» علينا أو من غضبه أننا في زمن «العولمة» بأنماطها الثقافية الترفية .. هذه الثقافة تحرسها وتسوقها «قنوات فضائية» لا حصر لها ولا نهاية لتناسلها وتعدد مجالات اهتمامها بعد أن غطت هذه «القنوات» مختلف المجالات الحياتية ولم تدع مجالاً في حياتنا إلا وغطته .. فهي تنقل لنا الأخبار السياسية وتفاصيل الأحداث طازجة ومباشرة وكما يقال «من المصنع إلى المستهلك» وتنقل لنا الندوات الفكرية والعلمية والمواقف وتفاصيل الحياة الإنسانية وحتى حياة الحيوانات وطريقة عيشها وحال البيئة وأوضاع الأحياء المائية في أعماق المحيطات .. وبفضل هذه «القنوات» عرفنا حياة القصور وحكاية القبور والكهوف والأدغال والبراري والقفار وشاهدنا «مياه الصحاري والنار في أعماق المحيطات الهادرة ..!! «قنوات» تعلمنا السياسة والفكر والثقافة والكذب والدجل والشعوذة والسحر والفجور والمجون والرقص والغناء والحب والحرب وقيادة السيارات والسباحة والتخسيس والرشاقة وركوب الخيل..! أليس كل هذا «نعمة» ..؟! «قنوات» سهلت لنا كل شيء في الحياة قد نحتاجه.. فقط علينا أن نتصل ونحن في غرف نومنا .. اتصل لتعبر عن رأيك في قضية فلسطين والعراق والقاعدة والجهاد والجندر وزواج المثليين ...!! اتصل لكي تعرف حظك ونجمك ومستقبلك ونسبة حبك لزوجتك والعكس وقريباً ستكون هناك خدمة معرفة يوم وساعة الانتقال من دار الدنيا إلى دار الآخرة ..!! اليوم من السهل أن تكون فناناً أو ممثلاً أو راقصاً أو طبالاً أو طباخاً أو إرهابياً أو لصاً محترفاً أو دجالاً ومشعوذاً أو قواداً !، أي شيء تريد أن تكونه يأتيك وتحققه لك «الفضائيات»؟! قنوات توفر لك الأخبار والأفكار والمتع والملذات ، وقنوات تقرأ بختك وطالعك وتعرفك بكل شيء عن حياتك.. ماضيك، حاضرك، مستقبلك. «قنوات» توظفك ، وقنوات تخطب لك بعد أن تكون قد اختارت شريكة حياتك .. وقنوات تعقد قرانك على صاحبة الحظ وتزفك .. وعلى أية طريقة تريد الزواج «عرفياً مسيارياً مؤقتاً متعة لمدة شهر أو عام» كل هذا ممكن ومتاح ..!! وهناك «قنوات» جاهزة لأن تختار لك «البيت» الذي تريد وفي أي مكان تريد من العالم .. وأخرى توفر لك الفرش والأثاث وهناك قنوات تكفل لك أدوات المطبخ وقنوات تختار لك السيارة و«قنوات» تعطيك «فتاوى» بجواز الرضاعة من زميلتك في العمل حتى لا يكون «الشيطان» ثالثكما..؟! صحيح أنني وأطفالي من مشاهدي «قناة السيارات» وقناة العقارية» ونستمتع بمشاهدة هاتين القناتين ،، لأنهما تكسبانا ثقافة ومعرفة عن العالم الأسطوري المترف الذي تسيرنا به هاتان القناتان وأن من باب العلم بالشيء مع أن «زوجتي» أصيبت بصدمة يوم اشترينا «سرير نوم» من الحراج وهذا ما دفعنا لتكثيف وقت مشاهدة «قناتي السيارات والعقارية» حتى لانتعرض لصدمة حضارية أو لحالة إغماء إذا ما استأجرنا يوما منزلاً غير شعبي أو تمكنا من «شراء جاري حمار» باعتباره أرقى وسيلة مواصلات لأمثالي ..! واللافت أن كل هذه «القنوات» حاضرة معنا وفي خدمتنا ومع ذلك هناك من يتحدث عن تخلفنا وجهلنا وفقرنا والبطالة والعدالة الغائبة ؟ إنها «البطرة» والجحود بكل هذه «النعم» التي اتحفتنا بها «العولمة» وهكذا تحول العالم بفضلها إلى «عوالم» و...مدد ..ومدد ...و...شيل يالله .. يا بن علوان غارتك..!