صيد ثمين بقبضة القوات الأمنية في تعز.. وإفشال مخطط إيراني خطير    بريطانيا تخصص 139 مليون جنيه استرليني لتمويل المساعدات الإنسانية في اليمن مميز    الصين: بعد 76 عاما من النكبة لا يزال ظلم شعب فلسطين يتفاقم    استعدادا لمواجهة البحرين.. المنتخب الوطني الأول يبدأ معسكره الداخلي في سيئون    بائعات "اللحوح" والمخبوزات في الشارع.. كسرن نظرة العيب لمجابهة تداعيات الفقر والجوع مميز    وداعاً للروتين.. مرحباً بالراحة: بطاقة ذكية تُسهل معاملات موظفي وزارة العدل!    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    يوفنتوس مصمم على التعاقد مع ريكاردو كالافيوري    كلوب يسخر من واقعة المشادة مع صلاح    ريال مدريد يحتفل بلقب الدوري الإسباني بخماسية في مرمى ديبورتيفو ألافيس    وزارة الحج والعمرة السعودية توفر 15 دليلاً توعوياً ب 16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    العليمي يصل المنامة للمشاركة في القمة العربية    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    الاتحاد الأوربي يعلن تطور عسكري جديد في البحر الأحمر: العمليات تزداد قوة    بمشاركة أهلي صنعاء.. تحديد موعد بطولة الأندية الخليجية    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    وزيرا المياه والصحة يبحثان مع البنك الدولي تمويل إضافي ب50 مليون دولار لمشروع رأس المال البشري مميز    نص المعاهدة الدولية المقترحة لحظر الاستخدام السياسي للأديان مميز    نيمار يتصدر معدل صناعة الفرص في الدوري السعودي رغم غيابه! (فيديو)    الخطر الحقيقي على الجنوب وقضيته يكمن في معاشيق    ولي العهد السعودي يصدر أمرا بتعيين "الشيهانة بنت صالح العزاز" في هذا المنصب بعد إعفائها من أمانة مجلس الوزراء    هيو جيو كيم تتوج بلقب الفردي وكانغ تظفر بكأس الفرق في سلسلة فرق أرامكو للجولف    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    دعوة مهمة للشرعية ستغري ''رأس المال الوطني'' لمغادرة صنعاء إلى عدن وتقلب الطاولة على الحوثيين    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    «البلسم»تختتم حملتها الطبية في اليمن وتنجح في إجراء 251 عملية قلب مفتوح وقسطرة تداخلية للكبار والأطفال    وصول شحنة وقود لكهرباء عدن.. وتقليص ساعات الانطفاء    قطع الطريق المؤدي إلى ''يافع''.. ومناشدات بتدخل عاجل    الرئيس الزُبيدي يقرر إعادة تشكيل تنفيذية انتقالي شبوة    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    عار على الجنوب وقيادته ما يمارسه الوغد رشاد كلفوت العليمي    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    ثنائية هالاند تُسحق ليفربول وتضع سيتي على عرش الدوري الإنجليزي!    "امتحانات تحت سيف الحرمان": أهالي المخا يطالبون بتوفير الكهرباء لطلابهم    عدن تنتفض ضد انقطاع الكهرباء... وموتى الحر يزدادون    صراع على الحياة: النائب احمد حاشد يواجه الحوثيين في معركة من أجل الحرية    شاهد:الحوثيون يرقصون على أنقاض دمت: جريمةٌ لا تُغتفر    رئيس انتقالي لحج "الحالمي" يعزي في وفاة الشخصية الوطنية والقيادية محسن هائل السلامي    في الذكرى ال 76 للنكبة.. اتحاد نضال العمال الفلسطيني يجدد دعوته للوحدة الوطنية وانهاء الانقسام مميز    وفاة امرأة وطفلها غرقًا في أحد البرك المائية في تعز    الذهب يرتفع قبل بيانات التضخم الأمريكية    سنتكوم تعلن تدمير طائرتين مسيرتين وصاروخ مضاد للسفن فوق البحر الأحمر مميز    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    بن عيدان يمنع تدمير أنبوب نفط شبوة وخصخصة قطاع s4 النفطي    وصمة عار في جبين كل مسئول.. اخراج المرضى من أسرتهم إلى ساحات مستشفى الصداقة    أسرارٌ خفية وراء آية الكرسي قبل النوم تُذهلك!    إنجاز يمني تاريخي لطفلة يمنية    ما معنى الانفصال:    البوم    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    هل تعاني من الهم والكرب؟ إليك مفتاح الفرج في صلاةٍ مُهملة بالليل!    دموع "صنعاء القديمة"    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    هل استخدام الجوال يُضعف النظر؟.. استشاري سعودي يجيب    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سبتمبرٌ جديد وصِدام بين جيش الشعب وقوات النظام
نشر في نشوان نيوز يوم 24 - 09 - 2011

ولد يمن ما قبل الثورة الشعبية السلمية، بعملية قيصرية من قبل الجيش في سبتمبر 1962، بعد صراع طويل مع قوى التخلف والظلام، يوم أعلن الضباط الأحرار افتتاح اليمن الجمهوري، يمن الشورى والديمقراطية الذي يستمد تشريعاته من الدين الإسلامي الحنيف ويكون فيه الشعب مصدر كل السلطات، يمن الحضارة والإنسان، يمن يجب أن يكون..

ولم تكن الثورة اليمنية سبتمبر 1962-أكتوبر1963، إلا نقطة انطلاق في الطريق الطويل، فهي كالزمن لا يعود إلى الوراء، ولكنها كالطفل الذي سيلاقي كثيراً من المصاعب ويتعلم الكثير من الدروس، ولا محالة سيصل أو يموت.. لذلك ظل اليمن منذ ذلك اليوم في صراع مع مخلفات الماضي الذي يريد أن يعود، وعوامل الحاضر التي صنعها الآخرون ولا تتناسب كلياً مع اليمن، باعتبار اليمن حلماً حضارياً في قلوب أبنائه ولا يستطيع إلا أن يتحقق. لا أن يُقاد.
ومن مبادئ وأهداف سبتمبر وأكتوبر رضع الجيش، كمؤسسة وطنية يملكها الشعب، فكان أساسها سليماً في شطري الوطن، بصرف النظر، عن الأنظمة السياسية والقيادات التي تعاقبت على السلطة خطأً وصواباً، فما دام الأساس سليماً فالخطأ مرض يعالج..
تلك بداية لابد منها.. للحديث عن الجيش اليوم، ففي رحاب اليمن السبتمبري حدث هذا كله.. إذ عندما صعد علي عبدالله صالح إلى السلطة 1978، لم يكن سوى مواطنٍ أمكن له الوصول إلى أعلى منصب يجعله المسؤول الأول عن الشطر الشمالي للوطن، وعن كل أبنائه.. ويومها كان الوطن يشهد صراعات مختلفة من آثار الصراع مع الإمامة وصراعات التشطير، والصراع مع طموحات السلطة.. فكان صالح حينها بحاجة إلى الجميع لكي يستقر له الوضع ولكي يواجه خصومه..
وعادة ما يتحرك الشر في الظلام، ويركب الرياح فتقوده إلى موقع المسؤولية، وهناك يبدأ بالقضاء على كل بقعة ضوء حتى لا تكشف ظلامه، لأن الضوء يكشف الصورة للجميع.. فعلي عبدالله صالح لم يصعد إلى السلطة من بطولاته وتاريخه النضالي ومشروعه الحضاري، بل استغل الصراعات والاغتيالات، وخلو الساحة من قوي وطني يستطيع الوصول.. فلذلك ركب الرياح.. ولأنه ليس من أبطال الثورة، فقد حرص على طمس تضحيات اليمنيين وأبطال الثورة، فلا نكاد نسمع عن الزبيري إلا ما يقوله المثقفون، ولا نكاد نسمع عن الحمدي إلاَّ ما يقوله الشعب... الخ..
ولأنه عندما صعد إلى السلطة لم يكن سوى واحداً في الوطن الكبير وحوله جميع الرجال والقوى، فإنه لم يستطع القضاء على الجيش كمؤسسة وطنية، وعلى الجندي كحارس أمين على الوطن تشرب مبادئه من سبتمبر العظيم.. وبسبب الصراعات الأخرى التي يحتاج فيها إلى الجندي، والجندي، أي جندي، ، هو أكثر المواطنين تشرباً للمبادئ الوطنية، لطبيعة عمله والدروس التي يتعلمها لأجل ذلك، فهو سيضحي بروحه ويواجه مختلف المخاطر، ولابد من قضية يضحي لأجلها.
وعندما التحم الجسد اليمني 22/مايو90، بدأ صالح بالتخلص من شركائه في الوحدة، طمعاً في السلطة، ولكي يبدو بطلاً، لأنه يعلم وشركاؤه، أن الشعب اليمني هو بطل كل البطولات، فهو لا يسعى إلى البطولة بالوفاء والبناء، بل في التحايل على العهود والقضاء على الأبطال الحقيقيين... وكانت المؤسسة العسكرية يومها مكوناً وطنياً ناتجاً عن التحام جيشين جمهوريين مختلفين، ما جعل هذه المؤسسة غير عائلية أو شخصية بل هي مؤسسة وطن، لذلك لم يتمكن النظام من إفساد الجيش كما تمكن لنظيره السوري والليبي مثلاً.. لكن ذلك لم يكن كافياً لمنع النظام من تنفيذ مخططات وبرامج لإضعاف هذه المؤسسة..
برنامج الرئيس..
مثلما ذكرنا أن علي عبدالله صالح قبل 1994 كان واحداً.. وكان بحاجة إلى الجميع، فاحتاج إلى الانجاز.. وما تحقق لليمن حتى ذلك اليوم، كان جهداً جماعياً لكل القوى الوطنية والشخصيات السياسية والاجتماعية جنوباً وشمالاً.. قبل وأثناء فترة علي عبدالله صالح.. أما بعد أن تخلص من شريكه السياسي في الوحدة، فقد شعر أنه بطل.. وأن الكثير يسميه كذلك.. فبدأ يتصرف كما يريد فقط..
وكان اليمن حينها يعاني أزمة اقتصادية خانقة، نتيجة حرب الخليج وعودة أكثر من مليون مغترب، ونتيجة الحرب بين شركاء الحكم والتي انتهت بإقصاء الاشتراكي.. فكان رجال اليمن سياسيين، وأكاديميين، ووجاهات اجتماعية وقيادات حزبية، كلهم بحاجة إلى علي عبدالله صالح.. بسبب الحاجة المعيشية، فالرجل لا يصبح مطاعاً بين أتباعه إلا إذا امتلك ما يعيِّشهم به، والسياسي لن يتمكن من أداء عمله، إلا إذا وصل السلطة.. فانضم الكثير من المعارضين إلى السلطة، وانضوى الكثير من الشخصيات الاجتماعية في حزب السلطة.. وانضم كثير من الكوادر المزورة والنظيفة إلى حزب الرئيس حتى تحصل على وظيفة.. وعلى ذلك قس...
هناك شعر علي عبدالله صالح أنه أقوى الأقوياء في هذا البلد، وأن كل ما يحتاجه هو إضعاف من تبقى من الأقوياء لكي يسيطر على هذا البلد ويورثه قطيعاً.. فبدأ بشركائه السياسيين المتمثلين بحزب التجمع اليمني للإصلاح، ثم شركائه من القيادات الوطنية في حزبه، والشخصيات الاجتماعية والقيادات العسكرية الوطنية.. معتمداً على إيجاد بديل أضعف، له (أي الرئيس) الفضل في جعله رقماً... وهناك رمى بالوطن وأزماته ومخلفات التشطير إلى الأدراج، وبدأ بتنفيذ مشروعه الشخصي على المستوى الضيق، لأنه لا يمتلك مشروعاً حضارياً وبناء، إنما جاء عبر الرياح، وأصبح فجأة رئيساً يمجده الناس بما ليس فيه.. بينما بقي اليمن يعيش على حكمته ولم يجد من اليمن الواحد ما كان يحلم أن يجد فيه..
التوريث... أس الأزمات الوطنية
بدأ التوريث كمشروع وحيد للنظام، عندما شعر أنه أقوى الأقوياء، وأن الشعب أصبح ضعيفاً بفعل الأزمات السياسية والاقتصادية التي يعانيها.. واعتقد صالح أن المؤسسة العسكرية التي جاء عبرها هي الوسيلة الأسلم لمن أراد اغتصاب اليمن السبتمبري، فكثف حربه الشرسة على المؤسسة العسكرية لإضعافها والقضاء عليها.. لأنه يعلم أن الجيش وطني لن يقبل بسرقة الوطن لصالح شخص.. فسلم ابنه قيادة قوات الحرس الجمهوري..
هناك بدأت حرب الجيش – النظام الباردة، بعيداً عن أعين الناس، إذ إضعاف المؤسسة العسكرية وتدميرها أمرٌ ليس بالسهل، بل يقتضي سلسلة طويلة من الأزمات والحروب والاغتيالات والفساد، لأنها الشوكة التي تستطيع أن تقف حائلاً في وجه من يريد سرقة الوطن.. واقتضى التوريث، تفريق الألوية، وتقوية الحرس الجمهوري لجعله جيشاً يوازي الجيش التقليدي، بل ويفوقه بالتسليح، من خلال تحويل جميع صفقات الأسلحة الحديثة إلى الحرس.. بالإضافة إلى تسليم قيادة الأجهزة الأمنية لأقاربه، وإنشاء أجهزة أمنية أخرى، عائلية المنشأ، تحل بالتدريج كبديل عن تلك الأجهزة الجمهورية الخليطة من نظامين مختلفين.. كالأمن القومي بدلاً عن الأمن السياسي..
الفساد.. بصورته الأولى
ولكي يضمن ولاء البديل له، اختار أفسد الناس، من أجل تأقلمهم مع بيئة النظام، وتم توريطهم في المزيد من الفساد كأوراق ضغط عليهم.. ومن هذه الفوهة وصراع الشريف بالفاسد، والجديد بالقديم، والشيخ بالشيخ، والجيش بالجيش، تعاظم طوفان الفساد ليصبح الصفة الغالبة التي لا يختلف عليها اثنان في هذه السلطة.. وكان الشعب أبعد ما يكون عن ذلك كله.. وظل الفساد يزداد كلما أعلنت السلطة محاربته، لأن الجميع يبحث في جوانبه، ولا ينظر في أساسه.. ألا وهو مشروع التوريث. إذ لولا مشروع التوريث لكان الوضع آخر تماماً... ولبحث النظام عن عمل آخر.
حرب صعدة.. أنموذجاً!
اندلعت أزمة صعدة كمحصلة لسياسات نظام علي عبدالله صالح وأحلام التوريث، فهو لا ينافس القوي بتقديم الأفضل، بل بالحرب عليه، فقام بدعم الفكر الحوثي كفكر مضاد يضع حداً لانتشار حزب التجمع اليمني للإصلاح المنافس السياسي.. ثم لما كبر الحوثي، واندلعت الحرب، رأى في ذلك الفرصة الذهبية لإضعاف الفرقة الأولى مدرع وقائدها بما يمثله من ثقل عسكري واجتماعي وسياسي.. وهناك قدم الآلاف من الجنود والمواطنين أرواحهم وأصيب أضعافهم، ويتمَّ الآلاف.. وخسر اليمن من الخزينة العامة مليارات الدولارات.. وكل ذلك بنظر الرئيس فرصة ذهبية للتخلص من الجيش من أجل التوريث..
هناك فقط، شعر الجنود والضباط وهم يقدمون أرواحهم شهيداً تلو الآخر، أن القيادة تتاجر بدمائهم، وأنهم كلما شارفوا على النصر، وصلهم أمر من الرئيس بإيقاف الحرب وإطلاق سراح المتمردين وتكريمهم، وتسليحهم ومن ثم الزج بالجيش في جولة جديدة من الحرب.. وليس أصعب من أن تشعر أنَّ قائدك هو من يخذلك، ولولا إيمان أولئك الجنود بالأهداف السبتمبرية وخطورة المشاريع الإمامية لما شاركوا كل ذلك..
وتتابعت الأيام لتكشف لنا الكثير من خفايا تلك الأزمة.. إذ تعرض اللواء علي محسن للعديد من محاولات الاغتيال في صعدة، آخرها تلك التي كشفتها وثيقة أمريكية نقلاً عن مساعد وزير الدفاع السعودي خالد بن سلطان، الذي أكد أن أطرافاً في السلطة قدمت للسعودية في الحرب السادسة إحداثيات كيدية لتقوم بقصفها على أنها موقع للمتمردين، وتبين أنها موقع اللواء علي محسن الأحمر..
وقد يسأل القارئ؟ لماذا كان اللواء علي محسن ينفذ أوامر الحرب؟.. أو لماذا بقي مع النظام تلك الفترة؟ والإجابة البديهية على ذلك هو أن أي قائد في ظروف طبيعية لا يستطيع رفض أوامر الرئيس، لأنه بالتالي سيقوم بإبعاده وهناك يكون قد تخلى عن المسؤولية لمن لا يأبه بالوطن.. فبإمكانك أن تخدم الوطن وأنت في موقع القدرة على الفعل أفضل من أن تكون معارضاً لا تمتلك إلا صوتك، ولا تستطيع أن توقف أي شيء.. لذلك عندما جاءت الثورة الشعبية الشاملة كانت الفرقة درعاً للشعب.. حيث أصبح هناك ما يستحق أن تضحي لأجله وتحمي أحلامه.
الثورة الشعبية
لا يستطيع أعتى نظام في العالم الوقوف في وجه إرادة الشعب، والثورة ثورة شعب لأسباب عديدة، أهمها أنها لم تمثل حزباً محدداً من الأحزاب السياسية أو طائفة، أو بقعة جغرافية محددة، بل خرجت بمسيرات عفوية لشباب حالم، ومن كافة أطياف ومناطق الجمهورية.. وهي ثورة شعبية أفقية ورأسية بكل المقاييس، وسوادها الأعظم هم من الشباب والكوادر المستقلة والنخب المثقفة والفئات المنتجة، وأكبر القوى السياسية والشعبية فيها لا تمثل إلا نسبة قليلة مقارنة بالمجموع الكلي للشعب والزخم الهادر الذي توحد مطلبه على التغيير وبناء الدولة المدنية الحديثة..
لكن النظام ومنذ اللحظات الأولى حاول قمع الشعب بالبلطجية ثم بأجهزة الأمن، ومعروف أنه كلما زاد القمع زاد غضب الشعب، وكان قادة الجيش وكافة الشخصيات الوطنية يأملون في النظام أن يتعقل في التعامل مع هذه المظاهرات وأن يلبي طموحاتهم.. لكنه استمر في القمع وقتل 60 متظاهراً سلمياً بصدور عارية..
وعندما رفض النظام تسليم القتلة بعد تنصله من كافة الاتفاقات، حدد قادة القوات المسلحة موقفهم المؤيد للشعب وأعلنوه جهاراً، أملاً في الضغط على النظام للتخلي عن السلطة سلمياً ولعلمهم أنه ينوي القيام بمجازر جديدة، وبذلك الإعلان يسقط النظام عملياً كإدارة للبلاد، وتصبح أغلب المحافظات خارج سيطرته.. لكن النظام تحصن في العاصمة بالوحدات العسكرية التي أعدها للثوريث وظل يعد للحرب، مستغلاً حرص الآخر على عدم التصعيد.. حيث كان الشعب الثائر وكل القوى الوطنية السياسية والعسكرية المؤيدة له، حريصين على أن لا تنجر البلاد إلى الفوضى، وحرصوا على تجنب التصعيد المكلف وعدم الانجرار للعنف، على العكس مما يقوم به النظام من تسليح لأفراد تابعين للحزب الحاكم فيما يسمى ب"اللجان الشعبية"، واعتداء على المعتصمين وقطع الطرق، واستنزاف الخزينة العامة لشراء الولاءات وإقامة المهرجانات المناصرة للنظام..
وكثيراً ما يردد إعلام النظام أن من انضموا للثورة هم الفاسدون، لكنه لم يثبت ذلك، بل ظلت تهمة يرددها الكثيرون، وأحيانا يتعود الناس سماع شيء، إلى أن يتجاوزوه دون تمحيص، فالذين غرقوا في الفساد هم الخائفون من كشف أوراقهم والذين بقوا في صف النظام بسبب الضغوطات عليهم..
الفرقة الأولى مدرع.. درع الثورة
هناك تجد كل أبناء اليمن.. والجيش الذي يخشاه كل من يريد العبث بالوطن.. وعلى الفرقة الأولى مدرع، شن النظام حروبه الشرسة في صعدة، وفي غيرها، بعد أن كان يوجه صفقات الأسلحة الجديدة كلها للحرس ويحاول بعثرة ألوية الفرقة بمختلف المناطق.. والفرقة الأولى مدرع، بقيادة اللواء علي محسن صالح شاركت في كل منعطفات الوطن، وكانت الحارس الأمين للوطن الجمهوري.. إذ هي العقبة الكبيرة التي ظل يفكر بها النظام كلما خطط للتوريث.. وقد كانت طوال السنوات تشكيلة وطنية من كافة أطياف الوطن وقواه السياسية والاجتماعية، وهذا معروف في التناولات الصحفية منذ سنوات..
ولما خرج الشعب للمطالبة بحقوقه، ورغم محدودية قوتها في العاصمة، كان للفرقة دور بارز حتى قبل تأييد قائدها المعلن للثورة وانتشارها على مداخل الساحة، حيث تم نشر المسلحين وقوات الأمن المركزي في جميع الشوارع الرئيسية والفرعية المؤدية إلى الساحة من جهة الجامعة القديمة وحي الزراعة وشارع العدل، يمنعون الناس من الوصول إلى الساحة. لكن الفرقة أفشلت ذلك الحصار عن طريق انتشارها في المداخل المجاورة للمعسكر من جهة الحصبة ومذبح. وسمحت للمواطنين بالوصول إلى الساحة وإدخال المواد التموينية، ولم تسمح للبلاطجة أو قوات الأمن بالتواجد فيها. وذلك قبل تأييدها للثورة وحمايتها رسمياً.
وقد ظل النظام طوال الفترة الماضية يحاول استفزاز الفرقة بالقصف، أو بالاعتداء على المتظاهرين أو باختطاف بعض أفرادها، لكنها كانت حريصة على عدم الرد.. وتحملت كل تلك الاستفزازات حرصاً على الوطن، ولعلمها أن السلاح الذي يطلقه النظام هو ملك الشعب، والجندي لدى النظام هو واحد من أبناء الشعب، مغرر به..
ولقد أوفى الأبطال عهدهم بحماية الثورة، وسيسجل التاريخ للواء علي محسن وكافة قيادات الجيش المؤيدة للثورة ومنتسبي الفرقة الأولى مدرع أروع صفحات البطولة، ليس لحماية الشعب فقط، بل لتحملهم الاستفزازات وحرصهم على عدم الاقتتال.. ولا أقدس في هذا الوطن من أن تحمي الشعب.. وليس هناك من يستحق أن تضحي لأجله إلا الحق..
وإنه لموقف عظيم، يربك الظالم، ويضعه في موقع العجز، وهو يرى تلك الشجاعة الأسطورية، للواء علي محسن واللواء عبدالله علي عليوه واللواء حسين عرب وكافة أبطال الفرقة، وهم يتحركون داخل مقر القيادة في العاصمة، ويعلمون أن مئات الصواريخ موجهة إلى رؤوسهم.. وذلك هو دأب الباطل الذي لا يعرف إلا الجبن.. يحمي نفسه بقوة الآلة، ويفتقد إلى الضمير ونبل الغاية..
والسر الكامن وراء شخصية اللواء علي محسن، والذي دفعه لهذا الموقف، هو أنه يؤمن بأن الموت لا يأتي إلا متى أذن الله به، وهو من أعلم الناس بعلي عبدالله صالح، وأنه سيلجأ إلى القوة، كما أن اللواء علي محسن يتعامل مع الجميع بالمواطنة، ولا يسأل عن حزبه أو منطقته..
وهناك فارقٌ كبير بين ذلك الجندي الذي يحمي أحلام الشعب، وبين ذلك الجندي الواقع تحت تأثير التعبئة وقصر النظر، فالأول يمتلك هدفاً ويعلم أنه في صف الشعب، وأنه لا يوالي إلا الله وهذا الوطن، وتلك ميزة الإنسان.. أما الآخر الذي يأتمر بقتل الشعب لحماية عائلة، ويتأثر بالتعبئة الكاذبة فهو مجرد آلة تستخدم للقتل.. وعندما ينكسر الظلم فإن أول من يفكر بالتخلص منهم هم من استخدمهم لقتل الناس..
وكما للحق رجاله، فإن للباطل أدواته، فالفساد يستخدم كل مقدرات الشعب، ويلجأ إلى الشائعات والكذب والتزوير والحرب النفسية، كأعلى ما يكون.. ولقد صمد جنود الفرقة أمام أشرس الحملات الإعلامية والنفسية، فمنذ حمايتها للثورة، يخترع الفساد عشرات الشائعات يومياً معتمداً على كل حيل الكذب والدجل والتزوير التي اخترعها الظلم وطورها عبر العصور..
وسيظل هذا الشعب يحمل للفرقة الأولى مدرع وجنودها كل تقدير، باعتبارها درع الثورة والفداء.. وسيكتب التاريخ لأبطالها وشهدائها الخلود بأحرفٍ من نور..
الحرس الجمهوري.. تسمية وطنية لمهمة أخرى
من أبرز معالم النظام الفاسد العبث بالمفاهيم، فهو يستخدم القانون لشرعنة أحلامه وفساده، وهو يريد توريث نجله، عبر "الديمقراطية"، ويريد سرقة النظام الجمهوري عبر "الحرس الجمهوري".. والحرس الجمهوري في الأصل قوة وطنية للدفاع عن النظام الجمهوري نشأت قبل تسلم علي عبدالله صالح للسلطة، ولكن الأخير قام في السنوات الأخيرة بتعزيز قوتها على حساب بقية القوى، وأضاف إليها ألوية من الجيش، محاولاً جعلها القوة التي تحرس أحلام التوريث.. وحاول جعلها تركيبة مناطقية بل وأسرية..
ومنذ سنوات يقوم النظام بتعبئة خاطئة لجنود الحرس ضد إخوانهم في بقية وحدات الجيش، وخصوصاً الفرقة الأولى مدرع، ويقوم بمحاربة وإقصاء بعض القيادات الوطنية في الحرس.. وبلغ ذلك ذروته عند تأييد الكثير من قادة الجيش للثورة الشعبية، حيث يقوم باستبدال ونقل القيادات، لصناعة جيش عائلي يحارب الشعب لأنه ليس واثقاً بكل ذي ضمير.. فيختار لذلك بعض القيادات المعروفة بالتعصب السياسي الأعمى والحاقدة..
إذ أن ساعة القتال التي سيضحي الجندي من أجلها بروحه تختلف عن التعبئة وعن الولاءات في الظروف العادية.. فالجندي يحتاج إلى قضية يقدم من أجلها روحه، وهو بحاجة إلى الإقناع حتى لو كانت الحرب ضد العدو الصهيوني.. فكيف به، وهو يعبأ ضد زميله وابن عمه وأخيه في بقية الجيش.. فاليمن ليس بلداً طائفياً، أو أيديولوجياً، بل إن أطراف الأزمة السياسية هم من جميع المناطق، وتقريباً لا يوجد جندي في الحرس إلا ولديه من أقربائه ممن في صف الثورة.. وكثير من ضباط الحرس الجمهوري تخرجوا من نفس الكلية الحربية التي تعلم فيها ضباط الفرقة الأولى مدرع.. ويتواصلون بشكل دائم..
لذلك ظل النظام خلال الأشهر الماضية يعبئ أفراد الحرس والأمن المركزي وغيرهما، بأن اللواء علي محسن صالح أيد الثورة لوحده وما لديه هو مسلحون من "جامعة الإيمان" و"القاعدة"، بينما جنود الفرقة الأصليون قد انضموا للحرس... لكنه فشل في ذلك بعد مرور الوقت، واتضاح الصورة وأصبح يشن حملة إعلامية ضد ضباط وجنود الفرقة وجميع الضباط المؤيدين للثورة وكذلك الذين انضموا من الحرس إلى الثورة.. ويقوم بتجنيد أفراد العصابات في الحرس للقيام بجرائم ضد المواطنين، لإيجاد شرخ بين الشعب والحرس الجمهوري..
ولذلك أيضاً ظل النظام يبحث عن مبرر أخلاقي لتوجيه الجنود إلى قتال الشعب، فمواجهات الحصبة مثلاً، حاول النظام بها استدراج المسلحين التابعين لصادق الأحمر للسيطرة على بعض المنشئات الحكومية، ليقنع الجنود أنهم سيحاربون من أجل الدفاع عن ممتلكات الدولة، وليس عن ثأره الشخصي من بيت الأحمر الذين وقفوا مع التغيير.. ولذلك أيضاً ترتكز التعبئة الرئيسية للحرس الجمهوري ضد المعتصمين على أنهم عناصر حزبية وانفصالية وحوثية، وأن الشباب قد تم سرقة جهدهم من قبل الأحزاب، مع أن ذلك لا جود له على أرض الواقع.. ولذلك أيضاً تم قطع الكهرباء للتعتيم على الحقائق لأنه يعلم عدم فاعلية التعبئة الكاذبة في ظل وجود وسائل الإعلام الفضائية والالكترونية والمقروءة والمسموعة..
ولقد استطاع النظام إقناع ضباط وأفراد الحرس الجمهوري للدخول في معركة خاسرة مسبقاً تبدأ من وسط العاصمة، فكيف تستطيع خوض مواجهات مدينة تلو المدينة؟ وضد من؟ ضد إخوانهم، وضد من يعلمون أنهم رموز الدولة وقادة الجيش خلال العقود الماضية؟ وإذا كانوا سيهاجمون معسكرات وطنية بآليات الجيش ويدمرون ممتلكات الشعب؟ على من سينتصرون؟ ومتى يبدأون بمحاربة بقية الشعب؟..
هذا ما سعى إليه النظام ويفعله اليوم، وهو يدرك أنها معركة خاسرة، لكنه يريد القيام بذلك لتدمير مؤسسات الدولة اليمنية بما فيها الحرس الجمهوري، ليثبت أن اليمن بعده سيكون خراباً، وتغرق الحكومات القادمة في بناء الجيش، ورعاية أسر الشهداء.. وليس من مصلحة قوى الثورة ولا أي يمني أن تتوزع أسلحة الحرس الجمهوري بيد القبائل وإن كانت مناصرة للثورة.. لكن الأمر المؤلم هو أن النظام استطاع أن يحقق بعض مآربه.. فعندما تكون مخيراً بين استقبال الموت من فوهة البندق أو تدميره، فالأقل ضرراً بك تدميره..
والحق أن من لم يفهم أنها معركة شعب ضد غاصبه، سيندم يوم لا ينفع الندم.. فهاهو صالح بنفسه يثبت للناس أنها معركة من أجل بقاء ابنه، بعد أن ظل يردد ليلاً ونهاراً أنه يدافع عن الوطن وعن الشرعية.. فأين الوطن وهو يقول إنه سيقبل بالتوقيع على المبادرة الخليجية لنقل السلطة، شرط إبقاء نجله في التشكيلة الحكومية القادمة؟ أين ذهب الوطن إذن؟ وأين ذهب أنصاره؟ لا هم له إلا نجله!..
سبتمبر الجديد.. ومواجهة دروع الثورة وحرس النظام
جاء سبتمبر الجديد، بعد 8 أشهر من الثورة الشعبية، ليثبت أنه وعد لشروق الشعب، وبه يصرع الظلام.. وعندما خرج مئات الآلاف بصدورهم العارية للمطالبة بحقوقهم المشروعة في التغيير.. ارتكب النظام مجزرته الوحشية.. ليثبت أنه كالآلة .. لا تستطيع صنع الحياة بل القتل..
صنعت روسيا قذائف الآر بي جي، لتدمير الدبابة، ولكن هذا النظام أطلقها في رؤوس الشعب مباشرة.. وصنعت روسيا معدلات 12- 7، وأسميت (م.ط) لتكون مضادات للطائرات تقذف بها، فقذف بها هذا النظام إلى صدور شباب وأبناء هذا الشعب.. وأطلق الرصاص الحي في رأس طفل عمره 10 أشهر..
تلك جريمة بكل المعايير الدولية والإنسانية، لا يرضى بها قلبٌ حي، ولا يستطيع السكوت عنها إلا مجرم.. ولما شوهدت تلك المناظر المروعة، توجه أبطال الفرقة الأولى مدرع ليفوا بعهدهم في حماية الشعب... وطرد المجرمين.. فمن فعل تلك الجرائم، لا يمكن أن يقال عنه إلا مجرم.. لا جندي ولا صاحب رأي ، ولا مواطن.. رغم أن الفرقة صبرت عشرات المرات على قصفها والاعتداء عليها وقتل العديد من الجنود.. إلا أنها لم تستطع السكوت على الاعتداءات على الشباب..
لكن النظام الذي تتركز قوته في العاصمة وما حولها لم يتوقف عند ذلك.. فرأى أنها الفرصة لجر الفرقة إلى الحرب، فدخلت صنعاء الرعب.. الرعب الذي طالما سعى العقلاء إلى تجنبه وسعى والنظام إلى إشعاله بكل الوسائل.. وهو مواجهات الحرس والفرقة... بسلاح الدولة قصف النظام حماة الشعب.!
لكن الفرقة رغم ذلك، لم تنجر إلى المواجهات الشاملة، بل التزمت الدفاع عن المعتصمين ومنع تقدم تلك القوات الوحشية، وملاحقة القناصين القتلة الذين تم توزيعهم على أسطح الأبنية لقتل الأبرياء.. وضباط الفرقة وكثير من أبناء الشعب اليمني يعلمون بالضبط من الضابط الذي نفذ هذه الأوامر، ومن يقصف الفرقة الآن.، ومن قتل هذا الطفل.. والأيام كفيلة بمحاسبتهم.. فالقاتل لا ينجو بنفسه، حتى وإن وقعت الاتفاقيات، فإن اليمن ستدخل مرحلة ثأر واغتيالات بعد ذلك بعيداً عن الساسة الذين تنازلوا عن الأرواح..
أما الشهداء الذين سقطوا من شباب هذا الشعب ودروعه، رووا بدمائهم الزكية تربة وطن طالما أحب احتضان أفضل أبنائه لتنعم أجياله القادمة.. وحازوا الخلود.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.