أثارت القرارات الرئاسية الأخيرة للرئيس عبد ربه منصور هادي جدلاً واسعاً في أوساط اليمنيين بمختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم، في حين لا تزال هذه القرارات تشغل حيزاً كبيراً من اهتمامات الرأي العام، بخاصة الأوساط الإعلامية والصحافية.. صحيفة "الغد" من جانبها أجرت عملية استقراء سريعة لأراء مجموعة من الصحافيين والإعلاميين من خلال صفحاتهم على موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك".. وخرجت بالحصيلة التالية: تحت عنوان "قرارات هادي.. صورة من بعيد"، يتحدث الكاتب الصحافي نبيل الصوفي (Nabil Ali Alsoufi)، كما يقول، بعيدا عن "عبارات" الاشادة أو الادانة، التي ستميز ردة الفعل الانية عن قرارات رئيس الجمهورية، التي اعلنها آخر يوم "اجازة"، مؤكداً بأن هذه القرارات، تحتاج نقاشا مختلفا عن "الصراع حولها". ويضيف الصوفي: لم يقل "هادي" انها "النصر المبين"، غير أن فيها الكثير من المؤشرات التي تدين أول ما تدين، تقديم كل طرف لها باعتبارها "نصراً مطلقا أو هزيمة مطلقة".. وتابع: فالرجل يتصرف بأقل قدر من الامكانيات، وبأكبر قدر من الهامش، ويتصرف مع الواقع، كنتيجة فعل وخطاب "طرفي صراع"، لا الاول كان له "دولة" ولا الثاني صار معه "ثورة"، ومن ثم محاولة اشغالهما، بين المراضاة والتضييق. و"تمرير" رموز لعهد جديد، من داخل النظام السابق، من الذين لم يكن لهم دور في الصراع. وأجرى الصوفي تحليلاً موضوعياً لتفاصيل القرارات الجديدة ومواقع الأشخاص الذين شملتهم القرارات في موازين الصراع والحسابات السياسية والمناطقية، معتبراً بأن القرارات، حتى الآن، ترتب "بيت النظام"، أما نفوذ "حامي الثورة"، يقصد اللواء علي محسن فهو خيار مؤجل، باعتباره النفوذ الذي لايزال يهدد -فعليا- شرعية "هادي"، لأن الاخرين لا خيارات لهم الا الانصياع لرئيس الجمهورية الأمين العام للمؤتمر الشعبي او الانشقاق عن كل هذا وسيكون المتضرر هو النظام نفسه وقوتهم انهم منه، أما محسن، فان لم يتم ترضيته فسيكون الامر "اعتداءا على الثورة". مع ان ابعاد محمد علي محسن والمقدشي من الميدان، وتغيير قائد جديد للقاعدة الجوية في الحديدة، هي رسالة لعلي محسن، أنه "قائد" منطقة وليس "مستقلا"، كما هي الرسالة للحرس الجمهوري بتعين شخصيات من خارجه. وخلص الصوفي إلى القول: الجميل، في قرارات هادي، هو حسن استغلاله للمزاج "الثوري"، الذي سيدعم أى قرار يتخذه الرجل، الى حين. لكنه سيكون "دعما اعلاميا معنويا"، لايفعل شيئا في الواقع، ومن الخطورة بمكان بقاء "الدولة اليمنية" دولة "على الورق"، أكانت ورق القرارات أو ورق الاعلام. كما أن أسوأ الملاحظات، هو أنه بقرارات "مساء الجمعة"، يواصل "هادي"، وبمطابقة غريبة، سياسة "سلفه"، تجاه "المؤتمر الشعبي العام"، باعتباره مجرد "ملحق بالدولة"، ولا رأي له ولا قرار، مع انه يحتاجه ولو "شكليا"، فالمؤكد أن "هادي" لديه أجندة حكم حقيقية، أبعد من طرفي الصراع في صنعاء. ومهما قال فيه كل طرف، انه معه او ضد خصمه، فهو من باب "محاولات ترضية الذات" ليس إلا. وفي منشور آخر، يرى الصوفي بأن قرارات هادي لا تمس شؤن الناس لأن الثورة بالأصل لم تتحدث عن هذه الشئون التي كانت حزمة إصلاحات مقرة في عهد صالح لكن بلا مؤسسة تنفذها ومفترض أن هادي يفعل ذلك لو سلمت له دولة. لكن الصوفي يستدرك في نفس الوقت قائلاً بأنه لا يستطيع أي عاقل ومسؤول وحريص أن يتخذ قرارات أفضل من هذه برغم الملاحظات المهمة عليها. ويعلق الكاتب الصحافي محمد العلائي، في صفحته متسائلاً: لا ادري لماذا اثارت قرارات الرئيس هادي امس ألواناً متفاوتة الحدة من الامتعاض أو التبرم أو حتى الحيرة والصمت داخل طيف واسع من تحالف المؤتمر الشعبي العام، مع أنها كلها قرارات متوقعة وطبيعية وفي صميم اختصاصات الرئيس هادي ولجنة الشؤون العسكرية؟!. ويضيف العلائي: ربما كان للطريقة المتحمسة التي تلقى بها إعلام المشترك باتجاهاته وتحالفاته المتشعبة، يد في هزيمة ناشطي المؤتمر هزيمة نفسية محضة وشديدة الوطأة. لا سيما من يولون عائلة صالح عناية خاصة ويحرصون كل الحرص على ألا تنكسر وتذل في خصومتها ذات الطابع العائلي مع أولاد الاحمر وعلي محسن الذين تمكنوا من تفريغ خصومتهم وتمريرها تحت تعميمات الثورة وتكويناتها، لكن العلائي توقع بأن مثل هذه الحسابات لا يبدو أنها تغيب عن بال الرئيس هادي عند اتخاذ قراراته، فهو على بينة تامة بها وتأثيرها الخطير في مجرى الاحداث. وانتقد العلائي اعتراض المؤتمر على القرارات، مؤكداً بأنه ما كان ينبغي على المؤتمر ان يعبر عن اعتراضه على لسان مصدر لم يسمه، ولو أنه جاء في صيغة بدت مخففة لكنها عميقة الدلالة في ظرف كهذا، وليس منطقيا إلقاء اللائمة على وزير الدفاع. ثم ان عبدربه تصرف بوصفه رئيسا للجمهورية ولم يخالف منطوق المبادرة الخليجية. لأنه هو المعني بأمر الجيش ومعه اللجنة العسكرية ولا يحتاج في هذا الشأن التشاور مع الأحزاب بما فيها المؤتمر. علاوة على ان عبدربه عندما يقرر فهو يعتبر نفسه جزءاً من المؤتمر الشعبي العام في مقابل باسندوة كممثل للمشترك. وفي المفاوضات لا يترتب على بقاء محمد صالح الاحمر في الجوية أي ثقل سياسي يجنيه المؤتمر، فالجيش كما يفترض مؤسسة تقع خارج نفوذ وتأثير الاحزاب وتقف منها على بعد واحد. وعبر العلائي عن اعتقاده بأن عدم تضمن القرارات علي محسن الأحمر أعطى إيحاء للمؤتمر بأن الرئيس هادي رضخ لضغوط الاصلاح بأن يكون ثمن إقالة محسن هي إقالة أحمد علي من الحرس. بينما كانوا يأملون في المؤتمر أن يكون محسن مقابل محمد صالح ويؤجل أحمد أو يحتفظ هادي به كموظف يأتمر بأمره إلى أجل غير مسمى. ونصح العلائي المؤتمريين بأن يعدوا أنفسهم لحقبة سياسية لا يحكم الصراع فيها مستوى التواجد داخل الجيش. إلى أن تجرى الانتخابات البرلمانية، مضيفاً بأنه لدى المؤتمر نصف الحكومة وأكثر من نصف البرلمان وكثير من الوظائف العليا في جهاز الدولة. لهذا عليهم أن يباركوا قرارات هادي، ويردموا الشرخ النفسي الذي يتسع نتيجة أوهام يغذيها الإعلام بشكل مكثف، وأن يظهروا من الحماسة أكثر مما يفعل محاربو المشترك وأجهزته الدعائية. من جانبه، اعتبر الصحفي محمد الأحمدي مدير تحرير صحيفة "الغد"، قرارات الرئيس هادي بأنها تستحق الاحترام، معللاً ذلك في منشور على صفحته بأن هذه القرارات فتحت في نفوس اليمنيين بارقة أمل نحو التغيير.. وهي بداية تفكيك منظومة الفساد والحكم العائلي.. وخطوة في طريق التغيير .. ونشر المحامي والناشط الحقوقي خالد الانسي (Khaled Al-Anesi، على صفحته مستغرباً من أن من تم الاعلان عن إقالتهم من قيادات عسكرية مؤيدة للثورة لم ترفض قرارات عبد ربه ومثال ذلك اللواء محمد علي محسن قائد المنطقة الشرقية على الرغم من سعار التخويف منهم فيما تواجه القرارات بالرفض ممن كانوا يسمون انفسهم انصار الشرعية الدستورية من اقارب وأصهار وإذناب علي عبدالله صالح وآخرهم محمد صالح الاحمر وحافظ معياد ومهدي مقولة.. ويتساءل الآنسي ما إذا كان السر وراء الحملة الموجهة بالمطالبة بتنحية علي محسن كان سببها الخوف من علي محسن حقاً أم الرغبة في كشف ظهر عبد ربه هادي فيستحيل عليه بعد ذلك تنحية ابناء وأقارب واصهار علي عبدالله صالح؟!. وفي منشور آخر، يتهم الآنسي من وصفهم ب"فريق المهام القذرة على الفيس بوك"، بالبدء في تبرير تمرد علي صالح الاحمر بأن سبب تمرده ان عبدربه لم يلتزم بالاتفاق بان يتم عزل علي محسن الاحمر في ذات القرار مع علي صالح الاحمر. إلى ذلك، يعلق الكاتب الصحافي احمد الزرقة (Ahmad Ali Al-zurqa)، على رفض قرارات الرئيس هادي بأن عائلة الرئيس السابق لديها طريقة تفكير بدائية موحدة.. ويتصرفون وكأن البلاد ملك لهم وانهم الملوك المتوجين على عرشها.. وإلا ما معنى ان يرفض محمد صالح الاحمر قرار اقالته ويقوم باقفال مطار صنعاء الدولي!. ويستطرد في منشور آخر بأن الحديث عن صعوبة هيكلة الجيش ليس اكثر من مغالطة واضحة وفاضحة والتفاف على الثورة واهدافها التي قامت ضد حكم الفرد واسرته، وأضاف بأن نجاح الثورة كان معناه سقوط تلك المنظومة الاسرية من مواقعها العسكرية، اليوم نعاني من التفاف كل الاطراف السياسية على الثورة وتحويلها من ثورة شعبية للتغيير إلى صراع بين أطراف الأسرة المنشقة في سنحان وحلفاء كل طرف منهما، مع استمرار الخزينة العامة للبلاد في تغذية طرفي النزاع، الذي يدفع بقية اليمنيين حياتهم وأمنهم ثمنا له. أما المحامي هائل سلام فقد كتب على صفحته تحت عنوان "عبد ربه والتوازن الصعب"، مشيراً إلى أن خلطة المبادرة تقوم على اساس نصف ثورة ونصف نظام..هذا يفترض وجود توازن قوى يحمي هذا التوازن.. ولذا فإن العقدة هي في إقالة أحمد ويحيى وعمار، والاول منهم بشكل خاص. إذ أن ذلك سيعني اختلال التوازن الذي ارادوه. وأن الثورة انتصرت. من جانبه، اعتبر الإعلامي والمذيع في قناة السعيدة عبدالسلام الشريحي، قرارات هادي الأخيرة بأنها تاريخية وبداية حقيقية للهيكلة، مضيفاً "أثبت هادي أنه على قدر المسئولية التي منحها له شعب ال21من فبراير يوم الانتخابات الرئاسية"، مضيفاً بأنها "قرارات أثبتت أحقيتنا في الرهان على هادي واسقطت رهان البعض بأن هادي لن يكون بقدر الثقة والأهم من ذلك أثبت هادي بأنه رئيس اليمن وليس نائبا ولا رئيسا للمؤتمر والمرحلة القادمة هي مرحلة صراع مع هادي والمؤتمر ومصالحة بينه وبين الثوار". ويرى الصحافي والكاتب محمد الجماعي، بأن قرارات الرئيس هي قرارات بحجم اليمن، وأنها تنسجم والصورة المفترضة عن يمن الإيمان والحكمة، بمعنى أن صرامة القرارات التي سمعناها وشاهدناها، تتناسب والمرحلة التي يعيشها اليمن وتتصف بالقوة واللين والحكمة، صحيح أنها لا تتناسب وطموحات شباب الثورة بإقالة أفراد العائلة المتهمين بقتل الشباب والمتكئين على كراسي ليست مستحقة بالنسبة لهم، إلا أن الحل قادم في الطريق وأراه قريبا لا محالة وأراه أيضا سينسجم والحكمة اليمانية والمرحلة التي نعيشها حاليا". وعبر الصحافي رياض الأحمدي مدير تحرير موقع "نشوان نيوز"، عن اعتقاده بأن هذه القرارات من أهم ثمار ثورة التغيير، وهي – برأيه - قرارات مفصلية في المرحلة الانتقالية سيترتب عليها يمن آخر غير الذي استمر للعقدين الماضيين، حسبما قال، مضيفاً بأنها من جهة مؤلمة للطرف الذي غادر السلطة ولكنها حتمية في الأصل، إذ أن تأخرها أو المماطلة بها يجعل من كل ما حدث خلال أكثر من عام من الثورة ليس سوى سبب لانهيار الدولة، وطالب الأحمدي بأن نحيي الرئيس هادي من الأعماق ونشد آزره في هذه المرحلة الحساسة التي أصبح فيها الرئيس في مواجهة العائلة بشكل واضح لأول مرة.. ومن ناحية أخرى لا يستطيع أحد تقييم البدائل وإصدار الأحكام فيها، لكنها تبدو مطمئنة إلى حد لا بأس به. أما الصحافي أحمد الصباحي مدير تحرير صحيفة "الواقع"، فقد رأى بأن "قرارات الرئيس هادي الجديدة كانت جرئية إلى حد ما، لا سيما وأنها أقصت عسكريين محسوبين على نظام كانوا متجذرين في المؤسسات القائمين عليها منذ أكثر من عقدين من الزمن. وتابع الصباحي بأن إقالة محمد صالح الأحمر كانت تنفيذا للوعد الذي وعد به الرئيس هادي للقوات الجوية المعتصمة في شارع الستين. كما أن إقالة الأشخاص المحسوبين على اللواء علي محسن يدل على أن القرارات كانت مدروسة وتجمع بين طرفي الصراع. وخلص الصحافي الصباحي إلى القول بأن القرارات التي أصدرها هادي كانت قرارات موفقة جدا، لأنها نحت قادة عسكريين من الطرفين بغض النظر عن الاحتجاجات التي قوبلت من قبل أنصار صالح. كما أن هذه القرارات ستفضي إلى تسهيل الطريق نحو هيكلة الجيش الذي يفترض أن يكون بأسرع وقت. ومن شأن تلك القرارات أيضا أن تهيئ الأوضاع للدخول للحوار الوطني الشامل، الذي سيساهم بشكل أو بأخر في استقرار البلاد والخروج من هذه الأزمة الحالكة. وفي سياق رصد ردة فعل القوى والمكونات الثورية اعتبرت اللجنة التنظيمية للثورة الشبابية الشعبية بأن قرارات الرئيس هادي الأخيرة لا ترتقي الى مستوى أهداف الثورة ومطالبها كونها اعتمدت على مبدأ التدوير لا التغيير .