الفريق علي محسن الأحمر ينعي أحمد مساعد حسين .. ويعزي الرئيس السابق ''هادي''    ما لا تعرفونه عن الشيخ عبدالمجيد الزنداني    وفاة ''محمد رمضان'' بعد إصابته بجلطة مرتين    «الرياضة» تستعرض تجربتها في «الاستضافات العالمية» و«الكرة النسائية»    الريال اليمني ينهار مجددًا ويقترب من أدنى مستوى    بين حسام حسن وكلوب.. هل اشترى صلاح من باعه؟    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    السيول تقتل امرأة وتجرف جثتها إلى منطقة بعيدة وسط اليمن.. والأهالي ينقذون أخرى    السعودية تكشف مدى تضررها من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر    ريمة سَّكاب اليمن !    حزب الرابطة أول من دعا إلى جنوب عربي فيدرالي عام 1956 (بيان)    السعودية تعيد مراجعة مشاريعها الاقتصادية "بعيدا عن الغرور"    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    الأحلاف القبلية في محافظة شبوة    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    الشيخ هاني بن بريك يعدد عشرة أخطاء قاتلة لتنظيم إخوان المسلمين    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    هيئة عمليات التجارة البريطانية تؤكد وقوع حادث قبالة سواحل المهرة    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    مشادة محمد صلاح وكلوب تبرز انفراط عقد ليفربول هذا الموسم    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحوثيون وثورة التغيير في اليمن .. من الانطلاقة وحتى المواجهة
نشر في نشوان نيوز يوم 08 - 05 - 2012

الحديث عن موقف الحوثيين ودورهم في الثورة اليمنية يحتاج إلى قراءة من عدة زوايا، سياسية وتاريخية وفكرية، كأهداف الجماعة وعلاقتها بالنظام السابق، وكيف تحدد موقف التيار الحوثي تدريجياً حتى كاد يصل 2012 وقد أصبحوا خارج قوى الثورة وداخل ساحاتها ..

الحوثيون كجماعة ولدت من رحم الفكرة الإمامية الهادوية، التي حكمت مناطق مختلفة في اليمن لفترات متقطعة لأكثر من ألف عام، وانتهت آخر دولة هادوية بثورة سبتمبر الخالدة عام 1962.. الثورة الأم التي قلبت الحكم الإمامي وأقامت النظام الجمهوري.
أما محافظة صعدة فهي المعقل الرئيس الذي وفد إليه المذهب الهادوي وتم اتخاذ هذه المحافظة كقاعدة انطلاق للإمامة للسعي إلى السيطرة على الحكم في صنعاء.. ومن هذا المنطلق يحسب الباحثون جماعة الحوثي كجناح مسلح لمشروع الحكم الإمامي خرج على الدولة لإعادة الزمن إلى الوراء، وخاضت معه الدولة ست حروب، أولها كان في عام 2004، آخرها كان في العام 2010..
وعندما اندلعت ثورة التغيير السلمية كان الحوثيون كطرف مسلح خاض حروباً عدة مع النظام في مقدمة القوى التي تنادي بإسقاط نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، فكيف كانت علاقتهم بالثورة وكيف يمكن تفسير مواقفهم من خلال الواقع.؟
في الجذور
من الصعب على أيٍ كان أن يصل ولو إلى جزءٍ من القراءة الأقرب إلى الواقع، ما لم يكن ملماً بهذه الجزئية، لأن البحث هنا يتناول جماعة تنطلق من مبادئ وأسس عقدية لتحقيق هدف سياسي، ولا تظهر معتقداتها وأهدافها.. وهنا نضع هذه النقاط الأساسية.
- الركيزة الأساسية للتشيع والتي على أساسها وجد شيءٌ اسمه: "الحوثيون"، تتلخص في أن السلطة أو الحكم حكر على سلالة بعينها والتي تسمي نفسها "آل البيت" وتقصد أبناء علي رضي الله عنه. وبالتالي فإن الفكرة الأساس التي وجد على أساسها الحوثي تتعارض مع الديمقراطية والشورى وأحقية الشعب في اختيار من يحكمه. وهو الهدف الأول الذي يسعى إليه الشعب، وتسعى إليه جميع الشعوب وكل ثورات التحرر.
- تقتضي الفكرة الحوثية تفتيت المجتمع وتقسيمه إلى طبقات، حيث تزعم بأفضلية السلالة التي ينتسبون إليها على بقية المجتمع وتطلق عليهم "سادة"، وهذا المنطلق الرئيسي الذي نجده قبل قراءة اسم عبدالملك الحوثي زعيم الحوثيين أو أيٍ من رجال المذهب الهادوي.. هذا المنطلق يتعارض تماماً مع الثورة الشعبية التي أجمعت أغلب تكويناتها على أن المساواة من الأهداف الرئيسية للثورة.
- على عكس بقية الحركات كالحراك الجنوبي وتنظيم القاعدة الإرهابي، يبدو واضحاً أن الفكرة الإمامية العنصرية تتستر بستار "التقية" للتغطية على أهدافها الحقيقية، ما يجعل من الصعب الاعتماد على ما يعلنون عنه في الخطابات والتصريحات السياسية. وهذا ما تثبته البحوث والشواهد الواقعية، وعن طريقه يفسر الغموض والتناقض الذي سمح لهم بالانتشار والتوسع في الحياة السياسية والثورية..
- لكي تجد الفكرة الإمامية أرضاً خصبة، فإن أهم ما تستغله هذه الحركة هو الجهل والفقر. وإذا كانت الثورة قد هدفت إلى الارتقاء بالحياة المعيشية والتعليمية للمواطن فإن هذا سيهدد الوجود الحوثي.
الحوثيون ونظام صالح
تؤكد أبرز الدراسات والقرائن إن الفضل في إعادة تشكيل القوة العسكرية للإماميين المتمثلة بالحركة الحوثية وتمددها تعود لنظام علي عبدالله صالح ضمن سياساته في إدارة الصراعات بين القوى، وهنا نضع النقاط الأساسية التالية:
- تاريخياً، كانت الإمامة تعتبر ضمن الماضي المدان بالاستبداد والعنصرية والذي يحتفل الشعب كل عام بالقضاء عليه بثورة راح فيها قرابة 150 ألف شهيد من اليمنيين وأشقائهم المصريين، وبالتالي فإن أول خدمة قدمها لهم نظام صالح هي إفساد التعليم والقضاء على ثقافة الثورة.
- سياسات النظام المعادية للحركة الإسلامية التي هي من أعمدة الثورة السبتمبرية التي يعاديها الإماميون، لكونها جماعة وطنية إسلامية انتشرت في مناطق تخصيب الإمامة الزيدية واستطاعت تفكيكها.. حيث كان علي عبدالله صالح أول ما احتاج إلى طرف عقدي وسياسي يقف ضد الإصلاح ويضع حداً لانتشاره اختار الحوثيين ودعمهم في صعدة ومكن من تغلغل التيار الإمامي في مفاصل الدولة للقضاء على الإصلاح.. وبالتالي فإن الفضل الأول في تشكل الحوثيين يعود لنظام علي عبدالله صالح.
- إلى ما قبل 2011، كانت مسألة دعم علي عبدالله صالح للحوثيين عسكرياً ومادياً أثناء الحروب الست ضمن صراع داخل النظام لازال فيها نظر، لكن الثورة الشعبية جاءت لتثبت أن نظام صالح كان يجهز جيشاً عائلياً وأجهزة أمنية جديدة مفصلة على نظام عائلي. ومن ذلك فإنه كان يسعى للتخلص من الجيش الجمهوري وشركائه الوطنيين. وهذا ما بدا واضحاً بانشقاق قادة الجيش عنه واحتفاظه بقوته التي يقع على رأسها أقاربه لم تشارك في الحرب بصعدة، وسعيه إلى إخماد ثورة عارمة للشعب بهذه الأجهزة التي لم تظهر أية كفاءة في صعدة.
- انضمام اللواء علي محسن الأحمر إلى الثورة، وهو القائد العسكري الذي واجه التمرد الإمامي، يظهر كيف أن علي عبدالله صالح كان يتلاعب في ملف الحرب في صعدة لضرب الفرقة الأولى مدرع وقائدها، من خلال إدارته للحرب ودعمه الحوثيين.. ومعروف أن اللواء علي محسن اشتهر كرافض لمساعي التوريث.
- البيئة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والإعلامية التي أنتجها أو قام النظام السابق بتغذيتها معتمداً على الفقر والتجهيل وإذكاء الصراعات، كلها كانت البيئة الخصبة لانتشار وتوسع حركة عنصرية سياسية تتعارض مع أهداف وقيم المجتمع قضى عليها اليمنيون بثورة سابقة.. وبالتالي فإن أية ثورة تؤدي إلى التغيير وحدوث نهضة للشعب تعد ثورة على الحوثية بطريقة أو بأخرى.. وذلك ما نستشفه من خطاب الأستاذ محمد اليدومي رئيس الهيئة العليا للإصلاح في خطابه قبل 21 فبراير عندما قال إن الشعب بثورته "أسقط من حساباته مفاهيم التوريث وكل أنواع المشاريع الصغيرة، سواء قامت على الجهوية أو المذهبية الحاملة للتفسير العائلي للإسلام والذي من رحمه ولدت فكرة التوريث والتي جعلته منتجا من منتجاته فالشعب الذي ثار على حكم الفرد وسلطة العائلة؛ لن يقبل بعد اليوم أن يضع مصيره في يد فرد أو عائلة، ولن يقبل أن يأتي من يستبد بقراره ويقدم نفسه وصيا عليه".
- ورغم كل هذه الخدمات التي قدمها النظام للحوثيين إلا أنهم لم يألوا جهداً في نخر النظام من الداخل عن طريق عناصره المبثوثة في ضلوع الدولة ومفاصل الحزب الحاكم، وقد قاموا بهذه العملية بطريقة تجعل من هذا النخر يصب في صالحهم وليس في صالح القوى الوطنية المعارضة.. والمتتبع لتاريخ الفكرة الإمامية أن هذا الأسلوب يتكرر لأصحاب هذه الفكرة أثناء محاولاتهم العودة إلى الحكم بعد خروجهم منه بسبب فضل في بناء دولة ومشروع شعب..
ومن المهم التأكيد هنا قبل الانتقال إلى الفقرة التالية أننا حين نتحدث عن الإماميين فإننا نقصد المجموعات التي تسعى إلى الحكم وفق نظرية "البطنين" وتعمل بشكل منظم للوصول إلى هذا الهدف.. وهذه المجموعات تتكون من الهاشميين وغيرهم.. مع ضرورة التأكيد أن قسماً كبيراً من الهاشميين تحرروا منذ وقت مبكر من براثن هذه الفكرة، وكانوا السباقين في التنبيه على خطورتها، ومنهم على سبيل المثال، العلامة محمد بن اسماعيل الأمير رحمه الله.. ومما يؤسف له أن الحركة الحوثية استهدفت الكثير من أبناء هذه البيوتات التي تحررت من هذه الفكرة ونجحت في بعض الأحيان.
الحوثيون والثورة
إن المطّلع على التاريخ البعيد والقريب للإمامة في اليمن والغلاف الجديد لها المتمثل ب"الحوثيين"، والمتابع عن قرب لأحداث ومجريات ثورة التغيير خلال ما يزيد عن عام، يستطيع استقراء الكثير من المواقف والتحولات والأهداف التي ربطت الحوثيين بالثورة، كقوة من بقايا نظام حكم سلالي سابق يسعى لإعادة الاستبداد والماضي أو للانقلاب على الثورة، نظروا إليها كما يلي:
أولا: بإمكان تحول كبير ك"ثورة" تسعى لإسقاط نظام سياسي، أن يكون فرصة تاريخية لإعادة الماضي الإمامي.. ولكي يتمكنوا من الاستفادة فإنه يجب أن تتطاحن جميع القوى السياسية اليمنية حاكمة ومعارضة..
ثانياً.. إن لم يسقط النظام، فإن الصراع الدائر سيمكنهم من استغلال الوضع والتوسع العسكري والسياسي، وسيكونون اليد التي تنخر في الثورة من داخلها، والجهة الأبرز التي سيعتمد عليها النظام ويقوي تحالفه معها.. خصوصاً مع وجود التجمع اليمني للإصلاح كقوة شبه مسيطرة على الساحات..
ثالثاً. سيكون أي نجاح للثورة الشعبية بقواها الوطنية، الإسلامية واليسارية والقومية الموجودة ضربة فاصلة للمشروع الحوثي، كقوة تستغل فساد النظام، وترفع السلاح، وتتعارض مع أهداف الثورة..
من هنا يتضح أن موقع الحوثيين منذ البداية فرض عليهم أن يعلنوا أنهم مع الثورة، ولكن لأهدافهم الخاصة، وانتشروا في الساحات وكونوا ما يعرف ب"شباب الصمود"، ولم يكن أمام أيٍ من أطراف الثورة أن ترفض أو تمنع طرفاً من الثورة، فقد رحبت بهم جميع الأحزاب السياسية وراحت تشيد بمشاركتهم مع الثورة أملاً من هذه القوى أن يؤدي انضمام الحوثي إلى الثورة إلى الانخراط الحوثي في المشروع الوطني الجامع وترك السلاح والتخلص من الباعث العنصري السلالي باتجاه الحكم..
وسعت هذه القوى بشكل صادق لتشجيع الحوثي من أجل المضي قُدماً في التحول إلى حركة سياسية وثقافية وفق مبادئ وقواعد العمل السياسي والتنظيمي السلمي المدني، الذي لا يتعارض أهداف الثورة اليمنية (سبتمبر وأكتوبر) ومكاسب الإنسانية من حرية ومساواة..
وكناشط من داخل الساحات، أستطيع أن أؤكد أنه لم يكن هناك لدى أي قوة سياسية في الثورة أي موقف سلبي من انضمام الحوثيين أو غيرهم، وقد كان أعضاء الإصلاح على رأس من يرفضون انتقاد الحوثيين، ليس تكتيكاً سياسياً، بقدر ما كان نوايا صادقة لدى الجميع، بالإضافة إلى جهل الكثير من الناس بالتاريخ وبطبيعة الحركة الحوثية وأهدافها السياسية، وعلى رأسهم بعض المثقفين والسياسيين والناشطين.. وهذا ما لمسته في الواقع من خلال الكثير من المواقف.
ومن أبرز أسباب جهل الشباب وبعض القواعد الحزبية، بل وبعض القيادات الحزبية، بخطورة الظاهرة الحوثية، الحالة السياسية السائدة قبل الثورة التي اعتمدت المكايدات وصرفت الناس عن تدارس ثقافة الثورة السبتمبرية، كما صرفت الجهد البحثي والفكري عن تاريخ الوجع اليمني جراء الفكرة الإمامية، بالإضافة إلى المناهج الدراسية الفارغة من المحتوى المفيد، وانتشار اللوبي الإمامي (أو المتعاطف معه) في مختلف الأحزاب، والذي ظل يلعب دوراً أشبه بالتضليل يخفف على الوعي السياسي وطأة المقارنة بين واقع الشعارات وبين واقع التطبيق لدى جماعة الحوثي.
وكان صادماً منذ اللحظة الأولى أن الحوثيين حرصوا على أن لن يتفقوا مع بقية قوى الثورة في هدف.. حيث دخلوا إلى ساحة التغيير وعملوا ككيان موحد يقود الثورة المضادة من داخل الثورة نفسها.
في ساحات التغيير
عندما علم الحوثيون أن الثورة قد أصبحت ثورة الشعب بمختلف قواه السياسية والاجتماعية والثقافية، أدركوا أن فرصهم في التحكم بها وبنتائجها تقل، خصوصاً مع انضمام قيادات الجيش ومشائح القبائل ومئات المسؤولين الوطنيين من الحكومة والمؤتمر الشعبي العام إلى الثورة، إلى جانب أحزاب اللقاء المشترك وغيرها.. حينها بدأوا بالتكتل أكثر في ساحات التغيير واستخدام الخلايا التنظيمية لجماعة الحوثي في العاصمة وغيرها، تلك التي أعلنت عن نفسها كعناصر حوثية لأول مرة، في حين ظل بعضها الآخر يعمل تحت ستار أنه مستقل.. وقد تم إنشاء العديد من التجمعات التي تضم المكونات الحوثية، سواء كانت علنية أو موالية سياسياً للجماعة الحوثية، وأبرز ذلك هو تكتل "شباب الصمود"..
وفي الأشهر الأولى حرص الحوثيون على استقطاب أكبر قدر من الشباب الهاشميين من مختلف المحافظات حتى استطاعوا التواجد في كثير من ساحات الاعتصام.. وبالتزامن مع ذلك كانت عناصرهم تنتشر في أوساط الشباب متسترة بدعوى أنها من الشباب المستقلين، وتحرض ضد المشترك والقوى المنضمة إلى الثورة.. وذلك ما كنت ألاحظه أثناء تنقلي بين الخيام، حيث كانوا يتوزعون بشكل منظم ويضعون أطروحاتهم وعندما أتناقش معهم، كمتابع ومطلع في ملفهم، يتأكد لي أنهم من الحوثيين.
والحوثيون المقصودون هنا لم يعودوا أولئك المسلحين التابعين للحوثي في الجبال، بل كتسمية اشتهرت لتنظيماتهم وأحزابه الإمامية التي تفصح جملة أطروحاتها عن التوجه التي تدعمه..
الحوثيون والشباب
عندما كانت تذكر مفردة "أحزاب" و"عناصر حزبية" فإن الأنظار تتجه مباشرةً إلى أعضاء التجمع اليمني للإصلاح كأكبر حزب وقاعدة شعبية وشبابية في الساحة، بينما لم يكن قد ترسخ لدى الشباب، أو لدى الرأي العام، وجود الحوثيين كتنظيم سياسي.. لذلك كانت عناصرهم تنتشر باسم المستقلين وتحرض عموم الشباب داخل الساحة وخارجها.. وكان هذا جانباً فقط للنشاط التنظيمي للحوثيين، بينما لم يكن الإصلاح يقوم بأي عمل تنظيمي بغرض الاستقطاب، لأن كوادره انشغلت بحمل الجزء الأكبر من مسؤولية الساحة وخصوصاً في الجانبين الأمني والخدمي.
ولابد من الإشارة هنا إلى أن كثيراً من شباب الثورة بمختلف توجهاتهم، لم يكن لديهم وعي سياسي وتاريخي كاف يستطيعون من خلاله التعامل بآذان ناقدة مع أطروحات التشويش والشائعات المبثوثة من قبل عناصر النظام والأطراف التي تلتقي معه، والتفسير الأقرب للتطورات السياسية المختلفة، وذلك ما يبدو واضحاً من خلال أية تطورات يتم إعطاؤها أكثر أو أقل من سياقها، وكان القليل جداً يدرك أن الثورة ليس مجرد خيام وهتافات..
الحوثي والمبادرة الخليجية
مع مرور الأشهر الأولى وبدء مشاورات المبادرة الخليجية، بدأ الشباب بملاحظة نوع من النشاط المنظم ضد الثورة من قبل الحوثيين.. وكان الحوثيون يستقطبون المستقلين الذين لا يوجد لديهم تحصين سياسي وثقافي، بعد أن كانوا يفسرون لهم كل تأخر الثورة وسقوط شهيد بأنه يحدث بسبب مفاوضات أحزاب المشترك.. خصوصاً أن الكثير من الشباب جاء إلى الثورة لأنه شاهد سقوط نظامين في تونس ومصر.. وليس لأنهم يعلمون ماذا تعني الثورة؟.. ولم تكن تنقصهم الروح الثورية ولا الأهداف الوطنية والدوافع العادلة، إنما التحصين السياسي والثقافي والتاريخي بكيف يمكن تحقيق ما يريدون..
ومشكلة الكثيرمن الشباب المستقل بوجه أخص أنهم ليسوا حزباً أو تنظيماً أو ثقافة موحدة، إذ إن معظم الجهود كانت فردية أو ضمن مكونات أخرى، مدعومة من جهة ما بشكل أو بآخر، ولم يكن لديهم الجهة السياسية التي ينتمون إليها ويستقون منها روائهم ومواقفهم.
وكان الحوثيون في الساحات وخصوصاً في ساحة التغيير بصنعاء يدعمون مسيرات مضادة من المستقلين بشكل يومي ضد أطراف الثورة وضد اللجنة التنظيمية في الساحة، بشعارات مختلفة منها "تصحيح مسار الثورة".. مستغلين مشاعر الشباب اليائسة نتيجة صعوبة الأوضاع وطول فترة الثورة.. وقد كانت بعض قواعد الأحزاب تقع بسهولة في شباك الحوثيين.
ومثلت المبادرة الخليجية مرتعاً خصباً يحاول من خلاله الحوثيون إلصاق تهمة "خيانة دماء الشهداء" لأحزاب المشترك التي تشارك في مفاوضات المبادرة، واتسق في هذا الطور الإعلام الحوثي في الداخل مع كافة وسائل الإعلام الإيرانية مما شكل ضغطاً نفسياً كبيراً على أحزاب المشترك، وكاد في اكثر من مرة أن يعرقل سيرورة المبادرة..
والمؤسف أن الحوثيين والإعلام الإيراني أثناء حملتهم ضد المبادرة الخليجية لم يكونوا فقط ينتقدون المبادرة، إنما كانوا يسيئون إلى الأشقاء في دول الخليج في محاولة واضحة لحشر الأشقاء في مربع دعم النظام، لكي ينجم عن ذلك عداوة مستقبلية بين شباب الثورة وبين الأشقاء في الخليج، الذين لا ينسجمون مع إيران والحوثيين.. وكان النظام السابق يساعدهم في إكمال برواز الصورة الكلي.. إذ كلما رفع الحوثيون لافتة في الساحات تندد بالمبادرة الخليجية، كان النظام يرفع عشرات الصور لقادة المملكة العربية السعودية في ميدان السبعين لضرب عصفورين بحجر واحد. فهو من جهة رسالة من قبل النظام إلى شباب الثورة يحاول فيها إيهامهم أن دول الخليج تقف في صالح النظام، كما هي في المقابل رسالة إلى قادة الخليج بأننا أقدر من قوى الثورة على مد الجسور معكم في مستقبل الأيام.
وقد تصاعد مثل هذا الدور بوتيرة عالية أوجدت بعض القلق لدى الحريصين على نجاح الثورة، فبدأت أصوات هؤلاء تتعالى للتحذير من هذا الدور المشبوه. إذ حتى لو لم تكن المبادرة الخليجية منسجمة مع مطالب الشعب في التغيير فإنه ليس من الحكمة أبداً على قوى الثورة أن تستعدي الجيران الذين تربطنا بهم وحدة المبدأ والمصير.. فضلاً عن كون المبادرة في حقيقتها جاءت لتلبي الجزء الأكبر والأهم من مطالب الشعب، إنما بلغة غير ثورية، وهذا ما أثبتته الأيام..
وكان من بين هذه الأصوات التي حذرت من هذا الدور المشبوه الكاتب والمحلل السياسي نصر طه مصطفى الذي قال في مقابلة صحفية إن الشباب وقعوا في مكيدة باستعداء السعودية..
والحاصل أنه رغم زخم ذلك الدور المعادي للمبادرة الخليجية ودولها إلا أن الساحات سرعان ما بدأت تتنبه لخطورة هذا الطرح المعادي.. وبمرور الوقت صار الموقف من المبادرة يكاد يكون فارقاً معيارياً يمكن من خلاله التفريق بين شباب الثورة وأتباع الحوثي.. مع التأكيد أن هناك في الساحات شباباً آخرين رفضوا المبادرة ولكن لدوافع تختلف عن دوافع الحوثيين.. وهذا النوع ليس عليه أي تحفظ من قبل القوى المؤيدة للمبادرة.
واستغل الحوثيون الأوضاع السياسة المعقدة والأمنية المنفلتة وخلافات الأطراف الرئيسية في البلاد، لكي يعملوا في كل اتجاه ويختصروا على أنفسهم المسافات تنظيمياً وميدانياً.. وكانت الساحات بالنسبة لهم ميداناً للالتقاء وفرصة للتغلغل بين الناس، وقد استطاعوا توظيف الكثير من الكوادر والقدرات الشبابية الحوثية بعد إن تم أحياء الأحلام الإمامية لديهم..
ومما ينبغي التأكيد عليه أن انضمام الحوثيين للثورة فوت على الثورة انضمام فئات أخرى في المجتمع اليمني، وخصوصاً من نازحي أبناء صعدة وأسر الشهداء الذين استشهدوا برصاص الحوثيين، حيث وجدوا أن قوى الثورة ترتكب خطأ وطنياً فادحاً حينما تسمح لتيار غير وطني اقترف جرائم قتل وتهجير بحق أبناء صعدة والقوات الملسحلة والأمن، بالانضمام إلى مسميات وطنية لها تاريخها، ووجد الكثير من هؤلاء، أن الثورة إذا قدمت للحوثي الغطاء السياسي ومثلت له "المغسلة" التي يتطهر فيها من دنس جرائمه فإنها تكون قد جانبت الصواب ووقعت في فخ العدو..
وأذكر من بين هؤلاء من أبناء صعدة الناشط غائب حواس، الذي قال إن الثورة قد احتضنت لغماً، ولابد أن يأتي اليوم الذي ينفجر بين ذراعيها. وكان حواس أكثر خبرة بالحوثيين من غيرهم، حيث لم يكن يقلل من ديناميكية وكفاءة الجهاز الحوثي في تضليل عناصر الثورة وتجيير حشودها لصالحهم. وهو ما تم بالفعل، إلا أن حواس وغيره تفاجأوا بأن شباب الثورة لم يلبثوا أن نجحوا في استكناه حقيقة الحوثي وتعريته، وساعدهم الحوثي في ذلك مساعدة كبيرة بسبب النتائج السلبية لكثير من أطروحاته وكذا لسبب مواقفه من الثورة السورية وتنسيقه الواضح مع الجهات الإيرانية، والأهم من ذلك عدوانه المتكرر على المواطنين وشباب الثورة في كل من صعدة والجوف وأخيراً حجة، مروراً بالحصار اللاإنساني لمركز دماج العلمي التابع للسلفين.
البعثات إلى صعدة وإيران
وقد كان الحوثيون يقومون بابتعاث مجموعات من الشباب المستجدين إلى صعدة بشكل دوري برفقة متخصصين يقومون بتأهيلهم تنظيمياً وإعادتهم بتقييمات سطحية تمتدح الحوثي وإدراته لصعدة..
هذا ما يخص الجانب المحلي، أما الجانب الآخر وهو الأهم، فقد كانت هناك بعثات دورية بشكل أسبوعي ونصف شهري إلى إيران.. وقد تفاجأت أثناء وجودي في إحدى الخيام، حيث كانت الكهرباء منقطعة، وكان هناك 3 من عناصر الحوثيين المستجدين، أحدهم يحدثهم عن تفاصيل زيارته إلى إيران مع مجموعة آخرين..
وما شد انتباهي هو أن الشخص المتحدث كنت أجلس معه بشكل يومي وهو من محافظة إب لا يعترف بانتمائه للحوثيين، حتى تفاجأت أثناء حديثه أنه زار إيران والتقى بالرئيس الإيراني أحمدي نجاد وبالمرشد الأعلى علي خامنئي، وأنه وصل إلى مدينة قم التي تعتبر معقل رجال الدين الشيعة.. وتحدث كيف أن الزيارات تتم بشكل دوري، وسرد أسماء بعض الناشطين والسياسيين والإعلاميين الذين زاروا طهران أكثر من مرة، ومنهم إحدى الناشطات التي زارت إيران إلى ذلكم الحين 3 مرات.
ثم ما لبثت أن تأكدت من صحة ذلك، وبدا واضحاً أن الزيارات كلها بالتنسيق مع نظام صالح.. وكان اختيار المبتعثين إلى إيران يتم للناشطين الجدد، خصوصاً من تعز وعدن والضالع وحتى حضرموت.. ومن المهم الإشارة إلى أن الشباب الذين تم استقطابهم لم يتم تحويثهم مذهبياً بالضرورة، بقدر كانوا متعاطفين ومناصرين سياسياً وإعلامياً أو من أصحاب العوز الفقراء.. وليس كل مبتعث أو متعاطف مع الحوثي عنصرا تنظيمياً، قدر كونه يؤدي دوراً يصب في أهدافهم، سواء من خلال التصعيد ضد قوى الثورة أو من خلال الدفاع والتغاضي عن الحوثيين.
المسارات السياسية والميدانية
بعد انضمام اللواء علي محسن إلى الثورة نصب الحوثيون فارس مناع محافظاً لصعدة استفزازا للواء علي محسن بالتنسيق مع النظام، وهو ما تأكد عندما تعامل النظام في إعلامه وخططه المحافظ الذي وضعه الحوثيون، أملاً في إدخال الفرقة في مواجهة الحوثيين بصعدة تغير قواعد الإيقاع الثوري، في خطة مشابهة لخطة محافظة أبين لمسلحين محسوبين على تنظيم القاعدة.. وكانت أقصى أماني الحوثيين حينها أن تبدأ الحرب الأهلية المدمرة رسمياً ليكونوا هم بعد ذلك القوة الأقوى في العاصمة وما جاورها.. ولقد تحول مختلف العمل السياسي والميداني الحوثي باتجاه هذا الهدف، المتمثل في إيصال الأمور إلى مواجهة مسلحة وشاملة بين القوات النظامية اليمنية، الحرس الجمهوري والجيش المؤيد للثورة..
وتوجه الحوثيون للاستيلاء على معسكر تابع للفرقة الأولى مدرع في الجوف لإتمام السيطرة على المدينة، وهناك لاقوا مقاومة شديدة من قبل القبائل التي تجمعت لصدهم برئاسة الشيخ أمين العكيمي.. وكان هذا التحول هو الأول الذي بدأ سلسلة مواجهة الحوثيين المباشرة مع الثورة خارج العاصمة، وسقط مئات القتلى، وانتهت المواجهات بتراجعهم فيما يتعلق بمحافظة الجوف..
ومن جهة أخرى وهي نقطة مهمة، كان علي عبدالله صالح يريد إثبات أن اليمن بعده ستؤول إلى الأسوأ، والبديل هو أن تعود الإمامة والاستعمار.. وهو ما تجسد عملياً عندما قام بسحب الأجهزة الأمنية من محافظة أبين المجاورة لعدن وتسلميها لمسلحين إرهابيين، وكذلك فعل في صعدة وسلمها للحوثيين، والكثير مما في هذا الملف ستكشفه الأيام.
والمطلع الدقيق بأنثربولوجيا اليمن والمحافظات الشمالية بوجه أخص يعرف كيف أن حملة النظام الإعلامية والدموية تركزت على محاولة شق قبيلتي حاشد وبكيل، ومحاولة الإيقاع بينهما، بعد أن انضم رأساهما الشيخ صادق الأحمر وأمين العكيمي إلى الثورة، باعتبارهما الوقود القبلي للثورة والسياج الذي يحيط بالعاصمة إحاطة السوار بالمعص، وبالتالي هم الحاجز الذي يفصل "آمنة*" عن صنعاء، والمتمثلة وفق تقدير المراقبين أنذاك في الحوثيين، الذين كان النظام يظن أنه قادر بهم على إفشال الثورة، ثم تقاسم الحكم معهم أو استعادته من أيديهم.. هذا من جهة، ومن جهة الحوثيين فقد كانوا أكثر من يحرض ضد بيت الأحمر من داخل الثورة، كما كانت تبدو تصريحات أبواقهم الإعلامية والسياسية.. كما أن الحملة العسكرية الظالمة لكسر شوكة أرحب، ثاني أهم الأعمدة الجمهورية في محافظات شمال صنعاء وموطن أبي الأحرار محمد محمود الزبيري، تصب في خدمة الحوثيين وتسهل طريقهم إلى العاصمة..
وكان تصعيد الحوثيين غير الطبيعي يتصاعد مع مفاوضات المبادرة الخليجية التي يعتبر نجاحها هزيمة للمشروع الإيراني في اليمن.. حتى أن البعض يرى أنه لم يكن هناك من فائدة للحوثيين بالوقوف في معاداة أطراف الثورة مباشرة إلا بتوجيهات من طهران التي استنفرت جميع أذرعها في المنطقة للتشويش وكسب أوراق ضغط سياسية في سبيل القضاء على الثورة السورية ضد النظام الذي يعتبر جسر إيران إلى المنطقة.
ففي حين كان التوتر العسكري يتصاعد في صنعاء، وأقارب صالح يعدون عسكرياً لمواجهة الثورة.. كانت مواقف الحوثيين تتكشف يوماً عن يوم، وكانوا يعلمون بعدم جدوى انتصار النظام، لكن دمار الجيش ببعضه وضرب القبائل الجمهورية، سيجعلهم القوة البديلة الأقوى.
وعندما زاد الأمل بالفعل السياسي ووصلت الأزمة إلى قرار في مجلس الأمن الذي يفرض تنفيذ المبادرة الخليجية، شعر الحوثيون أن علي عبدالله صالح ومن بصفه لم يعودوا قادراً على الحسم العسكري وإجهاض الثورة، وبالتالي اتجهوا للتوسع بجميع الاتجاهات بقوة السلاح، كما حدث في حجة والمحويت وعمران والجوف، حيث خاضوا اشتباكات عنيفة مع أبناء القبائل، راح ضحيتها الكثير من المواطنين، ومن بينهم رئيس فرع الاشتراكي في حجة.. كما كانوا بدأوا بصنعاء بما عُرف بثورة "السائلة" أواخر أكتوبر2011، التي ماتت فور ولادتها عندما علم الناس أنها حوثية..
وبدا أن توسعهم المسلح وتصعيدهم داخل الساحات مفاده إيصال رسالة إلى النظام السابق بأنهم ما زالوا قادرين على مساعدته عسكرياً وخلط الأوراق السياسية، ومن جهة أخرى السيطرة على أكبر قدر ممكن من الأرض لفرض لغة الأمر الواقع على الواقع السياسي ليمن ما بعد صالح، بحيث يتم القبول بهم كقوة مسلحة تفرض رأيها بواقع الأمر، وتتحول المناطق المسيطرة عليها إلى إقليم على الأقل، ومن جهة ثالثة فيما لو زادت الأوضاع سوءاً فإنهم سيكونون قادرين على إعلان دولة انفصالية في صعدة والمناطق المجاورة لها.
ووصلت العلاقة بين الثورة والحوثيين أوضح حالاتها مع "مسيرة الحياة" (24ديسمبر2011) الراجلة التي انطلقت من تعز إلى صنعاء، والتي كان يراد أن تكون الضربة التي تقضي على حكومة الوفاق الوطني والمبادرة الخليجية، تلك المسيرة التاريخية التي حاول الحوثيون استغلالها وتوجيهها نحو السبعين أملاً في سيول من الدماء تقلب الأوضاع رأساً على عقب. وبدا واضحاً ان عناصر حوثية هي من حرض بعض الشباب على ترديد شعارات داعية لاقتحام السبعين، أحدثت مواجهات مع قوات أمنية ومسلحين على المداخل الجنوبية للعاصمة صنعاء، وخلفت 9 قتلى. الأمر الذي أثر على وهج وبريق مسيرة الحياة التي كان نجاحها مختلفاً دون تلك المواجهات.
ويمكن قياس أهمية ما وصلت إليه تلك اللحظة، من خلال أن ذلك التصعيد لم ينته إلا بعراك بالأيدي مع الشباب في ساحة التغيير، حيث حاول الحوثيون تحويل المسيرة من عمل شعبي عظيم في إطار ثورة التغيير إلى ثورة على الثورة من خلال أعمال شغب واسعة داخل الساحة..
وحاول الحوثيون إلى آخر لحظة تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي، الذي منعوا من توزيع صوره في صعده، وعملوا على التحريض ضده ومحاولة تصويره كامتداد لعهد صالح.. كما أنهم كانوا يوجهون مسيراتهم إلى جوار منزله في شارع الستين لزيادة التوتر الأمني في تلك المنطقة وإزعاج الجهود السياسية المبذولة.
الحوثيون وتعز
شعر الحوثيون منذ الأشهر الأولى للثورة بصعوبة توجيه ساحة التغيير بصنعاء لخدمة أغراضهم، فانطلقوا لينشطوا داخل محافظات بعيدة عن الإطار الخغرافي الذي يعرف مشروعهم وتاريخهم.. فذهبت مجاميع من الحوثيين إلى عدن وتعز.
وعن طريق التخويف من الإصلاح وبيت الأحمر وعلي محسن استطاعوا أن يجتذبوا إليهم عشرات الشباب في محافظة تعز، وعادة ما كان الحوثيون يرفعون مطالب مقبولة من حيث المبدأ، مستحيلة وتعجيزية من حيث واقع التطبيق. لكي ترفض القوى الثورية (المسؤولة) لهذه المطالب وكأنه خيانة وتهاون وجُبن.. وسرعان ما استطاعوا عن طريق الآلية الإقليمية الإيرانية في السفريات والندوات.. سرعان ما استقطبوا إليهم أحد الوجاهات الاجتماعية والقيادات الحزبية، وهو النائب سلطان السامعي الذي لاتزال الكثير من القوى الوطنية تعول على حصافته ووطنيته للعدول عن هذا الخيار.
والحقيقة أن أحداً ما يمكن ملاحظته خلال هذه الثورة هو أن الحوثيين مهما كسبوا إلى صفهم فإنهم من الصعب عليهم الاحتفاظ بمن كسبوهم.. إذ يظل المجموع اليمني مُجمعاً من أقصاه إلى أقصاه على قيم ناضل من أجلها الشعب وقدم في سبيلها آلاف التضحيات، كالحرية والمساواة اللذين لا يتصادمان بطبيعة الحال مع حقيقة المشروع الحوثي الذي لا يستطيع أحد أن يفصل شقه المذهبي عن شقه السياسي.
نقاط مختلفة
ومع عدم إغفال أن الأيام لازال تحبل بالكثير من التفاصيل التي تسهل على الباحث التعمق أكثر في طبيعة المآل المأساوي لعلاقة الحوثيين بالثورة، إلا أننا نستطيع وضع خلاصات مختصرة لما سبق من السطور فيما يلي:
- مجمل أهداف ومعتقدات الحوثيين تتعارض مع أهداف الثورة الشعبية الهادفة إلى بناء دولة مدنية ومساواة بين أفراد المجتمع.. وبالتالي فإن انضمامهم للثورة كان أمراً فرضه الواقع لتحقيق أهداف خاصة لا تلتقي مع الأهداف العامة للشعب.
- استغل الحوثيون فترة الثورة بما رافقها من غياب للدولة بالتوسع بقوة السلاح والتحالف مع النظام السابق ليمكنهم أكثر من السيطرة والتغلغل في كافة مؤسسات الدولة.. كما استغلوا ساحات الاعتصام للعمل التنظيمي والسياسي والتحريض ضد قوى الثورة ومساعي دول الخليج العربي، تحت دعاوى عديدة ك"سرقة الثورة"، "عسكرة الثورة"، "ارحلوا جميعاً"...الخ.
- بعد انضمام اللواء علي محسن (21مارس2011)،سيطر الحوثيون على صعدة وحاولوا السيطرة على الجوف وحجة.. بينما كان التيار السياسي الحوثي في صنعاء يحرض على قوى الثورة والجيش المؤيد لها، ويحاول الفتنة بين قوى الثورة ببعضها من جهة، ومن جهة أخرى توتير الأوضاع لتتجه نحو الحرب الأهلية التي تقضي على قوة الدولة وقوى المجتمع ليكون الحوثي هو القوة الوحيدة المتبقية.
- علاقة الحوثيين بنظام علي عبدالله صالح هي علاقة وئام بين خادع ومخدوع، ويمثل الحوثيون فيها الطرف الأول بطبيعة الحال.. وقد كان هناك تنسيق وتطابق واضحين بين وسائل الإعلام الإمامية وتصريحاتهم السياسية، وبين توجهات نظام صالح وتصعيداته المستهدفة للثورة.. للدرجة التي يعتبر البعض فيها أن الحوثيين هم الجماعة الوحيدة التي مثلت حليفاً وشريكاً للنظام أثناء الثورة ك"جماعة"، فضلاً عن تأكيدات متواترة من قبل بعض شباب التغيير في صنعاء الذين يقولون إن لديهم أدلة على أن قاموا بمساعدة النظام في منطقتي كنتاكي وشارع هايل في المواجهات والاعتداءات التي حدثت أواخر سبتمبر 2011.
- وقف الحوثيون بقوة ضد الجهود الخليجية والدولية التي تسعى لمخرج سياسي، وذلك بما ينسجم مع سياسات إيران وأحلام الحوثيين باقتتال القوى الجمهورية مع النظام الذي يسهل سيطرتهم بعد ذلك، وقد كانت لهم اتصالاتهم مع بعض قيادات الحراك الانفصالية في المحافظات الجنوبية، ذلك التنسيق الذي كانت إيران ترعاه.
- واجه الحوثيون مقاومة حازمة أثناء عدوانهم على الجوف وحجة، حيث تكبدوا الكثير من الخسائر، سواء في الجوف أو في حجة، كما تفاجأوا بالتحرك الشعبي والسياسي المحلي المتضامن مع طلاب معهد دماج السلفي.. الذي "كان حصار الحوثي لهم هو بمثابة زر الإنارة الذي ضغط عليه الحوثي دون قصد منه ليظهر وجهه القبيح"، حد تعبير أحد أبناء صعدة.. ونبه هذا الحصار الكثيرين من مختلف التنظيمات ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام.. كما تفاجأ الحوثيون بنفور الناس من حولهم بمجرد أن يكتشف الناس أنهم حوثيون بعد قصة دماج، وعزز ذلك موقف الحوثيين من الثورة السورية، ذلك الذي يتطابق مع موقف إيران.
- أدى امتداد فترة الثورة إلى اتضاح موقف الحوثيين وخروجهم من الثورة، إذ كانت مجمل التطورات خلال الفترة الماضية عبارة عن سلسلة من الفشل الحوثي، سياسياً وشعبياً وميدانياً. وكثيراً ما كان يعالج الخطأ بخطأ، واتضحت أهداف الحوثيين للرأي العام الشعبي والسياسي، كما أصبحوا لأول مرة في مواجهة الشعب بقواه الاجتماعية والسياسية والوطنية المختلفة.. على عكس الانتصارات العسكرية التي حققوها خلال السنوات الماضية بفضل تواطؤ النظام السابق وحساباته الضيقة. على أن التعاطف المحدود الذي اكتسبوه قبل الثورة لم يكن إلا بسبب سياسية النظام التي أفقرت الشعب وأحيت فيه المشاريع الصغيرة وهي رميم.
- كان لدى جميع القوى المنضمة للثورة حرص صادق على أن يمثل انضمام الحوثي إلى الثورة بدايةً جديدةً له، يستطيع من خلاله تحقيق مطالبه عن طريق نضال سياسي سلمي.. ولا زالت هذه القوى وغيرها حريصة على مشاركة الحوثي رغم كل ما سبق منه في مؤتمر الحوار الوطني.. رغم وصول الكثير من الأطراف إلى قناعة مفادها أن المشروع العنصري عقيمٌ ويستحيل عليه تطويع مطالبه بشكل لا يتعارض مع مصلحة المجموع اليمني، وكذلك بسبب ارتهان القرار الحوثي لقوى أقليمية تستخدم جماعة الحوثي كورقة ضمن مطامعها التوسعية القائمة على تصور يزعزع أمن واستقرار دول المنطقة ككل، لكن هذا الحرص من قبل القوى الوطنية يأتي من قبيل "إسقاط الذرائع".
- حتى وإن قبل الحوثيون في الانخراط في العمل السياسي والمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني القادم، فإن مسألة سلاح الحوثي ستظل قضية شائكة، إذ من الصعب على أي حكومة تريد بناء دولة نظام وقانون أن تقبل بوجود جماعة مسلحة خارج إطار القانون، ناهيك عن كون هذه الجماعة لديها أجندة خارجية لا تتعلق بأمن اليمن فحسب، بل تطال جيرانها كذلك..
- خلال الثورة سعى "المهندس الإيراني" إلى جعل جماعة الحوثي والفصيل الانفصالي للحراك الجنوبي بمثابة شقي مقص، يعملان معاً على تمزيق دولة الشعب الموجودة، فمد خيوطه باتجاه علي سالم البيض، واستطاع أن ينسق لقاءات عديدة بين ممثلين عن الطرفين خارج اليمن.. والمؤسف أن مثل هذا التعاضد بين هذين الطرفين يتم شحذه عبر الرابط السلالي الذي يجمع البيض والحوثي.
- يتلخص دور الحوثيين في الثورة بقيادتهم للثورة المضادة، وهم وإن كانوا فشلوا فيها، إلا أن مجهود الحوثيين في التضليل والتنغيض لا يزال مستمراً، بل إن التاريخ يقول إن فعالية هذا التيار تكون أكثر في الأطر النخبوية. الأمر الذي يتوجب فيه على كافة القوى الوطنية أن تكون على قدر من النباهة أثناء صياغة الدستور الذي عن طريقه يُعاد صياغة قواعد التنافس السياسي والهوية العامة للدولة.. إذ لا ينبغي أن تخضع هذه الصياغة لأمزجة أيٍ من الأطراف السياسية، بل من أجل المصلحة العلياً أولاً وأخيراً. ولا يجب أبداً مجاملة تحديات الحاضر وترقيع مخاوفه على حساب المستقبل.
* أي اقتباس أو نقل للمادة يجب أن يتم الإشارة إلى المصدر.
بعض المراجع:
1 كتاب "الزهر والحجر" ..
2 الوثيقة الفكرية والثقافية للحوثيين.
3 عدد من المقابلات والتقارير الصحفية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.