العليمي يتحدث صادقآ عن آلآف المشاريع في المناطق المحررة    نصيب تهامة من المناصب العليا للشرعية مستشار لا يستشار    على الجنوب طرق كل أبواب التعاون بما فيها روسيا وايران    ما هي قصة شحنة الأدوية التي أحدثت ضجةً في ميناء عدن؟(وثيقة)    العليمي يكرّر كذبات سيّده عفاش بالحديث عن مشاريع غير موجودة على الأرض    كيف طوّر الحوثيون تكتيكاتهم القتالية في البحر الأحمر.. تقرير مصري يكشف خفايا وأسرار العمليات الحوثية ضد السفن    رفع جاهزية اللواء الخامس دفاع شبوة لإغاثة المواطنين من السيول    مقتل مغترب يمني من تعز طعناً على أيدي رفاقه في السكن    انهيار منزل بمدينة شبام التأريخية بوادي حضرموت    وفاة الكاتب والصحفي اليمني محمد المساح عن عمر ناهز 75 عامًا    صورة تُثير الجدل: هل ترك اللواء هيثم قاسم طاهر العسكرية واتجه للزراعة؟...اليك الحقيقة(صورة)    صور الاقمار الصناعية تكشف حجم الاضرار بعد ضربة إسرائيل على إيران "شاهد"    عاجل: انفجارات عنيفة تهز مدينة عربية وحرائق كبيرة تتصاعد من قاعدة عسكرية قصفتها اسرائيل "فيديو"    الدوري الايطالي: يوفنتوس يتعثر خارج أرضه ضد كالياري    نادي المعلمين اليمنيين يطالب بإطلاق سراح أربعة معلمين معتقلين لدى الحوثيين    وزير سابق يكشف عن الشخص الذي يمتلك رؤية متكاملة لحل مشاكل اليمن...من هو؟    مبنى تاريخي يودع شبام حضرموت بصمت تحت تأثير الامطار!    رئيس الاتحاد العربي للهجن يصل باريس للمشاركة في عرض الإبل    تظاهرات يمنية حاشدة تضامنا مع غزة وتنديدا بالفيتو الأمريكي في مجلس الأمن    شبوة.. جنود محتجون يمنعون مرور ناقلات المشتقات النفطية إلى محافظة مأرب    شروط استفزازية تعرقل عودة بث إذاعة وتلفزيون عدن من العاصمة    اليمن تأسف لفشل مجلس الأمن في منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة مميز    لماذا يموتون والغيث يهمي؟    تعز.. قوات الجيش تحبط محاولة تسلل حوثية في جبهة عصيفرة شمالي المدينة    - بنك اليمن الدولي يقيم دورتين حول الجودة والتهديد الأمني السيبراني وعمر راشد يؤكد علي تطوير الموظفين بما يساهم في حماية حسابات العملاء    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    بن بريك يدعو الحكومة لتحمل مسؤوليتها في تجاوز آثار الكوارث والسيول    المانيا تقرب من حجز مقعد خامس في دوري الابطال    الحوثيون يفتحون مركز العزل للكوليرا في ذمار ويلزمون المرضى بدفع تكاليف باهظة للعلاج    لحظة بلحظة.. إسرائيل «تضرب» بقلب إيران وطهران: النووي آمن    بعد إفراج الحوثيين عن شحنة مبيدات.. شاهد ما حدث لمئات الطيور عقب شربها من المياه المخصصة لري شجرة القات    تشافي وأنشيلوتي.. مؤتمر صحفي يفسد علاقة الاحترام    الأهلي يصارع مازيمبي.. والترجي يحاصر صن دوانز    العثور على جثة شاب مرمية على قارعة الطريق بعد استلامه حوالة مالية جنوب غربي اليمن    اقتحام موانئ الحديدة بالقوة .. كارثة وشيكة تضرب قطاع النقل    طعن مغترب يمني حتى الموت على أيدي رفاقه في السكن.. والسبب تافه للغاية    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    عملة مزورة للابتزاز وليس التبادل النقدي!    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    شقيق طارق صالح: نتعهد بالسير نحو تحرير الوطن    نقل فنان يمني شهير للعناية المركزة    تنفيذي الإصلاح بالمحويت ينعى القيادي الداعري أحد رواد التربية والعمل الاجتماعي    ريال مدريد وبايرن ميونخ يتأهلان لنصف نهائي دوري ابطال اوروبا    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    قبل قيام بن مبارك بزيارة مفاجئة لمؤسسة الكهرباء عليه القيام بزيارة لنفسه أولآ    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    آية تقرأها قبل النوم يأتيك خيرها في الصباح.. يغفل عنها كثيرون فاغتنمها    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سورية وإيران: الجزرة.. والصفعة

بشكل واضح، تريد الولايات المتحدة من سورية أن تبتعد عن إيران، في إطار مساعيها لعزل طهران وتشديد الخناق عليها، وعلى طموحاتها بأن تصبح قوة عالمية نووية. ورغم أن هذه الخطة تعتبر «طموحة للغاية»،

وفق المتابعين للسياسة السورية منذ عهد الرئيس الأسد الأب، فإن إدارة الرئيس أوباما تجد فيها «بذرة» قد تصلح لإنبات التغيير في المنطقة.
وتشهد منطقة الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة تحركات دبلوماسية محمومة، تترافق مع تحضيرات عسكرية متقابلة قد تؤدي في أي لحظة إلى نشوب حرب.. أو نشوء سلام.
فوزيرة الخارجية الأميركية وعشية زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى دمشق صرحت علنا بأن واشنطن طلبت من السلطات السورية «البدء بالابتعاد عن إيران»، لافتة إلى أن «الولايات المتحدة الأميركية ترغب في أن تبدأ دمشق بالابتعاد في علاقتها عن إيران التي تتسبب في اضطرابات للمنطقة وللولايات المتحدة». وأضافت كلينتون «أكدنا للسوريين الحاجة إلى المزيد من التعاون حول العراق ووقف التدخلات في لبنان، ووقف نقل أو تسليم سلاح إلى حزب الله، كما شددنا على أهمية استئناف المحادثات الإسرائيلية - السورية».
وقد شهدت منطقة الشرق الأوسط منذ بداية العام حركة زيارات لافتة للمسؤولين الأميركيين تحديدا، بالإضافة إلى حركة أوروبية متممة لها، تقابلها تحركات إيرانية، تهدف إلى بناء «خط دفاع موحد»، يجعل من «الاستفراد» بها أمرا صعبا للغاية، بعدما ضم نجاد وحلفاؤه سورية وحزب الله وحماس، بالإضافة إلى طهران كأطراف حتميين في أي نزاع ينشب على أي جبهة من الجبهات الأربع، وأسخنها الملف النووي الإيراني والملف اللبناني.
ويقول الصحافي البريطاني أندرو تابلر، صاحب كتاب «داخل الحرب الأميركية على سورية الأسد»، إن واشنطن تقوم بقفزة في المجهول بالتقرب من دمشق في خطوة أحد أهدافها فك تحالفها مع طهران. ويشير إلى أن «اليد الأميركية الممدودة لسورية تحاول في الوقت أن تصفع إيران التي تواصل تحديها للغرب بالمضي قدما في برنامجها النووي وعملياته»، داعيا إلى مراقبة ما إذا كانت اليد الأميركية الممدودة لدمشق ستؤدي إلى ما تتمناه الولايات المتحدة، وهو رؤية دمشق تمنع تسلل المقاتلين من أراضيها إلى العراق، والعودة إلى طاولة المفاوضات مع إسرائيل، إذ يعتقد الأميركيون أن ذلك هو السبيل الوحيد لفك ارتباط سورية بكل من حماس وحزب الله، خاتما بالقول إن «تحسن العلاقات الأميركية السورية مرتبط مباشرة بمدى واقعية توقيع معاهدة سلام إسرائيلية سورية». فيما يصف محرر الشؤون الأميركية في صحيفة «الإندبندنت» البريطانية ديفيد أوزبورن التقارب الأميركي مع سورية بأنه «مقامرة إزاء قدرتها على اتخاذ خطوات لتعزيز مقومات نجاح جهود السلام في الشرق الأوسط».
ويرى الكثير من المحللين في الانفتاح الأميركي على دمشق إقرارا بفشل سياسة العصا مع سورية التي أظهرت قدرة لافتة في التأقلم و«القدرة على البقاء». فبعد الغزو الأميركي، بدأت الولايات المتحدة حملة «ترهيب» واسعة النطاق على سورية التي أصبحت «جارتها»، واستهدفت وجودها في لبنان ساحبة منها تفويضا عمره أكثر من ربع قرن. وأتى اغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري ليدفع خطوات واشنطن قدما باتجاه سورية التي انكفأت من لبنان، لكنها رفضت الاستسلام، فحاربت للحفاظ على هذا الدور، كما سبق لها أن فعلت في عام 1982، ثم في عام 1989.
واستبدلت سورية حضورها العسكري في لبنان بحضور سياسي لافت من خلال حلفائها الأقوياء على الساحة اللبنانية، كحزب الله وحركة أمل، وضمت إليهم «في ضربة معلم» خصمها السابق الذي طردته من لبنان بدعم أميركي النائب ميشال عون، مما أعطاها قدرة تعطيل لافتة منعت المحاولات الغربية من تحقيق مرادها. وتمكنت سورية أيضا من تمتين تحالفها الذي بدأه الأسد الأب مع إيران كسند إقليمي ومادي وعسكري له بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، في ظل مصلحة مشتركة بين الطرفين، تؤمن إيران من خلالها الدعم، وسورية الموقع الجغرافي الذي يقع على تماس مع القضيتين الفلسطينية واللبنانية، وهما جوهر ما تسعى طهران إلى التأثير فيه في المنطقة.
وبالإضافة إلى سحب واشنطن سفيرها من دمشق منذ عام 2005، تخضع سورية لسلسلة من العقوبات الاقتصادية الأميركية، وما زالت مدرجة في قائمة الدول الراعية للإرهاب، حسب تصنيف واشنطن منذ عام 1979، كما أصدر الكونغرس الأميركي «قانون محاسبة سورية» عام 2004 الذي يمنع تصدير الغالبية العظمى من المنتجات الأميركية إليها أو السلع الأجنبية التي تشارك الولايات المتحدة ب10% من مضمون تصنيعها مثل طائرات «الإيرباص» الأوروبية، مما جعل الأسطول السوري المدني يعاني من مصاعب جمة. وقد شملت إجراءات الانفتاح الأميركية على سورية، إضافة إلى تعيين سفير جديد في دمشق، ما لا يقل عن 7 زيارات رفيعة المستوى لمسؤولين أميركيين إلى سورية منذ انتخاب أوباما، كما قام وفد بقيادة القيادة المركزية الأميركية بزيارة دمشق وعقد اتفاق تجريبي مع سورية للقيام بتقويم تقني للمواقع الموجودة على الحدود العراقية - السورية. وقد خففت واشنطن من القيود المفروضة على رخص التصدير على إصلاح الطائرات المدنية السورية، وهي تدرس أيضا إعطاء المزيد من المنح الدراسية للسوريين من أجل الدراسة في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى إقامة تبادل ثقافي وتجاري، وإلغاء معارضتها طلب سورية الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية.
ويقول أندرو تابلر، من برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إن لدى واشنطن «الوسائل للتقليل من العبء الاقتصادي السوري، لكن قائمة متطلباتها من نظام دمشق طويلة. فعلى المدى القصير، تريد الولايات المتحدة أن تعاود سورية محادثاتها مع إسرائيل، وتقطع الطريق أمام تدفق الجهاديين إلى العراق. وعلى المدى البعيد، ترغب واشنطن في أن تقوم دمشق بتوقيع معاهدة سلام مع إسرائيل وتوقف دعمها لحزب الله وحركة حماس»، معربا عن اعتقاده أن هذا سيخلق توترا بين سورية السنية وإيران الشيعية، التي يرتبط بها الأسد بعلاقة عسكرية وثيقة وبعدة صفقات لتقديم المساعدات والاستثمارات الواعدة، مشيرا إلى أنه لهذا السبب تبحث واشنطن عن طرق مبتكرة لتحويل «العصي»، أي العقوبات، إلى «جزر» - كل ذلك مقابل حصول تغييرات تدريجية في سلوك الرئيس الأسد.
لكن تابلر يشير إلى «حقيقة» مفادها أن واشنطن سارت في هذا الطريق من قبل، ولهذا السبب هناك الكثير من المتشككين في واشنطن أولئك الذين يعتقدون أنه حتى لو قمنا بتمويل احتياجات الحكومة السورية بكاملها، فإنها لن تغير من سلوك الرئيس الأسد، موضحا أنه بعد حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، قدمت الولايات المتحدة مساعدات إلى دمشق بلغت 534 مليون دولار، حيث أملت أن تجذبها بعيدا عن المدار السوفياتي، وباتجاه توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل. وبدلا من ذلك، أصبحت سورية من أبرز المنتقدين لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وحصلت على تسمية «دولة راعية للإرهاب»، وقُطعت عنها المساعدات الأميركية. وعندما عادت واشنطن وبدأت في التعاطي ثانية مع دمشق في التسعينات من القرن الماضي، التف الدبلوماسيون الأميركيون على الحظر المفروض على المساعدات الخارجية عن طريق إغراء الشركات الأميركية بالاستثمار في قطاع الطاقة في سورية، بما في ذلك صفقة الغاز مع شركة «كونوكو فيليبس» بقيمة 430 مليون دولار. ولم تسفر هذه «الدفعة الأولى» عن شيء عندما رفض الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد، قبول معاهدة سلام بين سورية وإسرائيل كان قد اقترحها الرئيس كلينتون في جنيف في مارس (آذار) 2000.
ولا يرى الباحث والمحلل السياسي اللبناني سركيس نعوم «إمكانية» حقيقية لقيام سورية بفك عرى تحالفها مع إيران، مشيرا إلى أن هذا «قد يكون أحد الأهداف الأميركية»، لكنه بالتأكيد ليس الهدف الوحيد، مشيرا إلى أن الفصل «ليس سهلا على الإطلاق»، ويقول «الأميركيون يعرفون هذا، والسوريون لم يغشوا أحدا في هذا المجال بتأكيدهم متانة التحالف مع إيران». وفيما يخص العلاقات مع إيران، قال الأسد في 19 أغسطس (آب) الماضي خلال زيارته الرسمية الخامسة إلى طهران، إن إعادة انتخاب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد تعني أنه «على إيران وسورية أن تتابعا السياسة الإقليمية كما في الماضي». أما وزير الخارجية السوري وليد المعلم فقال بعد استقباله مسؤولا أميركيا إنه لا تأثير لتطور العلاقات السورية الأميركية على العلاقات السورية الإيرانية، مشددا على أنه «ليس لأي طرف ثالث صلة بالعلاقة السورية الأميركية، وسورية تقيم علاقات مع كل دول العالم بما يخدم مصالح شعبها، ولا تقبل شروطا من أحد لتقييد علاقاتها»، مشيرا إلى أن «سورية بالمقابل لا تفرض على الآخرين تقييد علاقاتهم مع من تراهم سورية خصما»، في إشارة إلى العلاقات التي تجمع الولايات المتحدة وإسرائيل.
وتأتي زيارة نجاد إلى سورية في وقت ترتفع فيه لهجة التهديدات المتبادلة في المنطقة، والتي يراد منها على ما ظهر من التصريحات التي سبقتها، وخلالها، توحيد «الجبهة» المناوئة لإسرائيل، إذ أكد الرئيس السوري في مؤتمر صحافي مع نظيره الإيراني «اننا اليوم في محطة نقيم فيها الوضع السياسي ونحن نرى المحطات السابقة التي مرت، وعلى الرغم من الإحباطات التي مررنا بها فإننا نقول إن المصلحة كانت للقوى المقاومة في هذه المنطقة»، مشيرا في المقابل إلى أن «الفشل أتى من الذين وقفوا في الجهة الأخرى». ولفت إلى أن «ما يحاولون تطبيقه على إيران بالنسبة إلى الملف النووي الإيراني سيسعون إلى تطبيقه على الدول الأخرى غدا». من جهته، أكد أحمدي نجاد أن طهران ودمشق لديهما أهداف ومصالح مشتركة وأعداء مشتركون، في ظل تحولات إقليمية، مشددا على أن «عامل الوقت يعمل لصالح شعوب المنطقة، والكيان الصهيوني ذاهب إلى الزوال وفلسفة وجوده قد انتهت وهو في طريق مسدود». وفي المقابل، تقول مارينا أوتاوي، الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط بمؤسسة «كارنيغي»، إن أي مقاربة دبلوماسية أميركية فعالة تجاه إيران يجب أن تشمل بلدانا أخرى في منطقة الخليج، معتبرة أن «واشنطن لن تحقق النجاح إذا ما واصلت السعي إلى تشكيل تحالف مناهض لإيران». وترى أوتاوي أنه «لا ينبغي على الولايات المتحدة أن ترغم دول مجلس التعاون الخليجي على الانحياز إليها أو إلى إيران، ولا إلى العراق أو إيران»، مشيرة إلى أن لهذه الدول دورا مهما تؤديه في العملية الصعبة المتمثلة في إعادة دمج إيران في المجتمع الدولي».
وتأتي الاندفاعة الإيرانية في مسعى واضح لتطويق اندفاعة أميركية لافتة، تمثلت في خطوات قامت بها الإدارة الأميركية الجديدة حيال طهران، والسعي لتشديد العقوبات عليها، بالتوازي مع رفع الاستعدادات العسكرية الأميركية في منطقة الخليج العربي. ففي الوقت الذين كانت فيه وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون تزور المنطقة، كان رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي الأدميرال مايكل مولن، يقوم بجولة مماثلة قال فيها بوضوح إنه يسعى لإقناع إسرائيل بلجم رغبتها في التحرك العسكري ضد إيران. وإذ نجحت السياسة الأميركية في جعل المواقف الروسية تقترب من الموقف الأميركي ضد إيران، والداعي إلى ضرورة فرض عقوبات على طهران، فإن واشنطن تأمل في الحصول على دعم صيني لموقفها الداعي إلى فرض عقوبات على طهران.
ورغم أن الزيارة التي قام بها نائب وزيرة الخارجية الأميركي وليم بيرنز إلى لبنان وسورية حملت «عناوين ثنائية»، فإن المسؤولين اللبنانيين الذين التقوا بيرنز قالوا إن محور البحث الأساسي كان «الملف النووي الإيراني»، باعتبار أن لبنان عضو في مجلس الأمن الدولي، وسيكون رئيسا له قريبا. وكشف مصدر لبناني بارز ل«الشرق الأوسط» أن بيرنز «وجه أسئلة واضحة» إلى مسؤولين لبنانيين عن موقف لبنان من العقوبات على إيران في مجلس الأمن، وحضهم على «درس الموضوع جيدا»، فيما لمحت مصادر أخرى إلى أن بيرنز كان واضحا في إعلان التزام بلاده ب«الإصرار على تنفيذ القرارات الدولية وبينها القرار 1559، وعدم نية واشنطن الضغط من أجل توطين الفلسطينيين في لبنان»، مشيرا إلى أن على اللبنانيين تنفيذ ما يتعلق بهم في مقابل التزام الدول الكبرى وفي مقدمها الولايات المتحدة تنفيذ التزاماتها في هذا الإطار.
وتزامنت زيارة كلينتون للمنطقة مع حركة كثيفة في المنطقة، فقد سبقتها وتزامنت معها زيارات لكبار الدبلوماسيين والمسؤولين العسكريين الأميركيين إلى المنطقة، بينهم نائب وزيرة الخارجية جيمس ستاينبرغ، ونائب وزير الخارجية الأميركية للشؤون الاقتصادية والإدارة جاكوب ليو، ووليام بيرنز، بالإضافة إلى مايكل مولن وديفيد بترايوس، وبالتزامن مع الجهد الدبلوماسي، نشرت الولايات المتحدة أنظمة صواريخ دفاعية متقدمة في أربعة بلدان خليجية عربية، وعددا إضافيا من السفن الحربية التي تحمل صواريخ متوسطة في مياه الخليج تحسبا لأي هجوم محتمل قد تشنه إيران. وقالت صحيفة «الغارديان» إن واشنطن سترسل مزيدا من صواريخ باتريوت الدفاعية لأربع دول هي قطر والإمارات العربية المتحدة والبحرين والكويت، كما ستحتفظ بسفينتين حربيتين في الخليج قادرتين على إسقاط الصواريخ الإيرانية، كما ستساعد المملكة العربية السعودية على بناء قوة عسكرية قادرة على حماية منشآتها النفطية. أما «الإندبندنت» فرأت في هذه التحركات تأكيدا على فشل مبادرة أوباما لإعادة وضع العلاقات مع إيران على أساس جديد، حيث «يواجه التهديد الحربي بتهديد حربي مماثل بدلا من الثرثرة غير المجدية». وقالت إن تحول الإدارة الأميركية إلى سياسة الاحتواء العسكري مع تشديد العقوبات كان أمرا حتميا، وإنه ظهر في خطاب حالة الاتحاد للرئيس أوباما وفي تصريحات وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون وقائد القيادة العامة الجنرال ديفيد بترايوس.
وقد وصفت إيران الأنباء عن قرار نشر الولايات المتحدة لمنظومة صواريخ دفاعية في أربع دول خليجية، بأنه «يعد ضربا من الاحتيال السياسي الجديد. ويقول الصحافي البريطاني المتخصص بالشؤون الإيرانية روبرت تيت، نقلا عن «محلل إيراني محنك»، إن ما حدث كان أوضح مؤشر لنظام طهران يبين أن إدارة أوباما قد تخلت عن الأسلوب الدبلوماسي في التعامل مع إيران، وعادت إلى المواجهة التقليدية التي سادت بين البلدين طوال السنوات الثلاثين الماضية. ويشير تيت إلى أن عملية نشر الدرع الصاروخية الأميركية على الضفة الأخرى للخليج يمكن أن تعزز موقف العناصر الراديكالية في الحرس الثوري، والتي تدعو لرد قوي يتجاوز حدود إيران إذا سمحت الدول العربية في الخليج لأميركا بإقامة قواعد عسكرية على أراضيها، مشيرا إلى أن الخط الرسمي في إيران يقوم على الآتي «إذا تعاونت دول الخليج مع أعدائنا ضدنا سنحتفظ عندئذ بحق الدفاع عن أنفسنا حتى لو اقتضى ذلك مهاجمتها».
ويوضح تيت أن حرس إيران الثوري كان قد أجرى دراسة بعد حرب العراق، خرج منها بدرس واحد هو أن الخطأ الأكبر الذي ارتكبه صدام هو محاولته الدفاع عن نفسه داخل حدود العراق. وهذا يعني بالنسبة لهم أن عليهم الآن الدفاع عن أنفسهم، ليس فقط داخل إيران بل وخارج حدودها أيضا إذا ما تعرضوا لأي تهديد، معتبرا أن الوجود الأميركي في الخليج والشرق الأوسط «يوفر فرصة وتهديدا للإيرانيين في آن واحد. فهم يرون في حلفاء الولايات المتحدة وقواعدها أهدافا محتملة من جهة ويعتبرونها أيضا تهديدا من جهة أخرى».
كذلك استأنفت الولايات المتحدة وإسرائيل حوارهما الاستراتيجي خلال لقاء بين مساعد وزيرة الخارجية الأميركية جيمس ستينبرغ ونائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني أيالون في القدس. وهذا اللقاء، وهو الأول على هذا المستوى منذ تسلمت إدارة الرئيس باراك أوباما مهامها، يتناول مسائل استراتيجية بالغة الأهمية. فيما أوضح متحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية أن المحادثات ستتمحور حول الخطر الذي يشكله البرنامج النووي الإيراني. وسيصل نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في مطلع مارس (آذار) المقبل إلى إسرائيل، فيما يعتزم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، كما قال مسؤول حكومي إسرائيلي، القيام بزيارة إلى واشنطن للمشاركة في اجتماع لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (إيباك) أبرز لوبي يهودي أميركي، وقد يلتقي الرئيس أوباما في هذه المناسبة. وكان مستشار الأمن القومي الأميركي جيم جونز قال إن إسرائيل والولايات المتحدة تتشاوران عن كثب بشأن البرنامج النووي الإيراني. ووصف سلوك إسرائيل بأنه «مسؤول».
وقد نشر مركز الإجراءات الوقائية التابع لمجلس العلاقات الخارجية الأميركية دراسة بعنوان «ضربة إسرائيلية محتملة لإيران» للباحث ستيفن سيمون، الذي أشار إلى أن «إسرائيل لن تسمح لأحد بأن يمحوها من الوجود وستتصدى له بكل قوتها». ولقد عبر المسؤولون الإسرائيليون عن خوفهم من دعم إيران للجماعات المسلحة والمعادية لإسرائيل، وأن نجاح إيران في كسب الوقت لامتلاك السلاح النووي وانتقال هذه التقنية لأيدي الجماعات المسلحة سيكون أهم الأسباب لتوجيه ضربة إسرائيلية لإيران.
وفى إطار رصده للمؤشرات التي تنذر باحتمال توجيه ضربة إسرائيلية لإيران، يشير سيمون إلى أن عنصر المفاجأة هو عنصر حيوي إذا ما قررت إسرائيل توجيه ضربة عسكرية لإيران. ويرى كذلك أن التعزيزات العسكرية الإسرائيلية في الفترة الأخيرة هي دليل قوي ومؤشر خطير على تطور موقف الإدارة السياسية في إسرائيل نحو اتخاذ قرار الهجوم، مشيرا إلى أنه في يوليو (تموز) 2008 قامت إسرائيل بتدريبات جوية عسكرية طويلة المدى تضم سربا مكونا من 100 طائرة، وكذلك تدريبات على عمليات الإنقاذ باستخدام طائرات الهليوكوبتر، وأيضا تدريبات على عمليات إعادة التزود بالوقود نظرا لطول المسافة بين إيران وإسرائيل ولضمان سرعة تنفيذ العملية، موضحا أن الاستعدادات الجوية ليست هي وحدها المؤشر، بل المؤشر المفاجئ هنا هو ما أرادت إسرائيل إبرازه للعالم وهو أن لديها خيار الهجوم البحري، وذلك من خلال مرور غواصات بحرية من قناة السويس في يوليو (تموز) 2009.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.