تخطو على جمر اللهف، تنهب الطرق المتشحة برائحة التراب، بوقارها المعتاد وسكونها المنسوج في عمق روحها ترسل طيور بثها إلى قبر مخبوء.. لم تحرك فيها صاعقة الخبر ظاهرا ، فقط ..طرفت عيناها ثم تلفعت شجاها وخرجت من باب دارها المترفة قاصدة باب الدار المخضل بالندى القديم، تصل، يفتحون لها الباب، لتجول عيناها بالوصيد المزروع بوجوه تخبرها بما جشمته جيداً ولكنها لا تود سماعه.. تغمغم: " ذي سمائي تحتشد بنذر مطلولة ، عرفتها جيدا كما عرفت وجهي في مرايا الصبر، ها هي اليوم تزأر برنة الفقد و طعم الألم". تتذوق صابة تستوطنها ، وتكر على روعها مشاهد سالفة / آلمة توقظ اللوعة من سنة شحيحة..يخبرونها أنه هناك، و أنه ينتظرها في الحجرة المؤصدة، يقولون لها إنه يغمر رأسه في خضمات حجر (أخيهما) بعد أن انتهكته أوجاع الأربعين يوما الأخيرة بسمومها التي سرت في ملكوت ثمالته ، فاصفرت حناياه ، تذرف سفير بساتينه المتوارية خلف تخوم الرحيل..تود أن تمسح الرؤوس الصغيرة التي توشك أن تنضد قصيدة اليتم، كلها / كلهم هناك، يترقبون ماء البشرى بعطش صحراء جديبة ، وحدها ( الأفعى ) اختبأت في الجحور العمياء مثقلة بعار أبدي يشاطرها أيامها. ازدردت الألم ، تدق أوتاد تصبارها في فيح الروح، تنسل باتجاه الحجرة وباب آخر يصفعها ..تطرقه، موقنة أنه خلفه ، يسخو بالذماء ، تنداح في أذنيها حشرجة ضور ، تلمح إذنا بالدخول ، تشرع الباب ، تراهما معاً، هو بوجهه المكدود وجبينه الذي يرفض مسكا ، و الآخر بأهدابه التي تشبث بها دمع طازج..تكتظ بآهاتها ..هل ستغدق الأقدار عليها بلحظة مماثلة غدا؟! هل ستعاود ارتشاف لذة وجودهما معا ؟! أم أن سهام البين سترشق أخوتهم و تتركهم في عراء الشتات؟ تهتن غيومها : " أخي.." يجيبها بنظراته التي تقطر سلاماً ، مرتحل يوشك أن يلثم برى الديار ترى ( طشتا ) تمور في أثباجه نوافير من دم ، تهب رياح معولة، تصطفق كل أبواب حياتها ، تشتعل ، تهشم ، ثم تمطر ب وكاف الندى.