ليل ساكن غطى أسقف البيوت، والنور غطس تحت خطى الأقدام ،الحذاء البيض انكسر كعبه ،والطين لطخ بياضه،الطريق العامة قريبة من هنا ،لكن الرؤية صعبة ويصعب الاهتداء إليها من دون أن تمر سيارة لنرى ضوءها . يد كبيرة خشنة فركت ذراعي، يداي في جيبي معطفي اختبأتا من شدة البرد وسردت البحيرات والبرك الصغيرة بالقرب من هنا أقاصيص وأساطير قديمة،فنام النسيم على سطحها .تعثرت قدمي بصخرة كبيرة ووقعت على الأرض،وتمزق ثوبي وعاقني عن الحركة، فشده لي وهتك الجزء المعيق، مسح دمعة ألم الجروح من خدي ،ورغم أن أصابعه خشنة،لكنها رشفت الدموع مشفقة أكثر من أي حرير تكذب نعومته،حملني بين ذراعيه بعد أن أعطاني قطعة شوكولاتة كانت في جيب معطفه من الحفلة التي كنا فيها ،سألته هل البيت قريب أم لا يزال بعيدا ؟فقال (خمسة) أخرى وتأتي سيارة وتأخذنا. _وماذا عن نجلاء.فقال : فتاتك الصغيرة ستبقى في السيارة بجانب الطريق ولن يحدث لها شيء وبعد أن نقضي الليلة في البيت سوف نذهب ونأخذ السيارة لإصلاحها وتأخذين نجلاء..حسنا؟ فأجيبه : حسناً. وأخيراً جاءت سيارة ووصلنا إلى البيت، وضعني على السرير ومن شدة التعب نمت بسرعة من دون أن يسمح لي النعاس بأن أستعيد ما حدث لي في ذلك اليوم الشاق، وفي الصباح قال لي: _صباح الخير يا حلوة..لقد نمت البارحة وأنا نظّفت لكِ جرحك وضمدته والآن هيا بنا نصلح السيارة وتأخذين على كتفك نجلاء ، فلابد أنها تريد شرب الحليب الآن.وأنت كذلك يجب أن تشربي الحليب،وسيارة الماما تذهب بك بعد ذلك إلى المدرسة.فقلت متمردة: _أولا أريد نجلاء . _حسناًً..اذهبي لغسل وجهك ودعي ماما تسرح لكِ شعرك.ففعلت،وقبل أن أذهب بالسيارة مع والدتي ودميتي نجلاء قبلت أبي قبلة كبيرة وهمست في أذنه أحبكَ يا أجمل أبٍ في الدنيا.فابتسم ابتسامة رشيقة خفية ، وظللت ألوح له من زجاج السيارة الخلفي، ولا أنسى كيف حنا ظهره ليستقبل قبلتي، وظلّ يلوّح لي بوداعة..حتى غاب كلانا في الآفاق المتقابلة.