نهاية الحوثيين : 4 محافظات تُعلن تمردها بكمائن قبلية ومواجهات طاحنة !    إطلاق سراح عشرات الصيادين اليمنيين كانوا معتقلين في إريتريا    "علي خلاف": يمني من حيس يكتب بدمائه قصة تضحية في العراق ويشيع جثمانه في مسقط رأسه    2. "محمد صادق السناوي: بطل من تعز يُسقط 20 حوثياً ويستشهد في معركة شجاعة!"    الحوثيون يغرقون في وحل الانتهاكات: 1941 شكوى خلال 3 أشهر وصنعاء تتصدر القائمة!    بعد فوزها على مقاتلة مصرية .. السعودية هتان السيف تدخل تاريخ رياضة الفنون القتالية المختلطة    بلباو يخطف تعادلًا قاتلًا من اوساسونا    كوابيس أخته الصغيرة كشفت جريمته بالضالع ...رجل يعدم إبنه فوق قبر والدته بعد قيام الأخير بقتلها (صورة)    أطفال غزة يتساءلون: ألا نستحق العيش بسلام؟    شاهد:ناشئ يمني يصبح نجمًا على وسائل التواصل الاجتماعي بفضل صداقته مع عائلة رونالدو    ياسين بونو يحرج مذيع ssc بعد تتويج الهلال .. فيديو    الاحتجاجات تتواصل في الحديدة: سائقي النقل الثقيل يواجهون احتكار الحوثيين وفسادهم    مصر تحمل إسرائيل مسؤولية تدهور الأوضاع في غزة وتلوح بإلغاء اتفاقية السلام    المحرّمي يشيد بدور الأجهزة الأمنية في تعزيز الأمن والاستقرار في الصبيحة والحد    احتكار وعبث حوثي بعمليات النقل البري في اليمن    بالفيديو...باحث : حليب الإبل يوجد به إنسولين ولا يرفع السكر ويغني عن الأطعمة الأخرى لمدة شهرين!    المبيدات في اليمن.. سموم تفتك بالبشر والكائنات وتدمر البيئة مميز    السلطة المحلية بمارب: جميع الطرقات من جانبنا مفتوحة    هل استخدام الجوال يُضعف النظر؟.. استشاري سعودي يجيب    سلطة صنعاء ترد بالصمت على طلب النائب حاشد بالسفر لغرض العلاج    توقعات بارتفاع اسعار البن بنسبة 25٪ في الاسواق العالمية    مقتل شاب برصاص عصابة مسلحة شمالي تعز    اختتام دورة مدربي لعبة الجودو للمستوى الاول بعدن    بالصور: مانشستر سيتي ينقض على صدارة البريميرليج من بوابة فولهام    قل المهرة والفراغ يدفع السفراء الغربيون للقاءات مع اليمنيين    اليمن يرحب باعتماد الجمعية العامة قرارا يدعم عضوية فلسطين بالأمم المتحدة مميز    القيادة المركزية الأمريكية تناقش مع السعودية هجمات الحوثيين على الملاحة الدولية مميز    في لعبة كرة اليد نصر الحمراء بطل اندية الدرجة الثالثة    أمين عام الإصلاح يعزي رئيس مؤسسة الصحوة للصحافة في وفاة والده    مثقفون يطالبون سلطتي صنعاء وعدن بتحمل مسؤوليتها تجاه الشاعر الجند    تأملات مدهشة ولفتات عجيبة من قصص سورة الكهف (1)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    مقتل وإصابة 5 حوثيين في كمين محكم شمال شرقي اليمن    الحوثيون يطيحون بعدد من كوادر جامعة الضالع بعد مطالبتهم بصرف المرتبات    قوات دفاع شبوة تضبط مُرّوج لمادة الشبو المخدر في إحدى النقاط مدخل مدينة عتق    د. صدام: المجلس الانتقالي ساهم في تعزيز مكانة الجنوب على الساحة الدولية    سياسي جنوبي: أنهم ضد الاستقلال وليس ضد الانتقالي    تعرف على نقاط القوة لدى مليشيا الحوثي أمام الشرعية ولمن تميل الكفة الآن؟    هل الموت في شهر ذي القعدة من حسن الخاتمة؟.. أسراره وفضله    البدر يلتقي الأمير فيصل بن الحسين وشقيق سلطان بروناي    25 ألف ريال ثمن حياة: مأساة المنصورة في عدن تهز المجتمع!    وثيقة" مجلس القضاء الاعلى يرفع الحصانة عن القاضي قطران بعد 40 يوما من اعتقاله.. فإلى ماذا استند معتقليه..؟    اكلة يمنية تحقق ربح 18 ألف ريال سعودي في اليوم الواحد    وفاة وإصابة أكثر من 70 مواطنا جراء الحوادث خلال الأسبوع الأول من مايو    الذهب يتجه لتحقيق أفضل أداء أسبوعي منذ 5 أبريل    في رثاء الشيخ عبدالمجيد بن عزيز الزنداني    بسمة ربانية تغادرنا    بسبب والده.. محمد عادل إمام يوجه رسالة للسعودية    عندما يغدر الملوك    قارورة البيرة اولاً    رئيس انتقالي شبوة: المحطة الشمسية الإماراتية بشبوة مشروع استراتيجي سيرى النور قريبا    ولد عام 1949    بلد لا تشير إليه البواصل مميز    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل بوزارة الخارجية وشؤون المغتربين    الدين العالمي يسجل مستوى تاريخيا عند 315 تريليون دولار    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    وزير المياه والبيئة يبحث مع اليونيسف دعم مشاريع المياه والصرف الصحي مميز    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لونُ المطر
نشر في الجمهورية يوم 28 - 03 - 2010

في الشارع المقفر رحتُ أعدو. أسابق الغيوم الدكناء في السماء ولا أصل مثلها إلى مكان .
عندما هدأ المطر، وجدتُ ركبتيّ في الوحل والحصى. ظهرت عيناك الباسمتان بتعالٍ في بقعة الماء المتجمّعة تحتي.
رحت أبعثر معالمها بكفيّ وأصابعي، ولكنها لم تختف. دخلت إلى لحمي مع لسعات البرد.
غرورك هو الذي جعلك، منذ سنوات، تأخذني من يدي وتركض بي تحت المطر، بينما عاد رفقاؤنا كلّ إلى بيته.
لا أذكر سوى الشارع الخاوي من البشر، النظيف، والسيارات التي بدت جديدة. وحدها المصابيح كانت حزينةً، مثلي.. كيف تبعتك لتريني لون المطر وصدّقت أن للمطر لوناً؟
أمسكتَ يديّ ورفعتهما إلى شفتيك ولحست الماء الذي فوقهما، ثم قلت وتلك الابتسامة في عينيك: “جلدك هو لون المطر ...ومذاقه. ستذكرينني حين تمطر. ستظلّ حياتك مبلّلة بي، لن تجفّ روحك مني”.
عندما انتهى حفل الوداع، كان هناك من ينتظرني. من كنت أنا بيته. كان رائد في أول الشارع. عرفته من رجفة نور المصباح في عينيه، ومن معطفه الممدود إليّ، ليدثّرني.
معطف رائد كان المشهد الأخير في جميع احتفالاتي. يحاول أن يجفّفني ويدفّئني، ولكني لم أشعر يوماً بدفئه، ولم أنتبه للجسد العنيد يكظم ألم البرد وألماً آخر.
عندما يرخي معطفه فوق جسدي، ويسير معي إلى البيت، لا أكون معه. أروح أتساءل كيف أنّي لم أمنحك ذكرى كذكراك. وأندم لأنّي لم آخذك إلى البحر وأمسح جلدك بالرمال الرطبة أو أبلّل شفتيك ببعض الطحالب. لماذا لم أكن في مثل مكرك؟ لماذا لم يكن رائد في مثل قسوتك؟ وقبِل شرطي الوحيد للارتباط به، وهو ألا يمنعني من طقوسي الشتويّة.
كنت أجده دائماً في أوّل الطريق.. بين يديه معطفه الحزين، وفي عينيه تلك الارتعاشة التي صارت ترافقها انكسارة لا شفاء منها.. في البيت، كانت تنتظرني حنين. أنا اخترت لها هذا الاسم. فطوال فترة نمّوها في رحمي كنت في حالة حنين إلى الركض تحت المطر. بعد الوضع، لم أجد سوى المطر مطهّراً للجرح الذي خلّفته بانسلاخها عني.
لم يعترض رائد على الإسم، ولكنّه أمِل في سرّه أن تشفيني حنين من شغفي.
جميع آماله خابت اليوم. عندما لحقتني أخذتها بين ذراعيّ وركضت بها. بعودتنا كان قد اتّخذ قراره الذي كنت أراه في عينيه في الفترة الأخيرة، وكنت أقرأه على جدران بيتنا الصغير الدافئ وفوق سجاده الأنيق، وفي المرايا الكثيرة التي بالغ رائد في اقتنائها لسبب يعلمه هو وحده.
الآن فقط أراه، وأنتبه كم صار نحيلاً.
كنت أتعامى عن الغيرة التي تفترسه.
الآن أراه، عند هبوب رياح الخريف، يتلظّى من استعداداتي للمطر، ومن نفاد صبري ولهفتي.
يجلس في زاوية مظلمة ويراقب تنقّلي من نافذة إلى أخرى. كان معطف حنين بين يديه هذه المرة. أخذها ولم يلتفت إليّ. سمح لي بالسهر على شفائها، وعندما شفيت طردني من حياته وحياتها.
وأنا الآن أترنّح وحيدةً تحت المطر. ما من معطف ينتظرني. ما من عينين تهتفان لي، أو تدمعان عليّ. كلّ ما أملكه هو صدى كلماتك وصقيعها. عندما توقّف المطر وخرج الناس إلى الشارع، لم أعد أرى إلا جسد حنين الهشّ المنتفض في السرير الأبيض وشفتيها الهاذيتين.
ربّما تحدّيت نفسي إذ قبلت شروط رائد للعودة إلى البيت وإلى حنين.. لم أكترث كثيراً بتفسير سرّ مسامحته لي، برغم كلّ العذاب الذي سبّبته له .
في الأيام التالية، صار هو من ينتظر المطر.
استرخينا في مقعدينا قبالة التلفاز.
انحنت حنين فوق السجّادة تلوّن رسوماً في دفترها.
ارتجف قلبي لسماعه نقرات على النافذة، وتأهّبت حواسّي للفرار.
أخذ رائد سحبة طويلة من تبغ سيجارته، وتقلّصت عضلات خدّه حتى كادت عيناه تختفيان.
فكّرت في الخروج والعودة سريعاً لطلب السماح.
كدت أقف لولا اليد الصغيرة التي شدّتني من رجلي، واللسان المتلعثم الذي سألني: “ماما بشو بلوّن نقط الشتا؟”.
ماذا أقول لعينيها البريئتين عن لون المطر؟ أي قلم من أقلامها الخشبية ينفع جواباً.
“الشتا ما إلو لون”، قلت لها، وأنا أشعر بحواسّ رائد المتيقّظة.
زادت حيرتها وهي تنظر إلى الرسمة في دفترها، فتابعتُ: “اقلبي الصفحة ولوّني هذه الزرافة الجميلة”.
أمسكتُ يدها.
قلبنا الصفحة معاً.
تركنا المطر من دون لون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.