عندما يخوض الفنان تجاربه الشخصية والإبداعية المختلفة ويدخل نفسه في مغامرة التجريب يتخطى الكثير من الأمور في ملابسات الواقع اليومي والإنساني ساعتها تكون الدهشة في الانتقالات من حيثيات العمل المدروس فنياً من جميع النواحي إلى صيغ العمل التلقائي ، أن التركيز المعرفي يقود الفنان إلى انتهاج أسلوب في كل مرحلة بعيداً عن الثوابت التي يعتقد البعض توفرها في الإبداع الفني هذا ما تقودنا إليه تجربة الفنانة التونسية( آمال بن حسين) وهي تصوغ في محترفها الفني بالضاحية التونسية) (سيدي بو سعيد) اطر تجربتها التعبيرية (بمراحل مختلفة) فقد تجسد لدى الفنانة الحس القصصي (الروي) والحكايات اليومية المجتزئة والتي لم تكتمل، فهي تدخل بحذر هدفاً يحمل أبعاداً رمزية عبر ثنائية الجسد الإنساني كبعد واقعي يمتد إلى الخيال بألف رابط . فادخلت البعد الخيالي ووظفته من أجل إيصال الهدف الاتساقي والمعرفي للفكرة عبر دلالات شفرات معرفية تتكئ على عناصر الاستجلاب الشكلي للجسد كثيم وصفية وتعبيرية وتوظيف الميول العاطفية للإنسان الباحث عن إنسانيته، فتتواصل ببحثها الدائم عن إيقاع داخلي متنوع المظاهر فهي تطبع أشكالها على خلفية شفافة لاتخلو من السواد ءلتأكيد الهدف الإنساني في التشخيص، وتحاول أن تطور هذه التجربة ببعدها الديناميكي والحركي، من اجل خلق تكوين مدروس يخاطب الحسي والجمالي الصرف في عين المتلقي ، فقد امتزجت الأجساد بصيغ خطوط تعبيرية يتوازن فيها التعبير مع التجريد وهذا ما سيقود الفنانة إلى التجريب الإبداعي اليومي لخلق أسلوبيه مميزه تميز روح العمل الإبداعي في إنتاجها . تتعامل (آمال بن حسين مع اللوحة بحالات من الصدق الفني المبدع، وهي تخلق الأشكال غير المألوفة ، وتوظفها بشكل مدروس في دائرة التجريب والبحث الذي يقود الفنانة إلى تجارب جديدة وتقنيات متعددة تتسم كلها بالمغامرة الخلاقة . بالرغم من عدم تتشبثها المطلق بأسلوب واحد إنما تنفتح على أفق الاسترسال في البحث عن لحظة الإبداع . هذا ما يعطي للتنوع المدروس في أعمالها بعدا ايجابياً يغني تجربتها، فالفن عندها لا يحده حدود ولا يؤطره أسلوب ، بل تظل بصمة الفنان الانية هي المعول عليها في إيجاد الإبداع عبر تعدد الأساليب والتقنيات . إن تقنية الخطوط الفاصلة بين اللون والثيم الجسدية بخطوطها الطولية والتوازن الأفقي تخرج اللوحة من بعثرة الأشكال في الفراغ وتحددها وفق نسق عملي تستند إليه الفنانة في اغلب أعمالها . فهي حين تخوض تجربة التجريد التي يشكل اللون والخطوط أساسا لها تحاول أن تجرد ما يمكن تجريده في ظل مساحات الفراغ والتفاصيل التجسيمية وقدرة الألوان على إعطاء إيقاع تعبيري معين فهي لا يحكمها قانون ثابت في التكوين بين الأسفل والأعلى ومن الجوانب إلى والوسط في تكوين الأشكال الإنسانية بل تحكمها القيمة التعبيرية . إن الخبرة والمراس اليومي أعطت الفنانة هذا القدرة في خلق الفضاء الحر في تقنية التجريب دون الاستقرار على شكل استهلاكي . فمحور العمل عند الفنانة (آمال بن حسين) يرتكز على التناول الحر للعمل الفني وتكيفه لونيا وإيقاعياً ، كي تصل به إلى انساق معبرة وسيطرة واضحة على تجسيد لحظة الإبداع الواعي . إذ يمكننا أن نقول إن الفنانة بجهدها المثابر استطاعت أن تكون فنانة تجريدية بامتياز. فمعرفتها بأسرار التجريد ووعيها كباحثة في مجال الفنون البصرية أهلها لأن تنحو بتدرج معرفي واضح نحو التمكن والخوض في تجارب إبداعية خاصة لها ميزة التفرد. إن اللوحة التجريدية تحتاج إلى خبرة ووعي وعين مدرب على إيجاد الجمال واقتناصه وليس مجرد (شخبطات) كما يحلو للبعض أن يفعل . إن أعمال الفنانة تعتمد على فكرة هدم الشكل باللون وإجراء معالجات جديدة عليه وإعادة بنائه وتشكيله بخطوط واضحة المعالم ، وما طغيان اللون الأسود وضبابية تداخل اللون الأحمر والأصفر إلا محاولة لإبراز وتجسيد ذلك الاستلاب الإنساني الذي تحاول أن تعبر عنه. فالفنانة (آمال بن حسين) تمثل اتجاها في المحترف التشكيلي التونسي والعربي النسوي تبلور خلال السنوات الأخيرة الماضية يحاول أن يحمل لواء الجرأة في تقديم منجز بصري حداثوي يضاهي ما تنجزه محترفات الفنون العالمية ، واعتقد إن مثل هذه التجارب تتطور وتستثمر إن وجدت الفضاء المفتوح لإيصال تلك الرؤى والتجارب والأفكار الثرية بإنسانيتها إلى قاعات العرض وعين المتلقي الواعي . لقد صنعت الفنانة لنفسها فضاء مفتوحا لتطوير التجربة التجريدية سواء من الناحية الشكلية أو التقنية، فالتجديد التقني يلازم اللوحة التجريدية التي تعتمد بشكل أساس على التكنيك والقدرة على استعمال المواد وتكييفها با نساق معرفية في اختيار المواد(موضع التجريب) إلى جانب اختيار المقاسات المناسبة فالأحجام الكبيرة مثلا تلعب دورا في عملية التلقي وتحاول أن تعطي انطباعاً تأثيرياً أكثر في تجسيد فكرة العمل للتعبير عن هموم الإنسان عبر غنائية لونية مثيرة للحواس.