أظهرت المشاريع المعلنة من قبل أحزاب اللقاء المشترك (المعارض في اليمن) وحلفائهم من الساعين إلى الانقلاب على الشرعية الدستورية لشكل دولة ما بعد الانقلاب قصورا وتنافرا واضحا بين مكونات هذه القوى كشف الفوضى التي تدير بها آليات عملها الآنية والمستقبلية. دولة ما بعد الانقلاب أو ما يسمونها الفترة الانتقالية بدت مسخا مشوها لمن تابع الرؤى المعلنة للانقلابيين الذين اتفقوا فقط على الفوضى والتخريب والانقلاب على الشرعية الدستورية ليختلفوا بعد ذلك حتى على اسم الدولة كما طرح عدد من متطرفيهم ذوي الصبغة الدينية المتشددة. الشباب لديهم رؤية لتكوينات الدولة ومسميات هيئاتها والمشترك لديه رؤية معلنة سابقا وحميد الأحمر لديه رؤية وشقيقه حسين هو الآخر لديه مقترح وإلى جانبهم الزنداني وعلي محسن وآخرون لديهم رؤى متشعبة لدولة لن تحتمل اختلافهم حتى على مسميات هيئاتها ورؤاهم التي فصلها كل واحد منهم على مقاسه وذوقه. الشباب وهم المغدور بهم والمنهوبة ثورتهم من قبل شيوخ القبيلة ورجال والدين والمنشقين من العسكر ، وجميعهم لم يتفقوا على رؤية واحدة حيث أن كثرة تكويناتهم داخل الساحات التي تجاوزت 200 تكوين شبابي أفشلت اتفاقهم على رؤية موحدة حيال ما يريدون الآن. ما يسمى ائتلاف ثورة الشباب والطلاب اقترح تشكيل مجلس رئاسي مؤقت مكون من خمسة أو سبعة أعضاء مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والخبرة ويمثلون كافة القوى الوطنية ويتولى المجلس الرئاسي تكليف شخصية وطنية متوافق عليها لتشكيل حكومة كفاءات خلال مدة لا تزيد على أسبوعين. إضافة إلى ذلك يقترح الشباب تشكيل مجلس وطني انتقالي يمثل فيه الشباب والقوى السياسية والوطنية يتولى تشكيل لجنة عليا للانتخابات والاستفتاء يصدر بها قرار من المجلس الرئاسي المؤقت تتولى إدارة عملية الاستفتاء الدستوري وإجراء الانتخابات النيابية. لكن حميد الأحمر القيادي الإصلاحي المعارض له رؤية أخرى تتمثل في تشكيل مجلس عسكري وليس انتقاليا كما يرى الشباب. وفي حين يرى الشباب أن يقوم المجلس الرئاسي بتكليف شخصية وطنية مستقلة متوافق عليها لتشكيل حكومة كفاءات خلال مدة لا تزيد على أسبوعين، يرى حميد الأحمر أن يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية من قبل المعارضة وبرئاستها. ويشترط الأحمر أن تتولى حكومة المعارضة إجراء الاستفتاء على الدستور والانتخابات البرلمانية، وأيضا الانتخابات الرئاسية المقبلة، بينما اقترح الشباب أن يشكل المجلس الانتقالي لجنة عليا للانتخابات والاستفتاء يصدر بها قرار من المجلس الرئاسي المؤقت تتولى إدارة عملية الاستفتاء الدستوري وإجراء الانتخابات النيابية. الشباب في رؤيتهم يقترحون تشكيل لجنة خبراء تقوم بصياغة ما يتوصل إليه المتحاورون في المجلس الوطني من مقترحات على شكل نصوص دستورية بعد تعطيل العمل بالدستور الحالي ويرى الأحمر أن الدستور الحالي يحتاج إلى بعض التعديلات والتحديثات فقط. أحزاب المعارضة في رؤيتها المعلنة مسبقا تحدثت عن مجلس انتقالي ومجلس عسكري وحكومة برئاستها ولجنة للانتخابات ، وكل طرف مستقل عن الآخر ولا يرتبط بغيره وهي رؤية توزع الدولة على شخصيات قبلية في المجلس الانتقالي وعسكرية في المجلس العسكري وسياسية في الحكومة الوطنية في تشتيت واضح للمهام والمسئوليات. هذه المقترحات المعلنة من الأطراف الأربعة وهي القبلية بزعامة حميد الأحمر والعسكرية بزعامة علي محسن الأحمر والشبابية بزعامة الشباب والحزبية بزعامة قادة الأحزاب السياسية في الإصلاح والاشتراكي والناصري الوحدوي يضاف إليها الطرف الخامس وهو الديني المتطرف الذي تجاوز الجميع ليتحدث عن نوع النظام الذي يجب أن يقام بعد إسقاط النظام الجمهوري وهو نظام (الخلافة). نجل الشيخ عبد المجيد الزنداني وهو الممثل للطرف الخامس الديني الذي تتزعمه جامعة الإيمان بما تضمه من قيادات دينية متطرفة اقترح دولة مدنية إسلامية ديمقراطية تحكمها الشريعة وكأن المدنية غير إسلامية وغير ديمقراطية ولا تحكمها الشريعة. رئيس قسم الفقه في كلية الشريعة بجامعة الإيمان محمد عبدالمجيد الزنداني رفض مقترح الشباب والأحزاب بقيام دولة مدنية ديمقراطية ومقترح الأحزاب أيضاً لان الدولة المدنية تتساوى مع دولة الكيان الصهيوني مثلا (دولة مدنية يهودية) وفي اغلب دول أوروبا تقيد مدنيتها بالليبرالية (العلمانية) (دول مدنية علمانية لا دينية). الزنداني الابن قال في رؤيته المنشورة مؤخرا في وسائل الإعلام أن بعض العلماء المشاركين في الثورة يعتبرون مصطلح الدولة المدنية الحديثة المطالب بها من قبل البعض - ويقصد الشباب - مبهم وغير واضح وليس فيه تحديد لنوع وشكل هذه المدنية ومحال أن تكون يهودية أو لا دينية (علمانية) كون المجتمع اليمني مجتمعا مسلما محافظا، وأضاف انه لأجل هذا الإبهام والإيهام المنشئ للخلاف بين المعتصمين ارتأى العلماء أن يكون شكل الدولة المطالب به عبر مصطلح جامع مانع يسقط هذا الإبهام ويبعد منه الإيهام ويرفع عنه الخلاف وهو (دولة مدنية إسلامية ديمقراطية تحكمها الشريعة) فهو جامع لكل الأهداف المنشودة من هذه الثورة مانع من دخول غيرها عليها. قوى الحراك وقيادات جنوبية معارضة في مقدمتها الاستاذ سالم صالح محمد كان لها ايضا رؤية تمثلت في مجلس وطني (عسكري + قبلي + مدني) من الشمال والجنوب بالتساوي متجاوزة الجميع بضم كل الأطراف في إطار واحد لا يمكن أن يجتمعوا فيه. رؤية قيادات الجنوب اقترحت أن يقوم المجلس بتعيين مجلس وزراء مؤقت لتسيير الأعمال لفترة ستة أشهر إلى جانب وضع الإجراءات والخطوات اللازمة لعقد مؤتمر مصالحة وطنية في الجنوب، ومؤتمر مصالحة وطنية في الشمال بين كل القوى السياسية لتحقيق التسامح والتصالح ووضع حد للثأر السياسي القائم منذ عام 1962 في الشمال ومنذ عام 1967 في الجنوب. وينشأ بنتيجة كل مؤتمر مصالحة مجلس وطني في الشمال، ومجلس وطني في الجنوب لوضع الأسس واللوائح الدستورية المنظمة للنظام السياسي ولنظام الحكم في كل من الجنوب والشمال لتنتهي بذلك الوحدة، حيث يتم الحديث عن نظامي حكم في الشمال والجنوب على أساس جغرافي وليس إداري كما يطرح الآخرون. الرؤية نزعت أيضا الغطاء الوطني لتجلب وصاية دولية على البلد من خلال الدعوة إلى أن تتم كل الخطوات برعاية مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية والأمم المتحدة. الحوثيون كان لهم أيضا رأي ومقترح آخر لشكل الدولة ومهامها يرتكز على اختزال المجلس الرئاسي والانتقالي والعسكري في مجلس واحد يسمى (مجلس انتقالي أعلى) يمثل كل القوى الوطنية ( بما في ذلك الشباب والجيش). المجلس حسب الحوثيين يتسلم مهام الرئيس ليشرف على حكومة وحدة وطنية لمرحلة انتقالية يتم فيها تشكيل لجنة انتخابات جديدة وصياغة دستور جديد وقانون انتخابي جديد يقدم للاستفتاء الشعبي مع الدستور ويعقب ذلك انتخابات حرة ونزيهة. والحوثيون هنا يختلفون عن الأحمر والمعارضة ويتفقون مع الشباب بطلبهم وضع دستور جديد ويختلفون مع الجميع بمن فيهم الشباب في المجلس الانتقالي الذي يحتكر كل الصلاحيات بما فيها صلاحيات الحكومة. وطرح الحوثيون عددا من المطالب في رؤيتهم منها ملاحقة كل من تسبب أو حرض في قتل أو إصابة المشاركين في حروب صعدة وتقديمهم للمحاكمة العادلة أمام قضاء حر ونزيه وتعويض اسر الشهداء والجرحى وتكريمهم تكريما لائقا وهم هنا يقصدون علي محسن الأحمر الذي يتهمونه بقتل الكثير من مسلحيهم في حروب صعدة مع الإشارة هنا إلى أنهم ينزعون عن أنفسهم أي مسئولية في هذه الحروب ويبرئون أنفسهم من قتل الكثير من أفراد الأمن والجيش والمواطنين في صعدة وعمران والجوف حتى صنعاء. كما أنهم لم يغفلوا المطالبة بحصر كافة حالات الاستيلاء على العقارات والأراضي ورفعها إلى المجلس الوطني والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والنائب العام وهم هنا يعنون حميد الأحمر الذي كشف تقرير للبرلمان الذي يعمل شقيقه نائبا لرئيسه عن نهبه مساحات كبيرة في الحديدة تزيد على 20 ألف فدان وبتسهيلات من علي محسن الأحمر. الأحمر الصغير حميد ينتمي إلى الإصلاح كحزب والى المشترك كتكتل لكنه يطرح مقترحا شخصيا به، كما قال في آخر مقابلة له نشرتها صحيفة (عكاظ) والزنداني ينتمي للإصلاح لكنه ومن جامعته الخاصة (الإيمان) يقترح دولة بمزاج طالباني وعلي محسن يريد دولة يديرها مجلس عسكري برئاسته والأحزاب بما فيها قادة الإصلاح يسعون إلى استباق الزنداني والأحمر وعلي محسن إلى إدارة الدولة بطرح مقترح حكومة برئاسة المعارضة بصلاحيات مفتوحة في حين يظل الشباب في أخر السرب ينتظرون ثورة جديدة تعيد إليهم ثورتهم المنهوبة. ووسط هذا المشهد يغيب طرف مهم ولاعب فاعل في الشارع السياسي وهو المؤتمر الشعبي العام الذي يبدو أن الجميع اتفقوا على إقصائه من الخارطة السياسية رغم كونه صاحب الأغلبية الشعبية والبرلمانية وهو إعلان بقدوم دولة شمولية تقوم على الإقصاء والتسلط وهو ما حذر منه قيادي وبرلماني إصلاحي بارز مؤخرا. حيث يقول زيد الشامي نائب رئيس كتلة الإصلاح في مجلس النواب منبها إلى خطورة أطروحات رفاقه أن الحزب الحاكم من حقه أن يبقى حزبا سياسيا ليصبح حزبا مثل غيره، وكذلك الحال بالنسبة لقياداته وهي كفاءات يجب أن يستفاد منهم في بناء اليمن الجديد. الشامي حذر من الأخطاء والعودة إلى نقطة الصفر داعيا إلى عدم السماح لأي بذرة للطغيان أن تنبت، فالاستبداد يبدأ يسيرا ثم يتسع ويكبر ولا تتم إزاحته إلا بتضحيات جسام، وكل من سيتولى مركزا تنظيميا أو إداريا أو سياسيا يجب أن يخضع للمساءلة والمحاسبة . إذاً فاليمنيون ينتظرهم الكثير من الوقت ليتفق من يحلمون بان يكونوا قادتهم الجدد على اسم وشكل ومهام الدولة الجديدة التي يبشر الانقلابيون ببزوغ فجرها من رحم الفوضى والتخريب والانقلاب على الشرعية الدستورية. هذا الخليط من الرؤى والاختلافات التي تطفح على السطح اليوم تظهر فوضى كارثية ستدار بها البلد في حال نجح الانقلابيون في مخططهم الخبيث، حيث أن الاختلافات ليست هينة بل تتجاوز شكل الدولة ومهام مؤسساتها واسمها لتصل إلى مقترح طالباني شبيه بدولة طالبان أفغانستان.