كان و لا يزال العمل الإبداعي لغزاً لدى العديد من المفكرين فقد فسره العرب القدامى بأنه من شياطين وادي عبقر وفسره فلاسفة اليونان القدماء بأنه نعمة من الآلهة، وأطلق المؤرخ البريطاني آرثر كيسلر على المبدعين اسم السادين نياما وقد تصادف أحلامهم في معظم الأحيان الواقع. وقال التربوي الأمريكي المشهور جون ديوي عن النتاج الإبداعي انه يأتي كسحر مفاجئ فالفكرة الجميلة كالمرأة الجميلة تأتي حين تريد هي لا حين نريد نحن!. وخلال السنوات الأخيرة وضع الإبداع تحت مجهر العلم وقد أصبحت الظاهرة الإبداعية علماً له قواعد ثابتة قابلة للتطور للتطور كما أصبح من الممكن نقل الإبداع بالتربية والتعليم بدلاً من انتظار المصادفة أو جينات الوراثة. وينظر علم النفس إلى الإبداع بصفته شكلاً من أشكال النشاط العقلي المركب الذي يتجه الشخص بمقتضاه إلى أشكال جديدة من التفكير أو الفن فالقدرة الإبداعية هي القدرة على التفكير في نسق مفتوح وإعادة تشكيل عناصر الخبرة الذاتية في أشكال جديدة فنية أو أدبية أو علمية إلى نوع من القدرات الفرعية منها سيولة الفكر وخصوبته وطلاقته والمرونة والقدرة على تغيير المواقف والوعي بالأخطاء واوجة القصور في الحلول التقليدية والقدرة على إنتاج نوعية جديدة من التفكير تمتاز بالأصالة والجودة والقدرة على خلق نظام جديد من العلاقات بين الأشياء مهما بدت متعارضة أو متناقضة . وينقسم الإبداع إلى قسمين " فني " و " علمي " ويكون النتاج الفني تعبيراً عن الحالات الداخلية للمبدع مثل الحاجات والادراكات والتقويمات وأمثلة هذا النوع من الإبداع نجدها لدى الرسامين والنحاتين والتعبيريين والشعراء وكتاب القصة ومؤلفي الدراما أما الإبداع العلمي فلا يكون نتاجه مرتبطاً بالمبدع بل يكون وسيطاً بين الأهداف والحاجات المحددة خارجياً وأمثلة هذا النوع توجد في الفيزياء والهندسة والصناعة والميكانيكا .. الخ. ويضيف بعض علماء النفس نوعاً ثالثاً: وهو الإبداع ذو الطبيعة المتوسطة بين التعبير عن المشكلات الخارجية ويوجد لدى رسامي المناظر الطبيعية ورسامي الوجوه والأشخاص ولدى المهندسين المعماريين وبالذات هم علماء وفنانون في الوقت ذاته. ان القصائد العديدة التي نقرؤها للشاعر اليمني الكبير عبدالله البردوني تستحق أن توصف بأنها عمل إبداعي تميز بالجدية والأصالة ومقاييس الإبداع، له عشرات القصائد السياسية والعاطفية والمأساوية التي كتبها من التنوع الذي صاغ به الصور الإبداعية من قصائده العذبة، والمواضيع الجديدة التي تحملها كل قصيدة من قصائده، فأي ديوان للشاعر عبدالله البردوني تبدو فيه محاولة للتحرر السابق فو لا يكرر فكرة ولا يستخدم صوراً فنية جامدة ومكررة والمأساة في قصائده يختلف مضمونها وتختلف معالجتها عن غيره من الكتاب فهو في قصائده يتحدث دائماً عن المعاناة الشعبية ومواقفه الواضحة ضد الجهل والتخلف والمرض الذي كان يعانيه الشعب اليمني الشاعر اليمني عبدالله البردوني الذي ذاع صيته في الوطن العربي شاعر كفيف له القدرة على تخطي الذات والتحرر من النظرة الجامدة والتفتح على عالم متنوع وخصب بالرؤى والصور والأشكال والزمن قد يكشف أو يطمس إبداعية إنجاز علمي أو فني ما والشاعر عبدالله البردوني هو شاعر مبدع ليس له نظر في بلادنا فهو يتمتع بالحس الوطني وهو مناضل عرف بوطنيه الفذة وعشق أرضه وكتب لها العديد من القصائد المشهورة التي ذاع صيتها في الوطن العربي، وله العديد من الدواويين الشعرية. لقد ظل الشاعر عبدالله البردوني منسياً فترة طويلة، ثم ظهر كنجم متألق في سماء الأدب اليمني مع سيادته التعبيرية، في الفن والأدب وقد قال العديد من الكتاب اليمنيين عن الإنتاج الأدبي للبردوني إنه يختلف من فترة الأخرى، وفق روح العصر السياسي، وأن الحكم الأخير على الإبداع يعتمد على التقويم الاجتماعي لنتائجه ويمكن إضافة الحكم التاريخي الذي تتبدل وفقه القيم الجمالية والعلمية. وتبقى الأصالة معياراً رئيسياً لقيمة الإبداع، وأخذ مقاييس الأصالة هو التأثير الباعث المفاجئ الذي تركه في الآخرين وإذا افتقدت الأصالة في عمل الآخرين، فقد الإبداع، بل ربما أنكر مبدعة نسبته إليه.