إذ اعتمدت الإستراتيجية التي اختطتها القوات المسلحة اليمنية على رؤية عصرية واضحة لخصها فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية - القائد الأعلى للقوات المسلحة بقوله : « إننا نبني قواتنا المسلحة من منظور العصر ومتطلبات الدفاع عن السيادة الوطنية حتى تغدو قوة دفاعية يركن إليها في الدفاع عن حياض الوطن ومكاسب العمل السلمي للشعب وتوفير المناخات الآمنة للعملية التنموية والنهضة الشاملة». وفي أعقاب انتصار الشرعية الدستورية وإخماد فتنة محاولة الانفصال في صيف 94م بفضل التضحيات الجسيمة التي قدمها أبناء القوات المسلحة والأمن دفاعا عن منجز الوحدة العظيم، كان لابد من إعادة ترميم وتعمير القدرات العسكرية وتعزيز القدرات الدفاعية، وكذا إعادة هيكلة وتنظيم وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان العامة والدوائر الاختصاصية التابعة لهما وهو ما تحقق بالفعل. كما جرى تنظيم القوات المسلحة من خلال خمس مناطق عسكرية، وتشكلت في إطار هذه المناطق عدد من المحاور العملياتية بحسب مقتضيات المسرح العملياتي وتنظيم القوات. وفي مجال التدريب القتالي والعملياتي حققت القوات المسلحة تطوراً ملحوظا تجسد في جوانب تنفيذ مختلف أشكال الأعمال القتالية في الدفاع والهجوم والمعارك التصادمية والمناورات وغيرها ، ورافق ذلك الإعداد المعنوي للقوات المسلحة في ضوء أهداف الثورة اليمنية الخالدة والمهام المقدسة لمنتسبي المؤسسة العسكرية بما يضمن إبعادها عن أي تأثيرات ضيقة بحيث يكون ولاؤها المطلق لله والوطن والثورة. وقد أولت القيادة السياسية ممثلة بفخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة جانب التأهيل والتدريب لمنتسبي القوات المسلحة قادة وضباطاً وصف ضباط وجنوداً أهمية قصوى لما لذلك من أهمية لتطوير قدرات وإمكانيات هذه المؤسسة الدفاعية الوطنية. وأنشئت لهذا الغرض العديد من المدارس العسكرية والمعاهد الفنية التخصصية ، فضلا عن تطوير وتحديث المنشآت العسكرية التعليمية القائمة واستحداث ما هو ضروري منها ورفدها بالكادر التدريبي المؤهل تأهيلاً علمياً عاليا . ولم تكتف جهود تحديث القوات المسلحة بالتدريب داخليا بل رافق ذلك إرسال بعثات لضباط وصف وجنود للدراسة في التخصصات التي تحتاجها القوات المسلحة في الخارج. وتجلى الاهتمام بالمؤسسات التعليمية العسكرية في إنشاء الأكاديمية العسكرية العليا والتي تتبع مباشرة وزير الدفاع ، وتضم كليات الحرب العليا، الدفاع الوطني ، القيادة والأركان ، بالإضافة إلى مركز الدراسات الإستراتيجية . وتتولى هذه الكليات مهمة تنمية قدرات ومهارات ضباط القوات المسلحة وتأهيلهم لشغل المناصب المتوسطة والعليا إلى جانب إعداد البحوث النظرية والتطبيقية و الدراسات العليا في العلوم العسكرية والأمن القومي . وتتويجا لهذه الجهود أصبحت الوحدات العسكرية المختلفة تمتلك الكوادر المؤهلة تأهيلا عاليا من خريجي كليات الطيران والدفاع الجوي والحربية والبحرية ، بالإضافة إلى الضباط الذين تم تأهيلهم في معهد الشهيد الثلايا أو المعهد الفني للقوات الجوية. وخطت هذه المؤسسة الوطنية خطوات رائعة في مختلف مجالات البناء العسكري النوعي الحديث والتنظيم الإداري وما يتطلبه من قوانين ولوائح منظمة لذلك بالإضافة إلى إنشاء المحاكم والنيابات العسكرية، وكذا المحكمة الاستئنافية العسكرية في دائرة القضاء العسكري. كما تم إنشاء شبكة مركزية للحاسوب وتوسيع القاعدة المعلوماتية لتشمل كافة المعلومات التأهيلية والتقييمية والتوثيقية وكذا المعلومات المتعلقة بالحياة الوظيفية والمناصب القيادية، إلى جانب استحداث منظومة الإصدار الآلي للبطاقة العسكرية الجديدة ذات السمة الرقمية. وفيما يتعلق بالتوجيه المعنوي تمت الاستفادة من الخبرات المكتسبة في هذا المجال من خلال دائرة تسمى (دائرة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة) معنية بنشر الوعي في أوساط منتسب المؤسسة العسكرية من خلال محاضرات مركزية ودورات تأهيلية ونشرات توعوية وغيرها من الأنشطة ذات الصلة . ولمواكبة هذا التطور الكمي والنوعي كان لابد من الاهتمام بالخدمات الطبية العسكرية وضمان تقديمها لمنتسبي القوات المسلحة وعائلاتهم. وقد تم تأهيل عدد كبير من الأطباء ومساعدي الأطباء والممرضين وتوفير احدث الأجهزة والمعدات الطبية والأدوية الأمر الذي انعكس إيجاباً على تطوير أداء المستشفيات العسكرية المركزية في كل من صنعاء وعدن والحديدة وفي مقدمتها المستشفى العسكري بصنعاء الذي يعد من المستشفيات المركزية في اليمن، بالإضافة إلى تشكيل شعب خدمات طبية في عدد من مواقع القوات التابعة للقوات المسلحة . وقد حرصت قيادة وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان على أن تكون عملية التحديث والتطوير كاملة لمختلف صنوف الوحدات والتشكيلات العسكرية حيث شهدت القوات البرية قفزات نوعية في هذا الجانب من منطلق أن المعارك لاتحسم ولا تحقق نتائجها إلا على الأرض رغم التطور التكنولوجي المتاح للقوات المسلحة ما أتاح لها القتال عن بعد باستخدام الطيران والصواريخ وغيرها. ومن هذا المنطلق خطت القوات البرية خطوات تطويرية شملت تحديد الملاك المادي والبشري لوحداتها ووضع الخطط اللازمة لاستكمالها ، وإعداد هياكلها التنظيمية على أسس علمية تجسد المهام المنوطة بها وتبين تراتبها التنظيمي الرأسي وعلاقاتها التكاملية الأفقية. كما تم تزويد وحداتها بالأسلحة والمعدات الحديثة المتطورة تشمل أحدث الدبابات والمدفعية المتطورة ذاتية الحركة ومنظومة القيادة والسيطرة الحديثة وغيرها من الأسلحة المتطورة التي تتطلبها الإستراتيجية الدفاعية للجمهورية اليمنية ، فضلاً عن تنفيذ خطط التدريب العملياتي والمعنوي السنوي بمعدلات عالية من الانجاز. وشملت جهود التطوير والتحديث للمؤسسة العسكرية اليمنية إعادة تشكيل وتأهيل القوات البحريةً والدفاع الساحلي وفق أسس علمية حديثة ومتطورة قادرة على حماية السواحل والمياه الإقليمية للجمهورية اليمنية وما تضمه من جزر متناثرة في البحرين الأحمر والعربي. وقد قطعت هذه القوات منذ إنشائها شوطاً كبيراً واحتلت المكانة التي تليق بها كحارس أمين ومدافع صلب عن سيادة المياه الإقليمية والجزر اليمنية ، بما تمتلكه من قيادات مؤهلة في مختلف التخصصات والتي تمثل قاعدة راسخة تؤهلها للمضي قدماً في مواجهة ما تتطلبه معطيات الدفاع عن السيادة الوطنية. في حين استوعبت القوات البحرية خصائص ومميزات القطع البحرية الجديدة التي تم رفدها بها والمتميزة بالتقنية العالية في تنفيذ مهامها القتالية من حيث امتلاكها لمنظومة الدفاع الذاتي والقدرة على الإبحار في المضائق المائية وامتلاكها الأسلحة عالية التقنية والدقة في التعامل مع الأهداف الثابتة والمتحركة بالإضافة إلى قيامها بمكافحة ظاهرة القرصنة والتهريب. وفيما يتعلق بالقوات الجوية والدفاع الجوي فقد تضمنت برامج التطوير والتحديث لهذه القوات خاصة منذ العام 1994م برامج متنوعة للنهوض بها أبرزها تنفيذ المشاريع التعبوية على الخارطة وعلى الأرض خاصة فيما يتصل بتدريب وتطوير مهارات الطيارين والفنيين، إلى جانب زيادة عدد ساعات الطيران النهاري والليلي، وتزويد الطيارين والفنيين بالعلوم النظرية والتطبيقية للطيران بكل أنواعه، وكذا تكثيف برامج الصيانة وإجراء الفحص الدقيق للطائرات للحفاظ على الجاهزية الفنية والقتالية والاستعداد الدائم لتنفيذ المهام المناطة. وإدراكا لأهمية التدريب والتأهيل تم إنشاء المعهد الفني للقوات الجوية والدفاع الجوي بهدف تطوير مهارات منتسبي هذه القوة والارتقاء بمقدراتهم القتالية ، ويمننة الكادر التدريبي ، وعقد الدورات التحويلية للطيارين الذين هم بحاجة إلى التأهيل على الطائرات المقاتلة ، وتحديث القوة المادية للقوات الجوية مع التركيز على تحديث الجهاز الفني ، وتعزيز قدراتها بطائرات حديثة من أبرزها إدخال طائرة الميج 29 التي تعتبر واحدة من أحدث الطائرات الاعتراضية المقاتلة في العالم ، إلى جانب الطائرات التدريبية ووسائل الدفاع الجوي. وتواصلاً لمسارات البناء والتحديث والتطوير في القوات المسلحة كان لابد من إعداد قوة مواكبة لطبيعة فنون القتال المعاصر ومقتضيات المعركة المشتركة الحديثة. وجرى تطوير قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة من خلال تأهيل منتسبيها وفق أحدث أسس وقواعد التدريب القتالي والعملياتي والإعداد المعنوي ورفدها بالأسلحة والمعدات القتالية المتطورة والحديثة بما يتناسب وطبيعة مهامها القتالية وإعدادها المرتكز على أربعة اتجاهات رئيسية متمثلة في التخطيط السليم والتنظيم المواكب لمنظومة التدريب والتنفيذ الدقيق لمجمل خطط وبرامج التدريب ، وكذا المتابعة الصارمة لمسألة التنفيذ والتقييم المستمر للمهام والواجبات التدريبية المترجمة على أرض الواقع العملي النظرية منها والتطبيقية وتعزيز الجانب الانضباطي وغرسه في نفوس المقاتلين . وتعزيزا لقدراتها الدفاعية وتحقيق مهام البناء النوعي التخصصي للقوات المسلحة جاءت عملية تأسيس وتطوير الوحدات الخاصة في إطار الحرس الجمهوري لتشكل انطلاقة جديدة في مسار بناء وتحديث وتطوير المؤسسة الدفاعية لليمن. وتتميز القوات الخاصة بالقدرة الفائقة على تنفيذ المهام القتالية وسرعة المناورة والانتقال من الدفاع إلى الهجوم والحسم السريع ، ذلك أن منتسبيها يتلقون ارقى أشكال التدريب الذي يمكنهم من تأدية واجباتهم بكفاءة فضلاً عن تسلحهم بأسلحة دقيقة التصويب . ونظراً لما حققته القوات الخاصة من تميز فقد أسندت إلى هذه القوات مهام مكافحة أعمال الشغب وإطفاء الحرائق ، والقيام بأعمال الإنقاذ والإغاثة عند حدوث الكوارث الطبيعية ، والتصدي لأعمال العنف والإرهاب بكافة أنواعها وحيثما تكون ، إلى جانب مكافحة التهريب وأعمال التسلل عبر الحدود البرية والبحرية ، وإدارة الأزمات المعقدة كعمليات الاختطاف التي أساءت إلى سمعة اليمن . وقد حققت هذه القوة رغم حداثتها نجاحا لافتا خاصة لما قامت به من مهام عسكرية أوكلت إليها في إطار خطط الانتشار الأمني خاصة في المحافظات التي توجد فيها بعض الخلايا والنشاطات المشبوهة ، ونجاحها في ضبط عمليات التسلل عبر الحدود. وشملت عملية تحديث وبناء المؤسسة العسكرية في ظل دولة الوحدة استحداث عدد من المؤسسات والدوئر العسكرية ذات البعد الاقتصادي والفني ومنها المؤسسة الاقتصادية التي تلعب دوراً مهماً في تعزيز الاقتصاد الوطني كجزء فاعل من إسهامات القوات المسلحة في مجالات النهضة التنموية الشاملة التي شهدها وطن الثاني والعشرين من مايو. فيما تتولى دائرة الأشغال العسكرية تأمين احتياجات القوات المسلحة من المباني والطرقات والمطارات والتجهيزات المكتبية وغيرها لما تمتلكه من بنية تحتية عملاقة تشمل معامل الإسفلت والكسارات وورش النجارة والموبيليا وورش الهياكل ومعامل البلك والعبارات والخرسانات الجاهزة والمركزية ومناشير الأحجار بالإضافة إلى أسطول كبير من المعدات الثقيلة. وتقوم هذه الدائرة بالإضافة إلى ما تتطلبه الإنشاءات العسكرية بتنفيذ مشاريع إستراتيجية تواكب بدرجة أساسية جهود التنمية الاقتصادية التي تتبعها الدولة كمسحيات الصحراء ومشاريع المراكز الحدودية وغيرها من المشاريع التنموية والخدمية إلى جانب إسهامها الفعال في مشاريع الطرق والجسور على مستوى الجمهورية . وقد أعطت القوات المسلحة دائرة التأمين الفني حيزاً كبيراً من اهتمامها ضمن أجندة البناء بمختلف صنوفها ، ولأهمية هذه الدائرة لما تمتلكه من إمكانيات مادية وكفاءات بشرية لمواكبة جهود تحقيق بناء نوعي للقوات المسلحة بمختلف صنوفها البرية والبحرية والجوية، وتسهم هذه الدائرة من خلال فرعيها بصنعاء وعدن في رفع مستوى أداء مدرسي الشؤون الفنية. وتكمن أهمية دائرة الاتصالات والنظم بالقوات المسلحة في مواكبتها لما يشهده العالم من تطورات في ظل الأسلحة الحديثة المتطورة المزودة بالمعدات الالكترونية المعقدة ، وهو ما يتطلب وجود كادر مؤهل قادر على التعاطي مع المعدات الحديثة . وتعتبر دائرة الرقابة والتفتيش من الدوائر الفاعلة والمؤثرة في انجاز عملية البناء النوعي والتحديث للقوات المسلحة من خلال ما تقوم به من نزول ميداني لكافة الوحدات العسكرية، وإعداد تقارير دورية وفصلية وسنوية تتعلق بحالة القوات والمعدات ومدى استيعاب منتسبيها لبرامج التدريب والتأهيل. ولم يقتصر الاهتمام بمنتسبي المؤسسة العسكرية على من هم في الخدمة فقط وإنما يشمل المتقاعدين منهم بما يليق بتضحياتهم ودورهم في خدمة الوطن والدفاع عن مكاسبه ومنجزاته حيث أسست دائرة التقاعد والضمان الاجتماعي للقوات المسلحة إحدى الدوائر الاستحقاقية التي تقوم برعاية المتقاعدين ومتابعة حقوقهم وحفظها وتسهيل حصولهم عليها بموجب قانون التقاعد العسكري المعمول به في الجمهورية اليمنية ، الذي يعد من أفضل القوانين العسكرية في الوطن العربي. وفيما يتعلق برعاية أسر الشهداء والجرحى والمناضلين فقد أولت الدولة جل عنايتها لهذه الفئة المهمة من أبناء الشعب اليمني بإنشاء المكتب الخاص لرعاية اسر الشهداء ومناضلي الثورة لتقديم العون والمساعدة لأسرهم فضلا عن إعطاء إفراد تلك الأسر الأولوية في التعليم والصحة والالتحاق بالكليات العسكرية والجامعية بهدف تأهيلهم وجعلهم عناصر فاعلة في خدمة الوطن والارتقاء به .