لعبت الأمثال اليمانية دوراً حاسماً في تاريخ الشعب اليمني لاسيما في المناطق القبلية حيث ماتزال العصبية مسيطرة سيطرة كاملة على تصرف القبيلة، أفراداً وجماعات، حيث مايزال الفرد مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بقبيلته ولا يستطيع أن يتحرك إلا وفق قانونها وفي حدود عرفها وتقاليدها المرعية. وبعد أن نظمت الأمثال سلوك الفرد في الجماعة وحددت علاقة الجماعة بمجتمعها وبيئتها أصبح لها قوة القانون، فأمثال القبائل في المناطق الشمالية والشرقية من البلاد تمجد الشجاعة والمغامرة والقتال والاستهانة بالموت في سبيل الدفاع عن الحمى والذمار والإشادة بالكرم والوفاء وأحياناً تتحدث تلك الأمثال عن نزعة الشر والغدر والمكر. وما دفع كاتب هذه المقالة لتسليط الضوء على الأمثال الشعبية عامة وعلى الأمثال التي تدور حول القبيلي والقبيلة على وجه الخصوص هو خبر عجيب وغريب عن مؤتمر تحالف القبائل الذي انعقد مؤخراً ودعاً إلى إقامة دولة مدنية حديثة، عندها تذكرت المثل الشعبي الذي يتندر به الناس فيقولون: (أجارك الله من القبيلي إذا تمدن) فما بالك إن فكر ببناء دولة مدنية حديثة، والمثل يضرب في سرعة فساد القبيلي إذا أخذ التمدن تقليداً من غير فهم ودراية - وتمدن: سكن المدينة، أي أعاذك الله وأجارك من القبيلي إذا تحضر لأن حياة المدن تغير طبائع القبائل البسيطة لأنهم جبلوا على عادات وتقاليد وأعراف قبلية متوارثة عن أسلافهم القدماء والحياة القبلية تبدو كبنية شبه مغلقة أو منعزلة سكونية ومحافظة ومتعلقة بالماضي وبالأجداد ولايهمها النظر إلى المستقبل وإلى بناء دولة مدنية حديثة، فالقبيلة تمثل الوحدة الأساسية في النظام الاجتماعي اليمني خاصة في المناطق الشمالية والشرقية من البلاد وقد لعبت القبيلة دوراً لايستهان به في الصراعات السياسية وعرفت القبيلة بعدم خضوعها للسلطات المركزية إلا لفترات قصيرة ثم ما تلبث أن تخرج عليها وكثيراً ما يتحترف بعض سكانها احتراف القتال وسيلة لكسب ما لم تجد به الطبيعة من وسائل العيش، وخاصة إذا ما سلطت على المناطق الخصبة، فالقبائل التي وجدت في مناطق شحيحة افتقدت للأمان والطمأنينة والاستقرار فعشقت القتال والحرب والمقامرة بالحياة واحتراف الجندية بعكس القبائل في المناطق الزراعية المستقرة والقريبة من شواطئ البحار وموارد الأسماك، والقبيلة تعتمد على الشيخ أو الأب الروحي حلال المشاكل قبل اعتمادها على الدولة أو السلطة، وظروف الحياة المدنية تعمل على تفكيك ( العصبية القبلية ) لأن الحياة المدنية تختلف اختلافاً جذرياً عن الحياة القبلية.. لماذا؟ لأن المدنية انفتاح وتجدد وإبداع وتفاعل وحركة وانطلاق نحو المستقبل وإنتاج حياة وفيها تعقيد، وتميل للسلم الاجتماعي والهدوء والاستقرار وتحترم حقوق الإنسان ولاتفرق بين جنس أو لون أو ملة أو لغة أو ثقافة أو مهنة ولا توجد تمايزات والناس فيها متساوون في الحقوق والواجبات، والمدنية هي المسافة التي تشكل نقاط التفاعل والاحتكاك المتجدد بين الإبداع الإنساني الجديد والاتباع الثقافي السائد في مرحلة زمنية وتاريخية معينة وتبدأ بإحداث الأشياء المادية والمعنوية الجديدة لأول مرة من جهة والمحاولات الأولى لتطبيق مدى صلاحيتها ومدى تقبل الواقع الاجتماعي لها وقدرته على التكيف معها من عدمه.. فمن أين للقبيلة أن تفكر بهذا الكلام الذي ذكرناه عن المدنية وهي مرتبطة بالماضي وبالأسلاف ولاتفكر بالمستقبل وتريد أن تبني دولة يمنية حديثة..!! وتفكيرها مشدود للخلف وإلى الوراء وتتفاخر بالقتل والحرب والشجاعة والتضحية بالحياة من اجل نصرة فرد حتى وإن كان خاطئاً في سلوكه وتفكيره. ومما يدلل على اتجاه سكان المناطق الغنية إلى الاستقرار والتفرغ للزراعة وصيد الأسماك وترك القتال الذي يعشقه أفراد القبيلة في الشمال والشرق، قرار الملكة (السيدة بنت أحمد) بنقل مقر حكم الدولة الصليحية في حوالي عام 479ه من صنعاء إلى جبلة ( بمحافظة إب ) إذ بعد أن وصلت إلى جبلة (صاحت بالرعايا فاجتمع منهم عالم كثير) فأشرفت من طاق وأمرت المكرم ( زوجها الذي تنازل لها عن الحكم ) أن يشرف معها، فنظرا فلم يجدا إلا من يقود كبشاً أو يحمل سمناً أو براً، وقد كانت فعلت ذلك بصنعاء وأشرفت هي والمكرم على الرعية فلم يريا إلا راكب فرس متقلداً رمحاً ورجلاً شاهراً سيفاً أو متقلداً قوساً، فقالت السيدة للمكرم: العيش مع هؤلاء (تقصد رعية مخلاف منطقة جبلة بإب) أولى من العيش بين أولئك فقال المكرم: نعم!! بقي أن نذكر بأن القبيلة تحتقر بعض المهن والحرف التي يقوم بها أفراد المجتمع ونحن نعلم أن بناء الدولة المدنية الحديثة يقوم على الصناعة والتكنولوجيا والمساواة واحترام حقوق الإنسان فهل ستتخلى القبيلة عن هذه النظرة الاحتقارية لهذه المهن ولأصحابها ويتساوى الشيخ مع الحلاق والجزار والقشام والدوشان؟! وهل سيختفي التمييز العنصري عند القبيلة وهي في طريقها لبناء الدولة المدنية الحديثة؟ لقد بدأنا مقالتنا هذه بالحديث عن الأمثال الشعبية وسننهيها أيضاً بتذكر ما تبقى من الأمثال الدائرة حول القبيلة والقبيلي ومنها: ( القبيلي مزيل الدول ) أي أن الدول تزول واحدة إثر أخرى غير أن القبيلي باق - أي أن القبيلي يقضي على الدول مهما كانت قوتها.. ومن الأمثال أيضاً: ( القبيلي عدو نفسه ) يضرب في الجاهل يجني على نفسه بأعماله قال السيد أحمد القارة: القبيلي عدو نفسه .. صدق قد قالها المجرب ومنها أيضاً قول المثل : (القبيلي مصملي ) أي أن القبيلي لاينقاد للحق إلا مكرهاً أو مرغماً ومثل المثل السابق ( القبيلي ذهب إذا لقي مهب ) والمعنى أن القبيلي مثل معدن الذهب إذا وجد سلطة قوية حازمة تحكمه وتستفيد من طاقته وولائه.. والمهب: هو الهراوة .. وأيضاً المثل القائل: (القبيلي ما يصلي على النبي إلا بعد ما يدكم رأسه) والمعنى أن القبيلي لا يهتدي إلى فعل الخير من ذات نفسه أي أنه لا يدرك مصلحته إلا بعد أن يقع في محنة.. ومثله المثل القائل: ( ما يحتذي القبيلي إلا بعد ما يشوك ) أي أن القبيلي لا ينتعل الحذاء إلا بعد أن تشاك رجله، يضرب لمن يرفض قبول النصيحة عند الحاجة إليها ولا يأخذها إلا بعد فوات الوقت.. وأخيراً المثل القائل: ( القبيلي من أخوه ) أي أن القبيلي يشد أزر أخيه القبيلي تعصباً جاهلياً ويدافع عنه ولو كان مخطئاً.. ( قال لك عيبني دولة مدنية حديثة من هذا سلوكه وهذه أوصافه .. عجبي )!!.