خيم التوتر على قطاع غزة رغم الكشف عن نجاح وساطة مصرية في إعادة تثبيت التهدئة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي عقب غارتين إسرائيليتين على غزة أسفرتا عن تسعة شهداء، تلاهما قصف صاروخي من جانب المقاومة خلف قتيلا إسرائيليا وخمسة جرحى، في تصعيد وصف بأنه الأعنف منذ أغسطس/آب الماضي. وقالت مصادر في غزة إن هناك تحليقا مكثفا للطيران الحربي الإسرائيلي فوق غزة منذ صباح يوم أمس الأحد, مشيرة إلى أن أيا من الفصائل لم يعلن التزاما بالتهدئة الجديدة. وذكرت وكالة «معا» الإخبارية الفلسطينية أن التهدئة تبدأ اعتبارا من الساعة الثالثة فجر يوم أمس الأحد بتوقيت القدس. كما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية نقلا عن مصادر فلسطينية لم تسمها أن مسؤولين كبارا من المخابرات المصرية شاركوا في الوساطة. كما نقلت رويترز عن مسؤول مصري أن كل الأطراف وافقت -بناء على توصية من مصر- على وقف إطلاق النار في ساعة مبكرة من صباح يوم أمس الأحد. وأضافت مصادر فلسطينية ومصرية موثوقة أن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أجرى اتصالات مع مسؤولي المخابرات المصرية طلباً لوقف موجة التوتر في القطاع. وقالت المصادر إن إسرائيل طلبت رسمياً من المخابرات المصرية إجراء اتصالات مع قيادة حركة الجهاد الإسلامي في دمشقوغزة لوقف عملية التوتر وقصف مواقعها ومدنها المحاذية لقطاع غزة، مقابل توقف عملها العسكري ضد القطاع. وقد استشهد تسعة من عناصر سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، بينهم قائد ميداني، وذلك في غارتين أمس السبت على رفح بجنوبغزة، في حين ردت السرايا بإطلاق صواريخ غراد على جنوب إسرائيل ما أسفر عن ستة جرحى توفي أحدهم في وقت لاحق. وجاء تصاعد التوتر إثر غارة جوية إسرائيلية أولى على رفح أسفرت عن استشهاد خمسة من سرايا القدس، تلتها مساءً غارة ثانية أوقعت أربعة شهداء من السرايا أيضا التي ردت بإطلاق وابل من الصواريخ على جنوب إسرائيل بلغ عددها 21 صاروخا، بحسب الشرطة الإسرائيلية التي أعلنت حالة الإنذار عند المستوى الأحمر بالمنطقة. وقد تبنت فصائل فلسطينية أخرى بينها كتائب شهداء الأقصى والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين هجمات متزامنة بالصواريخ وقذائف الهاون على أهداف إسرائيلية قريبة من غزة. واتهم المتحدث باسم سرايا القدس إسرائيل بالسعي لتصعيد التوتر لإفشال صفقة الأسرى في مراحلها المقبلة. وقالت الجهاد الإسلامي إن الغارة أسفرت عن استشهاد الخبير في الذخيرة أحمد الشيخ خليل بالإضافة إلى أربعة من زملائه المشرفين على صناعة القنابل والصواريخ. بدورها توعدت كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالرد، وحملت إسرائيل المسؤولية الكاملة عن التصعيد. وجاء هذا التصعيد بينما كان وفد قيادي من جماعة الإخوان المسلمين في مصر يزور قطاع غزة عبر معبر رفح البري للتهنئة بصفقة تبادل الأسرى. وكان الطيران الإسرائيلي قصف مواقع عدة في القطاع فجر الخميس الماضي ردا على ما قال إنه إطلاق لصواريخ من هناك. وفي بيان له قال وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان «نحن لا نسعى إلى مواجهة مع الفلسطينيين ولا نريد إشعال الموقف لكننا لن نستوعب القصف تلو الآخر دون رد». وهدد بعواقب لم يكشف النقاب عنها. وقال بيان للجيش الإسرائيلي إن حماس هي المسؤول الوحيد عما سماه أي نشاط إرهابي يصدر من قطاع غزة. في هذه الأثناء حذر منسق الأممالمتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط روبرت سيري في بيان من خطورة تصعيد العنف، ودعا «بإلحاح إلى الهدوء ووقف العنف وحمام الدم». يشار إلى أن حماس أعادت قبل أيام جنديا إسرائيليا أسرته في عام 2006 مقابل الإفراج عن أكثر من ألف أسير فلسطيني، في صفقة التبادل التي توسطت فيها مصر. على صعيد آخر تظاهر عشرات الآلاف في إسرائيل الليلة الماضية احتجاجا على غلاء المعيشة وللمطالبة بالعدالة الاجتماعية، وهم بذلك يواصلون تفعيل هذه الحركة الاحتجاجية غير المسبوقة في تاريخ إسرائيل والتي رأت النور خلال الصيف. وكان أكبر تجمع للمتظاهرين في تل أبيب، وخرجت مظاهرات مماثلة في القدس وموديعين وكريات شمونا وإيلات وهود هشارون، بينما ألغيت مظاهرة كانت مقررة في مدينة بئر السبع في الجنوب بسبب تعرض المناطق هناك لقصف صاروخي من قطاع غزة. وأكد المتظاهرون أن هذه الاحتجاجات تمثل انطلاقة جديدة في إسرائيل بعد انقطاع استمر شهرين. وفي تل أبيب نزل إلى الشارع أكثر من 70 ألفا حسب المنظمين، ولكن هذا التحرك على أهميته ظل دون المظاهرات الضخمة التي جرت خلال الصيف، بحسب ما ذكرت وسائل الإعلام. وكان القسم الأكبر من المتظاهرين في تل أبيب من الطلاب والأزواج الشبان. ورفعت في المظاهرة لافتة ضخمة كتب عليها «جيل يطالب بمستقبل أفضل»، إلى جانب لافتات أخرى كتب عليها «الشعب يريد زيادة الموازنة» و«عدالة اجتماعية» و«المزيد من المساكن العامة». واحتشد المتظاهرون في ساحة إسحاق رابين أمام مقر البلدية تحت شعار «العودة إلى الشارع». وتعاقب على منبر المظاهرة في تل أبيب عدد من الخطباء بينهم طلاب إضافة إلى مغنين شعبيين. وقال رئيس لجنة الدفاع في الكنيست شاؤول موفاز من حزب كاديما المعارض إنه «يجب على الحكومة أن تناضل على الجبهة الأمنية وعلى الجبهة الاجتماعية بنفس الطريقة»، وأكد أنه جاء إلى تل أبيب للمشاركة في المظاهرة و«دعم النضال الاجتماعي». ودعا منظمو هذا التحرك على موقعهم الإلكتروني إلى التعبئة «لمطالبة الكنيست والحكومة بإلغاء موازنة 2012 وتقديم موازنة اجتماعية جديدة تأخذ مطالب السكان في الاعتبار». وكتب المنظمون «اخرجوا بكثافة لتظهروا لقادتنا المنتخبين أننا لا نزال هنا». ودعا المنظمون أيضا إلى تجمعات احتجاجية في شمال إسرائيل في حيفا وكريات شمونا، وفي جنوبها أيضا في بئر السبع وإيلات وكذلك في القدس. وتشكل هذه المظاهرات اختبارا بعد تهدئة اجتماعية استمرت شهرين تم خلالها تفكيك المخيمات التي أقيمت في شوارع مدن عدة. ووصلت الحركة الاحتجاجية إلى ذروتها في أغسطس/آب الماضي عندما واظب المتظاهرون على الاحتجاج كل يوم سبت. وفي الرابع من سبتمبر/أيلول الماضي احتشد نحو نصف مليون إسرائيلي في أكبر مظاهرة عرفها تاريخ إسرائيل.