لحظات.. دقائق.. وساعات بل أيام قد غمرت بكومة من الآلام توغلت القسوة فيها أو ربما غاصت بالأحلام أحلام خيالية.. بعيدة.. مستحيلة حكايات رسمت أحزانها بألوان الحياة.. على جدار أبيض خلق ليكون صامتاً لا يهتم بأسرارها يحمل هموم الآخرين وآلامهم.. وأجبر نفسه على الكتمان حتى تغير نقاءه وصفاء لونه من تلك الأحزان فالقهر اليومي الذي يواجهه الإنسان جعله ينزف حروفه على ذلك الحائط وشكل لوحات نحتت من ظلم وقهر وسلب.. وعلقت على ستائر الجدران.. هنا تنوعت اللوحات فمنها اللون الأصفر والأحمر والأسود والبني وبعض من ألوان الرماد.. فكانت اللوحة الأولى: أحد كبار السن يسقط ليقبل أقدام كبار الشخصيات لكي يعود ولده إلى العمل الذي طرد منه ليواصلوا مسيرة معيشتهم.. هنا نزفت اللوحة ذلاً من اللون البني.. اللوحة الثانية: رجل تخلى عنه أقرب الناس إليه وقت أزماته فَاكتشف أنه كان يرتدي أقنعة سوداء اللون مزيفة.. هنا نزفت اللوحة خيانة من اللون الأسود.. اللوحة الثالثة: شاب في ريعان عمره يجر إلى ساحة القصاص يصرخ يناجي من الخوف والظلم وحوله أناس يعرفون الحق ويكتمون.. هنا نزفت اللوحة دماً من اللون الأحمر.. اللوحة الرابعة: فتاة صالحة وهب الله لها زوجاً من عائلة ثرية تحسدها قريبتها وتفرق بينهما من دون أن تستفيد شيئاً ولكن الغيرة تغلغلت في قلبها.. هنا نزفت اللّوحة حقداً من اللون الأصفر.. اللوحة الخامسة: طفلة يتيمة الأبوين تشتم بسوء التربية تمر من أمام قبري والديها تدعو الله أن يعيد حياتهما حتى تروي غليلها المشتاق لحنانهما وتشتكي بما فعلت الحياة بها من بعدهما.. هنا نزفت اللوحة دموعاً من اللون الوردي.. - لوحات مازالت تنزف وتنزف فتسربت ألوانها حتى تخرج من بين طياتها صوراً من صور الحياة التي أنطفأ نورها.. أحاسيسنا.. مشاعرنا.. أرواحنا.. هي حياتنا فعندما نفقد الإحساس نفقد الحياة ونحكم على أنفسنا بالموت.. فكيف بنا أن نرسم الخير ونحن بلا أحاسيس بلا مشاعر بلا رحمة أو خوف من الله.. بل نغذي مملكتنا الشخصية بالأخذ من دون عطاء حتى الحدود نخشى أن نتجاوزها خوفاً من عدم إرواء النفس بما تهوى.. لم يخلقنا الله لنحاسب غيرنا على أنفسنا بل محاسبة النفس والخلود إلى الذات وايقاضها من سباتها ومن الظل والذل والخيانة والقهر.. حتى تتقارب القلوب وتصفى النفوس.. فلا فرق بيننا إلا بالتقوى..