سجل ملوك وحضارة بلاد اليمن حضورا قويا في ثاني أيام معرض «ماتا فير» المقام حاليا بالعاصمة الماليزية كوالالمبور. وبدا كأن الزمن قد توقف بالزوار، وأضحى زمن الطفرة التكنولوجية لا معنى له، في ظل حضور شواهد ورموز تماثيل ملوك يمنيين ارتبطت أسماؤهم بواحدة من أقدم مراكز حضارات الشرق الأدنى وهي تعيدهم عبر جهاز البروجكتر إلى زمن بعيد كان حتى مجرد التكهن بتحقيق معجزة من معجزاته أمس ضربا من ضروب الخيال وربما الجنون. واستهل العرض تمثال معدي كرب حينما وقف شامخا في شاشة عرض كبيرة توسطت جناح اليمن ليعيد إلى أذهان الزوار فترة أيام حكمة في القرن السادس قبل الميلاد. وإلى ما قبل هذه الحقبة الزمنية بكثير جاءت مجموعة من الآثار الحجرية تعود إلى العصر الحجري والعصر البرونزي لتلقي الضوء على حقبة تاريخية مهمة من تاريخ اليمن القديم أكثر ما ميزها عن غيرها كثرة المستوطنات والمدافن والكهوف واعتماد المجتمع القديم على استخدام المعادن والآلات والأدوات الحجرية وظهور بعض العبادات مثل تقديس الناس لبعض الحيوانات. ومن العصر الحجري والبرونزي انتقل الزوار إلى عصر حضارتي مملكتي قتبان وأوسان عبر مجموعة من الشواهد التاريخية للملوك والحلي الاوسانية والزخارف والقرابين، وبالتحديد إلى حوالي النصف الثاني من الألفية الأولى قبل الميلاد. كان صخب وضجيج الحضور الكثيف لزوار المعرض حاضرا لكنه لم يطغ على ذلك الصخب والضجيج الذي قذفته الشواهد التاريخية والأثرية في أذهان زوار جناح اليمن بما حملته من أحداث تاريخية ساخنة شهدها تاريخ اليمن خلال انتقال السيطرة للحواضر اليمنية المتعاقبة فيما بينها على جغرافية المكان. وجاءت صورة نقش النصر من أقدم المصادر التي تحدثت عن مملكة قتبان، وكيف كانت قتبان شريكاً لمملكة سبأ في حربها ضد أوسان, عدن وما حولها حاليا المتقدمة اقتصاديا، والتي كان من نتائجها سقوط أوسان وسيطرة قتبان تدريجياً على معظم أراضيها. وأظهرت القطع الأثرية الماخوذة صورها من متاحف اليمن المختلفة من بينها متحف عدن التاريخي وقدمها للعرض رئيس الهيئة العامة للآثار والمتاحف عضو مجلس الترويج السياحي مهند السياني، كيف كان الظهور الأول لحضارة مملكة قتبان في أول الأمر في وادي بيحان، وكيف امتدت أراضيها من وادي بيحان شرقاً إلى البحر الأحمر غرباً، ومن أنحاء مدينة ذمار شمالاً، إلى البحر العربي جنوباً، وقبل أن تستمر هذه الدولة في ازدهارها وتتسع معه مطامع دولة سبأ في أواخر عهود المكربين, وقامت بين الدولتين مناوشات انتصرت فيها سبأ مرة وفي مرة أخرى تنتصر أوسان, واستمر الوضع على ما هو عليه حتى عهد الحاكم السبئي الملك « كرب إيل وتر « أول من يلقب بلقب ملك دولة سبأ في حوالي القرن السابع ق.م, وقام هذا الملك بتدمير مدن أوسان واحتلالها لفترة طويلة، وفق المصادر التاريخية. وبينت مجموعة القطع الاثارية المعروضة في الجناح الذي شهد أمس الكثير من الفعاليات الأثر الذي تركته الحواضر اليمنية القديمة باعتبارها صفحات مشرقة من تاريخ اليمن القديم، وبما كان لها من دور كبير في نشوء وتطور الحضارة اليمنية القديمة ونشوء واحدة من ابرز اقتصاديات العالم القديم، والتي ساهمت وبشكل فعالّ في رسم وتكوين ملامح حضارة العالم القديم. ومثلما ذكر الكثير من زوار الجناح الماليزيين ممن شهدوا العرض وكان غالبيتهم من ذوي الأصول اليمنية فإن النقوش والقطع الأثرية المعروضة بقدر ما كانت مثيرة للدهشة فقد حملت الجميع على الإصغاء إليها بكثير من الإعجاب والفخر وهي تجسد تفاصيل حضارات جذبت إليها أنظار العالم القديم، وتحدث عنها الكتّاب الكلاسيكيون بكثير من الإعجاب والانبهار قبل أن يطلقوا عليها اسم حضارات بلاد اليمن السعيد.