جريدة أمريكية: على امريكا دعم استقلال اليمن الجنوبي    بن الوزير يدعم تولي أحد قادة التمرد الإخواني في منصب أمني كبير    وفي هوازن قوم غير أن بهم**داء اليماني اذا لم يغدروا خانوا    محلل سياسي: لقاء الأحزاب اليمنية في عدن خبث ودهاء أمريكي    الرئيس الزُبيدي يُعزَّي الشيخ محمد بن زايد بوفاة عمه الشيخ طحنون آل نهيان    كاس خادم الحرمين الشريفين: النصر يهزم الخليج بثلاثية    أولاد "الزنداني وربعه" لهم الدنيا والآخرة وأولاد العامة لهم الآخرة فقط    15 دقيقة قبل النوم تنجيك من عذاب القبر.. داوم عليها ولا تتركها    "أنتم لعنة التاريخ على اليمن"..قيادي حوثي ينتقد ويهاجم جماعته    الخطوط الجوية اليمنية توضح تفاصيل أسعار التذاكر وتكشف عن خطط جديدة    يمكنك ترك هاتفك ومحفظتك على الطاولة.. شقيقة كريستيانو رونالدو تصف مدى الأمن والأمان في السعودية    الانتقالي يتراجع عن الانقلاب على الشرعية في عدن.. ويكشف عن قرار لعيدروس الزبيدي    سفاح يثير الرعب في عدن: جرائم مروعة ودعوات للقبض عليه    مقتل واصابة 30 في حادث سير مروع بمحافظة عمران    خطوة قوية للبنك المركزي في عدن.. بتعاون مع دولة عربية شقيقة    دوري ابطال اوروبا: دورتموند يحسم معركة الذهاب    غارسيا يتحدث عن مستقبله    خبراء بحريون يحذرون: هذا ما سيحدث بعد وصول هجمات الحوثيين إلى المحيط الهندي    مخاوف الحوثيين من حرب دولية تدفعهم للقبول باتفاق هدنة مع الحكومة وواشنطن تريد هزيمتهم عسكرياً    العليمي: رجل المرحلة الاستثنائية .. حنكة سياسية وأمنية تُعوّل عليها لاستعادة الدولة    الكشف عن قضية الصحفي صالح الحنشي عقب تعرضه للمضايقات    مبلغ مالي كبير وحجة إلى بيت الله الحرام وسلاح شخصي.. ثاني تكريم للشاب البطل الذي أذهل الجميع باستقبال الرئيس العليمي في مارب    عاجل: الرئيس الإماراتي ينعي الشيخ طحنون آل نهيان وإعلان الحداد وتنكيس الأعلام ل7 أيام    مأرب ..ورشة عمل ل 20 شخصية من المؤثرين والفاعلين في ملف الطرقات المغلقة    رئاسة الانتقالي تستعرض مستجدات الأوضاع المتصلة بالعملية السياسية والتصعيد المتواصل من قبل مليشيا الحوثي    مكتب التربية بالمهرة يعلن تعليق الدراسة غدا الخميس بسبب الحالة الجوية    عن حركة التاريخ وعمر الحضارات    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    صحيفة قطرية: الحوثيون فشلوا في معالجة العملة التالفة وسحبوا المعدنية المزورة    بعد شهر من اختطافه.. مليشيا الحوثي تصفي مواطن وترمي جثته للشارع بالحديدة    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    رئيس الوزراء يؤكد الحرص على حل مشاكل العمال وإنصافهم وتخفيف معاناتهم    الذهب يهبط إلى أدنى مستوى في 4 أسابيع    الشيخ الزنداني يروي قصة أول تنظيم إسلامي بعد ثورة 26سبتمبر وجهوده العجيبة، وكيف تم حظره بقرار روسي؟!    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و568 منذ 7 أكتوبر    هربت من اليمن وفحصت في فرنسا.. بيع قطعة أثرية يمنية نادرة في الخارج وسط تجاهل حكومي    برفقة حفيد أسطورة الملاكمة "محمد علي كلاي".. "لورين ماك" يعتنق الإسلام ويؤدي مناسك العمرة ويطلق دوري الرابطة في السعودية    نجل الزنداني يوجه رسالة شكر لهؤلاء عقب أيام من وفاة والده    بعشرة لاعبين...الهلال يتأهل إلى نهائى كأس خادم الحرمين بفوز صعب على الاتحاد    بالفيديو.. عالم آثار مصري: لم نعثر على أي دليل علمي يشير إلى تواجد الأنبياء موسى وإبراهيم ويوسف في مصر    وزير المالية يصدر عدة قرارات تعيين لمدراء الإدارات المالية والحسابات بالمؤسسة العامة لمطابع الكتاب المدرسي    برشلونة يستعيد التوازن ويتقدم للمركز الثاني بفوزه على فالنسيا برباعية    تنفيذية انتقالي لحج تعقد اجتماعها الدوري الثاني لشهر ابريل    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    السامعي: مجلس النواب خاطب رئيس المجلس السياسي الاعلى بشأن ايقاف وزير الصناعة    هذا ما يحدث بصنعاء وتتكتم جماعة الحوثي الكشف عنه !    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    بنوك هائل سعيد والكريمي والتجاري يرفضون الانتقال من صنعاء إلى عدن    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انتحار الإخوان
نشر في 14 أكتوبر يوم 18 - 08 - 2013

قبل ثلاثة أشهر تواصلت مع الأستاذة نشوى الحوفي، مستشارة النشر ل«نهضة مصر»، لجمع بعض الدراسات والأبحاث والمقالات المطولة والتأملات عن مآل جماعة الإخوان لتنشر فى كتاب، وهو ما انتهيت منه بالفعل في منتصف شهر مايو الماضي، وأعطيته عنوان «انتحار الإخوان.. انطفاء الفكرة وسقوط الأخلاق وتصدع التنظيم»، وتمنيت لو خرج الكتاب من المطبعة قبل 30 يونيو لأني توقعت طوفاناً بشرياً يزيح حكم الجماعة، لكن لظروف عديدة لم يتحقق هذا، وإن كان الخيار الذي يتخذه الإخوان الآن يجعل المادة التي يحويها الكتاب معبرة عن الوضع الراهن بشكل كبير.
وقد رأيت في الكتاب أن الإخوان قد انتحروا حين وقفوا تائهين في منتصف المسافات؛ بين الوعد والوعيد، فلا هم بشروا بخير، ولا هم أنذروا من شر، ولا هم رفعوا ما حملوا، ولا تركوا غيرهم يرفع عنهم ولا يرفع معهم، والحمل ثقيل وشديد الوطأة، وهم تحته يئنون وينزفون ويترنحون، لكنهم ينكرون ويكابرون ويجاهرون بكل سوء في وجه كل من يصارحهم بما هم عليه من زراية وهوان.
وانتحر الإخوان حين وجد الناس هذه الهوة السحيقة بين ما يقولون وما يفعلون، بين ابتساماتهم التي كانوا يوزعونها على قارعة الطريق لكل من هب ودب قبل الثورة، وهذا التجهم الذي سكن وجوههم بعد أن جلسوا مكان جلّادهم، وبين صوتهم الهامس المفعم بورع مصطنع حين كانوا على شفا الزنازين، وهذا الصراخ الزاعق في آذان كل من يهمس مختلفاً معهم أو حتى ناصحاً لهم.
وانتحر الإخوان حين بدأت المخيلة الشعبية في تقويض أسطورتهم، لتحط من قدرهم بعد أن رفعتهم، وتقوم بتجريسهم سريعاً بعد أن سترت عوراتهم طويلاً، فها هي النكات تنهمر على رؤوسهم من كل حدب وصوب، وها هى الحكايات تروي عن الفجيعة فيهم والاشمئزاز منهم، وها هي الأمثلة تضرب عنهم، وها هي الصور والأشكال الفنية ترسم لتعريهم، وها هي الأشعار والأزجال تلاحقهم، وكل هذا يتجمع فى مجرى واحد يجهز على كل الصور الإيجابية التي صنعها لهم المصريون من قبل، حيث نظروا إليهم على أنهم ضحايا وتعاطفوا معهم، واليوم يتابعون كيف تحولت الضحية إلى جلّاد، ويسيرون بعناية تثير العجب فوق خطى من سبقوهم فى الفساد والاستبداد وهم سادرون بجلود سميكة.
وانتحر الإخوان حين تصرفوا وكأنهم «طائفة» ذات عرق مختلف أو مذهب ديني أو حتى دين مغاير، فتكلموا عن رسالتهم وطريقهم، وادعوا أن لهم يداً فوق أيدي الناس، ومكانة أعلى من منازلهم، وزعموا أن ما يقولونه مقدس، وما يفعلونه تجب طاعته، حتى لو كان منافياً للدين، ومجافياً للعقل ومضراً بالوطن، ومعتدياً على مصالح الشعب.
وانتحر الإخوان حين باعوا للناس الوهم، قائلين لهم: نحمل الخير لكم، ولدينا مشروع «النهضة»؛ فسارع الملايين إلى انتخابهم فلا يجدون إلا حصاد الهشيم، لا خير ولا نهضة، إنما تكبر واستعلاء وإفلاس وغياب رؤية وظلم وانحياز فج إلى الأهل والعشيرة، فالأهم من الوظائف والمواقع والمناصب والمنافع كله لهم وإن قلت كفاءتهم وانعدمت خبرتهم، فى تحايل بغيض على ما يجرى، وتمدد مريب فى أروقة الدولة وأجهزتها كالخلايا السرطانية.
وانتحر الإخوان حين اعتقدوا أن بوسعهم أن يعيدوا عقارب الساعة إلى الوراء، وظنوا أن المصريين يمكن أن يقبلوا الضيم، أو يطول صبرهم من جديد على الظلم، أو ينسوا دماء الشهداء، أو يلعقوا مرارة الخديعة وينصرفوا صامتين إلى تحصيل أقواتهم القليلة، أو ينفكوا عن المطالبة بتحقيق كل ما قامت الثورة من أجله، أو يتنازلوا عن الإيمان بأنها ثورة وليست فرصة تاريخية لوصول الجماعة الكسيحة إلى كراسي الحكم على أعناق الجميع.
وانتحر الإخوان حين مالوا إلى القلة المحتكرة على حساب القاعدة العريضة من الناس، ناسين «العدالة الاجتماعية» وإن آمنوا بها فهى في نظرهم مجرد «صدقات» يتبعها منٌّ وأذى، وليست حقوقاً لا يمكن تأجيلها، وانتحروا لأنهم لا يعرفون طريقاً اقتصادياً إلا «الرأسمالية المتوضئة» التي تؤمن بتعظيم الربح، وفق هوى التجار والسماسرة، والوقوع في الفساد الاقتصادي المغلف بتسابيح وأدعية وأذكار حتى ينطلى ما يذهبون إليه على أي ضعيف العقل مرتجف الإيمان.
وانتحر الإخوان حين تجاهلوا مطالب شباب الثورة ومواقفهم، بعد أن صعدوا على أكتافهم، ثم أداروا لهم ظهورهم، وراحوا ينكلون بهم، متناسين أنه لولا الطليعة الثورية الشجاعة التي أطلقت مارد الشعب من قمقمه لظلوا هم يروضون الوقت خلف الأسوار فى عتمة الزنازين منتظرين مجرد إشارة من إصبع نظام مبارك ليعقدوا معه الصفقات المهينة، حتى يبقى تنظيمهم المتيبس على قيد الحياة.
وانتحر الإخوان حين عادوا إلى الدم، بعد طول حديث عن التغير والتطهر والتسامح والسلم، ليثبت للجميع أن الوداعة لم تكن طبعاً، بل تطبّعاً، جراء الويلات التى وقعت لهم حين رفعوا السلاح وألقوا القنابل، فهاهم يهددون بأنهار من الدم حتى يحافظوا بأى ثمن على السلطة التي حازوها بالخديعة و«عصر الليمون»، وهاهم يجرحون ويسحلون ويعذبون وينكلون بغيرهم كلما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، فإن قاومهم الناس تمسكنوا وراحوا يستذرفون الدموع ويستجلبون الشفقة بأي طريق.
وانتحر الإخوان حين استسلموا لهواجسهم المرضية ووساوسهم القهرية، فظنوا وهم فى الحكم، أن هناك من يقيد أيديهم، وشكوا وبيدهم القرار في أن الكل يتآمر عليهم ويقوض سلطانهم، وأن الجميع ليس لهم نصيب كاف من العقل والدين كي يفهموهم ويناصروهم ويتعذبوا بأيديهم وهم صامتون، ويجوعوا بفعل سياسات الإخوان وتصرفاتهم دون أنين، ويرضوا بالجماعة حتى وإن استمروا فى سكنى القبور، وعليهم ألا يطلبوا شيئاً فى الدنيا بل أن ينتظروا الثواب في الآخرة، لأنهم وقفوا إلى جانب «الجماعة المقدسة» و«الرجال الربانيين»!!!
وانتحر الإخوان مع إصرارهم على أن يمدوا ذراع الكذب على اتساعه، بلا ورع ولا روية، ويحلقوا هذا بالمراوغة والمخاتلة والجدل العقيم، متصورين أننا فى حرب، وأن «الحرب خدعة»، هكذا يتصورون منافسيهم فى الساحة السياسية، وعلى هذا النحو ينظرون إلى المجتمع العام الذي هو فى نظر المجموعة القطبية المتحكمة فى رقبة الجماعة بحال لا يختلف عما كان عليه مشركو مكة وقت نزول الوحي وانطلاق رسالة الإسلام.
وانتحر الإخوان حين يؤمن الناس بالتجربة أن الإخواني المستكين هو الإخواني المهزوم والمأزوم، فعندها أذن بأفولهم حتى وهم يمدون أرجلهم فوق كراسي الحكم.
وانتحر الإخوان حين مدوا أيديهم خارج حدود الوطن طالبين العون والمدد من أتباعهم فى بلدان أخرى على المصريين، معتقدين أن الولاء هو لما يسمونها «دولة الفكرة» والإخلاص فقط لما تركه لهم مؤسسهم وهو مجرد بعض نصائح وإرشادات عامة تجاوز الزمن أغلبها، ولم تجد من بينهم من يطورها أو يغيرها حتى تصبح صالحة للتعامل معها الآن، وتنبني على «الوطنية» كأساس، وليس على أوهام لم يعد لها وجود فى العالم المعاصر.
وانتحر الإخوان حين ظنوا أن مصر الكبيرة العريقة يمكن أن تدخل طيعة خانعة في عباءة جماعتهم الضيقة المهترئة الخشنة الرخيصة، فلا الجماعة لديها من سعة الفكر وعمق التصور ومرونة التصرف ما يجعل بوسعها أن تستوعب كل هذا الزخم الشعبي والقيم والثقافات والتقاليد المتوارثة والطبقات الحضارية المتتابعة والمطالب المتنوعة للمصريين، ولا مصر بوسعها أن تتصاغر وتتضاءل لتدخل طيعة في عباءة أو فم أضيق من ثقب إبرة، يخفق في أن يرد عن الإخوان هذا السيل العرم من أفعال وأقوال تقوضهم وتصيب تنظيمهم من أطرافه وفي قلبه.
فالإخوان يعرفون عن «عبس» و«ذبيان» أكثر مما يعرفون عن «تحتمس» و«أحمس» ويحفظون تاريخ «ثعلبة» و«بلتعة» لكنهم لا يفقهون شيئاً عن «إخناتون» الذى نادى بالتوحيد، ولا «متون الأهرام» التى حوت نصائح عميقة وعظات خالدة تشبه «الوصايا العشر»، ولذا ليس بوسع الجماعة ولا بمكنتها أن تدرك طبيعة البلد الذي قُدّر له أن تنشأ فيه، وتتمدد في أعطافه، حتى تصل إلى أعلى هرم للسلطة به. وهذا الجهل بمصر وقيمتها ليس ابن هذه الأيام لكنه صاحب ميلاد الإخوان، إذ كان مؤسس الجماعة يفاضل بين عدة دول ليطلق فى أي منها دعوته، واحتار فى البداية بين اليمن ومصر، لكنه اختار الأخيرة، لعوامل تخص الأمن والحسابات المصلحية الضيقة أكثر مما تخص استيعابه لقيمة البلد ومكانته. وهكذا استمر نظر الجماعة إلى الوطن، حتى وجدنا مرشدهم مهدي عاكف يقول ذات يوم: «طز في مصر» ويعترف بأنه لا يجد أي غضاضة في أن يحكم بلدنا شخص من ماليزيا أو غيرها من البلدان الإسلامية. ووجدنا شباب الإخوان يهرولون نحو رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان فى أول زيارة لمصر بعد الثورة ليستعيدوا معه أيام «الإمبراطورية العثمانية» التي استنزفت مصر ونزحتها وأخذت كل مفيد فيها ولم تعطها شيئاً، لا علم ولا حرية ولا حتى حماية للشعب المصرى الذي تركته يرسف من جديد تحت حكم المماليك، وكلاء وأعواناً لآل عثمان.
وانتحر الإخوان حين ألقوا بكل أوراق اللعبة فى يد الولايات المتحدة، متناسين المثل المصري العبقري الذي كانوا يرددونه هم أنفسهم أيام حكم مبارك «المتغطي بالأمريكان عريان»، وراهنين إرادة بلدنا واستقلال قراره لصالح توجهات واشنطن ومصالحها، ليتحولوا بالنسبة لها إلى «كنز استراتيجى بديل» بعد رحيل «كنز مبارك»، ويتصرفوا وكأن كل شيء سيصبح طوع بنانهم ووفق مشيئتهم ما دام «الكفيل الأمريكي» راضياً عنهم، ولا ينشغلون بسخط المصريين ولا غضبهم، ولا تقريعهم للجماعة ونعتها بخيانة الثورة وافتقاد الكفاءة في إدارة الدولة، لأن غاية ما يشغلهم هو رضى أمريكا التى ساعدتهم على الوصول إلى الحكم، متناسين أن من انتخبهم هو الشعب المصري، وساعين إلى تغيير قواعد اللعبة وشروط الانتخاب والاختيار وكل العناصر التي تؤثر فيه حتى يصبح رأي الشعب وتوجهه فيما بعد غير ذي جدوى. وهي الطريقة نفسها التي كان يفكر ويتصرف بها مبارك حتى وقع فى شر أعماله.
وينتحر الإخوان حين يهتمون بالخارج عموماً، فيخاطبونه ويراسلونه شارحين له ما يجري لهم، وواقفين ليبكوا على أعتابه، خالقين أمامه «مظلومية جديدة» أغلبها مصطنع وأكثرها تمثيل فى تمثيل، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء الوقوف أمام الشعب المصري ليستعرضوا أمامه هو، مصدر السلطات ومنشئ الإرادة، كل شيء، ويعتذروا له هو عن كل ما بدر منهم من أفعال سيئة من قتل وسحل وتعذيب وتعويق لمسيرة الثورة.
وانتحر الإخوان حين رأى الناس هذا التناقض الرهيب فى موقفهم من الصراع العربي الإسرائيلي، ما بين «خيبر خيبر يا يهود.. جيش محمد سوف يعود» قبل الثورة إلى رسالة محمد مرسي الحميمة لنظيره شيمون بيريز بعد أن وصلوا إلى الحكم التي يقول له فيها «صديقي العزيز جداً». ومن كلام قادتهم عن «الصهيونية» على مدار ثمانين سنة إلى دفاع عصام العريان عن «حق العودة» لليهود إلى مصر، وهو يعلم أنهم لن يعودوا لكنهم سيستخدمون قوله هذا فى طلب تعويضات رهيبة من مصر، لا يشغل الإخوان كيف ندفعها، إنما ما يشغلهم أن ترضى عنهم تل أبيب وتقول لحلفائها فى واشنطن: اتركوهم فى الحكم وساعدوهم فهم لنا ورهن إشارتنا.
والمسألة هنا لا تقف عند حدود إسرائيل، ولا «القضية الفلسطينية» بوصفها قضية العرب المركزية، إنما هو مجرد مثال صارخ على إمكانية حدوث انقلاب تام فى السياسة الخارجية لجماعة الإخوان، لاسيما أن من يدير دفتها، ليس من وصل إلى الرئاسة، ويعتبرونه مجرد رئيس شعبة من شعب الجماعة، إنما مكتب الإرشاد كله، الذى يتحكم فى مقاليد الأمور، ومعه العناصر النشطة فى «التنظيم الدولي» للجماعة، والذين أحاط بعضهم بمرسي، وأسندت إليه مهام خارجية أكبر من طاقته وخبرته، وأبعد من أنف جماعته.
وانتحر الإخوان حين توهموا أن بوسعهم أن يتمادوا طويلاً في «خداع» العالم مثلما خدعوا المصريين، ويستدرجوا الكل فى مشارق الأرض ومغاربها إلى فخ التعاطف معهم والإشفاق عليهم والذهاب إلى أقصى حد فى تأييدهم والاعتقاد بأنهم طرف صادق الوعد، موثوق العهد، يظهر ما يبطن، ويقول ما ينوي فعله، ومأمون على أن يكون طرفاً طبيعياً فى السياسات والعلاقات الدولية الراهنة. فها هى كفيلتهم أمريكا، تكتشف سريعاً أن للجماعة وجهين، وها هى ألمانيا التي طالما قالت «لنمنحهم فرصة» تستعيد تجربة «هتلر» وترميها عليهم وتخشى أن يكونوا أيضاً ممن يتسلقون سلم الديمقراطية، ثم يرفعونه خلفهم حتى لا يصعد غيرهم عليه، وها هو رئيس الهند يقولها صراحة لمرسي حين زار نيودلهي: «الديمقراطية لا تمارس لمرة واحدة».
كل هذه المعانى التى وردت فى المقالات الأربع ويحاول كتابى: «انتحار الإخوان.. انطفاء الفكرة وسقوط الأخلاق وتصدع التنظيم» أن يناقشها، منطلقاً من فكرة مفادها أن ما كان فيه الإخوان من ارتفاع الآن هو «صعود إلى الهاوية» وليست «لحظة التمكين» كما يظنون، ويقدم أدلة وبراهين على ذلك من خلال مقالات معمقة ودراسات، تتناول مظاهر السقوط الأخلاقى للجماعة، ولماذا يفشل الإخوان فى إدارة الدولة؟ ومدى تغير الصورة النمطية لهم فى المخيلة الشعبية من الإيجابية إلى السلبية وتأثير ذلك على مستقبلهم، وعلاقة الإخوان بالجيش وسيناريوهات تطورها قبل الثورة وبعدها، وحجم الخلاف مع شباب الثورة، وكيف تم الخروج على المشروع الثوري، والتعامل مع ما جرى باعتباره فرصة للجماعة وليست ثورة للشعب.
ويتناول علاقة الإخوان بالسلفيين والجماعة الإسلامية والسلفية الجهادية، وكيف ينظر الإخوان إلى أنفسهم كطائفة اجتماعية ودينية وذلك من خلال تحليل مناهج التثقيف والتربية داخل الجماعة، والأناشيد التي ترددها. ونمط العائلة الأيديولوجية الإخوانية التي لا مثيل لها فى المجتمعات الإنسانية، وما تنتجه من علاقات مصاهرة سياسية، وما تتركه من بصمة على الشخصية الإخوانية.
ومظاهر عودة التنظيم الخاص وتجدد العنف الإخواني ومحاولة بناء أطر بديلة للدولة بما فى ذلك جهاز مخابرات خاص، والتناقض الصارخ بين ورشة الجماعة ومعرضها، فالأخير يضم الوجوه الباسمة التى يصدرونها للإعلام وهم قلة، بينما الأول هم الرجال المتجهمون والمتزمتون المتحكمون فى صناعة القرار، وكذلك الميل إلى «التنظيم الدولي» للجماعة على حساب «الوطنية»، والسعي الزائف الغارق في الوهم نحو ما يسمى ب«أستاذية العالم».
كما يتناول الكتاب التوجه الاقتصادي للجماعة والذي يرتكز على نمط تجاري ريعى سميته «الرأسمالية المتوضئة»، ويجب أيضاً على تساؤل حول أسباب موت الخيال عند الجماعة الإخوانية، حيث يؤثر نهج السمع والطاعة على القدرات الإبداعية للأفراد، وكذلك حول ظاهرة «المتأخونين» وهم أولئك الذين التحقوا بالجماعة بعد حيازتها السلطة بحثاً عن منافع شخصية، مثل ما كان يحدث مع الحزب الوطني الديمقراطي المنحل وأمانة سياساته.
وأخيراً يعرج الكتاب على طرح بدائل فكرية وحركية منها: الحاجة إلى التصوف، ومشروع الإحياء الإسلامي، وتعزيز المسار المدني، وسبل مواجهة التطرف الديني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.