يعد الشاعر والأديب الكبير الراحل عبدالله الدويلة من قلائل المبدعين والمفكرين في اليمن الذين قارعوا نظام الحكم البريطاني والفقر والجهل وتميزت خلفيته الثقافية الإبداعية من خلال الأفكار والآراء الإنسانية المفعمة بالعطاء الفكري والنهوض الثقافي وبالخصائص الموضوعية والانطباعات الوجدانية التعبيرية الفنية وما تحمله الكلمة من معان سامية والكثير من حقائق الأمور الموضوعية الهادفة بأبعادها السياسية والثقافية . ولد أسطورة الشعر والأدب عبدالله الدويله في مدينة إندونيسيا وكان أبوه يعمل تاجراً بسيطاً مترحلاً عاش الشاعر والأديب جزءاً من طفولته فيها وهناك تلقى جزءاً من تعليمه ثم عاد إلى حضرموت وفيها تابع دراسته في الكتاب وتوفي والده عندما كان صغيراً وهذا ما جعل الشاعر عبدالله الدويلة مضطراً لترك دراسته بحثاً عن لقمة العيش الضرورية.بعدها انتقل من الاحقاف - وهذا الاسم يطلق على حضوموت في السفر القديم - إلى مدينة زنجبار وكان ذلك في أواخر الأربعينات جاء صديقه الهشوش قبل أن يكونا صديقين جاء من القرية الجاثمة على الربوة بكبرياء آل حيدرة منصور وتواضعها وعنادها وطيبتها وصمودها الباسل أثناء القمع البريطاني. وكان الهشوش وكاتب هذه السطور وغيرهما من الشباب من الذين آثروا الفقر أو ربما آثرهم الفقر أو الإفقار وجموع الفقراء أيضاً آثروهم ولكنهم إلى جانب ذلك آثروا الثقافة الإنسانية وحلم التغيير في الحرية والديمقراطية ووحدة الوطن والإنسان وفي هذا الدرب المكفهر وغير المتكافئ بين من يملكون كل شيء وبين من لا يملكون أي شيء تمت منازلة غير عادلة وكاتب هذه السطور الهشوش وسالم ربيع علي وغيرهم من الأصدقاء الذين يملكون القوة من الوجه الآخر استخدام الهشوش الشعر والتشكيل والكتابة النقدية المحرضة الساخرة والجادة منها أيضاً مشيناً في درب الآلام ونستقصي ونمارس النقد ونتناقش ونحرض ونشاهد الأفلام الجيدة ونستعرضها نقاشاً ونقداً ونقلب كل الأحوال السياسية ونعارض السياسة العميلة التي تطلق من ألسنة الدخيل وكانوا يتخذون من الناديين الكرويين الوحيدين في زنجبار الشباب والإتحاد ستارين للأنشطة السياسية والوطنية والثقافية وكان الهشوش وربيع في نادي الاتحاد وناصر علي صدح في نادي الشباب وعبر هذين الناديين تقام الندوات والمحاضرات السياسية والثقافية وغيرها. وكما يقول الشاعر عبدالله الدويلة إنني كنت ظلاً لهذا الفتى الصنديد هذا الفتى الشاعر الهشوش قد تعتقدون بأنني مبالغ لكم نتيجة العلاقة الجيدة التي تربطني به لأنكم حقيقة لا تعرفونه وهكذا عندما كنت له ظلاً كان لي أكثر من فتى حنون كنا لا نفترق إلا لماماً وهذا من اجل التاريخ ولاشيء غيره كان الهشوش تلميذاً مخلصاً للشهيد المناضل الأديب الفلسطيني غسان كنفاني وفي الواقع كنا الرعيل المخلصين للشهيد الإنسان كنفاني وكنا جميعاً قد أصبحنا أعضاء سرين في حركة القوميين العرب وهذا في أواخر الخمسينات. وفي المجلة الشهرية (الوعي) المتسترة تحت واجهة نادي الاتحاد الفضلي والناطقة باسم حركة القوميين العرب اظهر الهشوش موهبته الفنية في فن الخط والرسم والإخراج المسرحي ناهيك عن الكتابة والشعر العامي والكتابة ايضاً باللهجة الساخرة العامية التي ينتقد فيها ظاهرة الرشوة عند وزان القطن أثناء موسم الوزن وان فقراء الفلاحين يعانون الكثير من التأخير وعدم الاكثراث والإسقاط وعدم الدقة في منح الوزن الصحيح. التعليق على اللوحة التي يظهر فيها الوزن وأكياس القطن باللهجة العامية المحلية حيث قال في ختامها البيتين الأخيرين اللذين هما بيتا القصيد: (هكذا شبعه .. يعاديني يماريني مراً بعد قالوا الناس لا تعمده كماه مد له لا عاد تعمد شيء ثقيل وفي اللوحة المعتادة التي كان يرسمها بنفسه ويعلق عليها شعراً باللهجة العامية فقد كانت نقداً لاذعاً عن الطريق التي قامت بها لجنة أبين والسلطنة بمدها من غير تلبيس بالإسفلت ويبدو ان الكبار قد لحسوا المبالغ المرصودة لهذه الطريق واكتفوا بتركها مفروشة بالحصم على حسب تعبير الهشوش (ياراكب البابور تشتي الاجعار اوبه من الأحجار في الرصدة كبار اوبه لراسك لا يحصل له عوار المشي أحسن لك ولا هذا العزار إن الهشوش يكتب باقتدار هذا النوع من الشعر العامي وذلك لغرض التنوير الثقافي والولوج الى مشاعر العوام وهم السواد الأعظم من الناس وتوصيل مفهوم القصيدة العامية بصورة تلقائية ومباشرة وانه يعد من غير شك اليوم عظيماً . عاش الشاعر والأديب عبدالله الدويلة أفضل أيام حياته في مدينة زنجبار الفترة قصيرة إذ ان من خلالها الحكم الانجلو سلاطيني العفن الذي فرض سيطرته الهمجية القائمة على القهر والظلم والاستبداد والحرمان وكل هذه الظواهر السلبية عكست نفسها على الواقع الاجتماعي المعاش وهذا مما جعل الشاعر والأديب عبدالله الدويلة يكتب قصيدته المشهورة التي هي بعنوان طفولتي وذكريات الإقطاع يقول من خلالها هذه المتقطفات الشعرية التالية: مات الضجيج قتل البتول ولأجل إخماد الضجيج لابد من قتل البتول بدل البتول قالها بوي صالح كحكمة إطلقها شيخ المغول يقول يا أمير محسن نحن سلالة عريقة الأصول من ذا يفوقنا في المجد في العز في العنترة الريف كانت تسكنه عفاريت كبار وبعد الإضراب الذي شهدته منطقة زنجبار تم إجراء الفصل في حق الشاعر عبدالله الدويلة والشهيد ناجي وعبدالرحمن هشوش وسالم ربيع علي وكان نصيبه الى جانب الفصل (عبدالله الدويلة) مغادرة المنطقة لكونه ليس من أبنائها على حسب منطق النظام آنذاك. بعد أن انتقل الشاعر والأديب عبدالله الدويلة مباشرة إلى مدينة عدن الباسلة قلعة الصمود والتحدي التحق بالقطاع الفدائي للتنظيم السياسي في الجبهة القومية مع الشهيد عبود ضمن خلية واحدة قاموا بعدها ببعض الأعمال العسكرية في مدينة الشيخ عثمان والمنصورة ودورهم البطولي هو اقتناص الدوريات والمناوشات ومداهمة أماكن العملاء في خورمكسر وكما يذكر الشاعر عبدالله الدويلة أنهم داهموا مخبأ سريا ًفي إحدى العمارات الكائنة أمام معسكر طارق وكان تابعاً لحزب الرابطة يقول غنمنا منها أسلحة وذخائر كثيرة ويذكر الأسلحة كانت مسدسات في داخل صناديق وحملوها ولكن بعد الاستقلال الوطني وضمن التوجيهات المركزية التحق عبدالله الدولية بالعمل النقابي حيث انتخب رئيساً لنقابات الصناعات الخفيفة ونتيجة الصراعات النقابية وتحت دسائس الانتهازيين قامت عناصر وطنية بتوزيع منشورات باسم القواعد العمالية في النقابة تدين الفساد والممارسات الانتهازية والأساليب القبلية والقروية في النقابة والحركة العمالية وجدت تحت الاعتقال التحفظي في مركز الشرطة بكريتر وقد تدخل الأخ المناضل كمبادر في سبيل الإفراج عن عبدالله الا أن الاضطهاد الخفي كان يلاحق الأخ المناضل الذي هو الأخ صالح باقيس كان ذلك على وجه التقريب في أواخر 1969م ولكن بعد استشهاد عبود انتقل عبدالله الدويلة إلى المجال الإعلامي مع الاخ/ القعطبي وزير الإسكان سابقاً وكان الشاعر عبدالله الدويلة مساهماً في كتابة الصفحة الأخيرة من النشرة اليومية (المقاومة) الناطقة باسم الجبهة القومية في الشيخ عثمان كلف بعمل تحريخي يدين فيه النظام البريطاني العفن. وفي أواخر الثمانينات تألق الشاعر والأديب الكبير عبدالله الدويلة عندما التحق بالعمل الصحفي وقدم الكثير من الأعمال الإبداعية من خلال الكتابات النقدية والقصائد النثرية والشعرية منها الحديث والقديم متنوعة البحور وموزونة القافية تدين النظام البيروقراطي الفاسد القائم على القهر والظلم والاستبداد والفقر والجهل والرشوة والبطالة وكما يؤكد عبدالله الدويلة ويقول إن أعداء الحقيقة هم غالباً مايلجأون إلى التشويه والتزييف عندما يواجهون الحجج الدامغة والطرح المنطقي لكثير من حقائق الامور فيلجأون إلى تجميل الأباطيل ويروجونها في أغلفة منمقة كثيراً ما تبهر الأنظار ساعتها وبالأخص السذج من الناس والعفويون منهم. لقد ترك الشاعر عبدالله الدويلة تراثاً فنياً الإنساني في نفوس المواطنين وأثار رحيلة ضجة إعلامية في الأوساط الفنية وبهذا المصاب الجلل تكون اليمن قد خسرت قامة شعرية وأدبية لا تعوض ونادرة في هذا الزمان الصعب الذي فيه الإنسان لا يقدر بثمن لذلك نستعرض بعض القصائد الشعرية التي نالت إعجاب الكثيرين والمهتمين بالجانب الثقافي والأبيات هي كالنحو التالي: أنهم يزيفون كل شيء عندما يرقص الحرف مهللاً في موكب السلطان ويرتدي منتحلاً .. عباءة الشيطان عنذئذ .. قد تسمل الأعين قد يقطع اللسان ويغدو الأحمر اسود والأبيض اصفر والحق تائهاً بلا مكان مثل هذا قد يحدث في كل الأروقة التي يسرق فيها الإنسان في البيت الأبيض جداً في الردهات .. التي تلمع فيها التيجان الحالم .. هو الإنسان عندما تجرأ .. ذات يوم ..أن يحلم كاد أن يلغي حلمه .. فشياطين القرية .. كادت .. تضاجع أفكاره كي لا تحلم لكن العالم كله .. يحشده حلم الإنسان والمدن الصالحة يعشوشب .. في رياضها حلم الإنسان والقرية التي منحته كل أفراح الصبا والأزهار البرية التي صفت إلى همساته والربا والنبع الذي .. حدثه .. كثيراً عن أحلام ذلك الفتى القرمطي الذي نثر الورد الأحمر والخبز .. والدفا وأعطي سيفه .. للحالمين كانت تهيب به .. أن يحلم باكورة أحلامه .. كانت مزيجاً من الليل الغامض الجميل ورود وزهور وهضاب لكنها عائمات.. في محيط الغيوم عندما استمر في حلمه انبجست في دروبه .. أشياء كثيرة وبات .. يعلم بان الأعاصير مجنونة .. لا تحلم والبركان العاتي .. لا يحلم والزلزال الأهوج ..لا يحلم والزوبعة .. أيضاً فاتكة .. لا تحلم الحالم ..وحده هو الإنسان هو الإنسان