لم تكن صنعاء عاصمة للثقافة العربية في العام المنصرم بداية انطلاق للارتقاء بواقعنا الثقافي في مختلف مجالاته كما توقع الجميع بقدر ما كانت بداية لإخماد جذوة النشاط الثقافي (أدبا وفناً وفكراً و..) وإضفاء روح الموسمية القاتلة التي اعتقدنا أنها غادرتنا إلى حيث لا رجعة لتسود مرة أخرى وتؤكد لنا ما كنا نخشى من نهاية تراجيدية، إذ كان العام 2004م مجرد طفرة مؤقتة لا أكثر لحدث ومناسبة احتفينا بها كاحتفائنا بأعيادنا الوطنية والدينية وعيد المعلم وذكرى الإسراء والمعرج. لقد أطاح عام صنعاء الثقافي بكل التوقعات والتطلعات والآمال المرتقبة مخيباً ظن الكثير من المهتمين والمختصين كونه لم يؤسس أي بنى تحتية للعمل الثقافي في اليمن.. وما آل إليه واقع الثقافة في العام الحالي دليل كافٍ لتأكيد ذلك، إذ أن خلو هذا العام من الحراك الثقافي الفاعل والمتنوع ماعدا الفعاليات ذات الطابع الموسمي الرتيب التي تقام وفقاً لمعايير سياسية بحتة يبرهن على حجم المأساة التي تجثم على صدر واقعنا الثقافي والفني والأدبي وتقوده إلى أزمة كنا نعتقد أننا تجاوزناها إلى ما هو أفضل. ويمكن القول أن ذلك يعود لعدم إدراك قيادة العمل الثقافي في الوطن لأهمية ذلك وباعتبار الثقافة مشروعاً مهماً له معطياته الخاصة كسبيل وحيد للارتقاء بوعي المجتمع والنهوض به، وليس باعتبارها شيئاً هامشياً وترفيهياً وكمالياً نهتم بها في حال احتياجنا إليه ولكي نطعم بها بعض مناسباتنا لاستغلالها كجانب ترويجي لا أكثر. فالجميع يدرك تماماً أن العمل الثقافي (أدباً وفكراً وفناً ومسرحاً ودراما وغناء و.. الخ......) له تأثيره الخاص وله أهميته اللامحدودة في حياة الشعوب والأمم على مر عصور التاريخ منذ بداياته الأولى وحتى اللحظة.. فهو الذي يمكن لنا من خلاله أن نرحل إلى أفق معرفي واسع وفضاءات معلوماتية وثقافية رحبة.. لكن أن تغدو الموسمية هي السمة المسيطرة على الواقع الثقافي والفني فهذا ما لا ينذر بخير على الإطلاق، إضافة إلى سيادة الرقابة على النص وإخضاعه لحسابات سياسية وتقليص مساحة الحرية التي ربما كان ينعم بها شعبنا في السبعينا ت والثمانينات وحتى مطلع التسعينات خصوصاً في جانبي الدراما والمسرح كمجالين من مجالات الثقافة المتعددة بتعدد أطيافها ومدلولاتها ومفرداتها.. وهنا يقع العمل الثقافي والفني بين كماشتي الموسمية والرقابة ليغدو محدود التأثير ومحدود الأهمية مما ينعكس على رموز هذا العمل ومحبوه وعلى المجتمع بشكل عام لنعيش بعدها حالة من الفوضى والضياع المعرفي الذي يقودنا إلى دائرة مغلقة ومأزق حرج ومنحنى صعب وأشياء أخرى تؤسس بمجملها واقعاً ثقافياً متدهوراً اشترك في صنعه الجميع..!