رياض السامعي: ائتمناهم على أجسادنا وأرواحنا فاستعملونا فئران تجارب يمارسون علينا تجاربهم وعبثيتهم بأعصاب باردة.. وأمزجة تتلذذ بتعذيبنا ليرموا ما تبقى منا جثث هامدة أو أجسادا خردة لا يرمم آدميتها المعطلة سوى القدر. أطباء لا يختلفون عن تجار التشليح بشيء انتهكوا قدسية الطب ومستشفيات دنست شرف المهنة وتحولت إلى مسالخ بشرية تصطاد ضحاياها من الفقراء والمتعبين داخل وطن جهاته المسؤولة وصناع القرار فيه إما تائهين في فضاء اللامبالاة أو عاجزين عن القيام بدور يقتص للمئات من اليمنيين الذين يقدمون كل يوم وقوداً للأخطاء الطبية ويتقرب بهم العابثون إلى الموت زلفى. المسألة لم تعد صدفة خطأ عابر أو سهواً لن يتكرر كما يقال (رغم أن ذلك جريمة) بل صارت ظاهرة تؤرق آلاف المرضى ويتسع نطاقها داخل مستشفيات حكومية وخاصة شاملاً محافظات عدة تدق أجراس الفواجع وتجعل البحث عن أمل يشفي مريضاً أشد وطأة من المرض نفسه. هنا نحاول فقط أن نرسم صورة أكثر عمقاً ووضوحاً لما حدث.. صورة مقبرة جماعية تتعدد مشاهدها لتكشف كم نحن ممتهنون وحياتنا رخيصة تباع بثمن بخس أو أنها لا تساوي شيئاً تدفع جيوبنا الممزقة وأيادينا المحترقة قيمة موتها. (أمل البعداني) الطفلة التي كانت قاب قوسين أو أدنى من الدخول إلى المدرسة طار قلبها الطفولي فرحاً حين زف إليها والدها الضابط بقسم (شرطة الجملة) نبأ اختياره لأرقى المستشفيات الخاصة بتعز"السعيد" لإجراء عملية جراحية لعلاج القصر في إحدى قدميها البالغ 1 سم فقط لتمكن بعدها من الذهاب إلى المدرسة بدون معاناة. أمل حين دخلت المستشفى مشياً على قدميها كان اسمها يشع من عينها ضوءاً أخضراً باتجاه الجراح العربي الذي سيجرى لها العملية بعد قليل. أجريت العملية.. وانتظرت أمل على سرير المرض.. عادت إلى البيت وانتظرت أكثر.. وبعد طمأنة الدكتور بأن الوقت صار ممكناً لرمي العكازتين والسير على قدميها.. خطت أمل الخطوة الأولى.. ولم تخطو بعدها أخرى إلى الآن. انكسرت قدمها.. فأعيدت إلى المستشفى فأجريت لها عملية أخرى وعلى حساب والدها أيضاً.. وتكرر المشهد بكل تفاصيله وانكسرت قدم أمل للمرة الثانية فأجريت لها العملية الثالثة في نفس المستشفى الذي لم يعترف حتى تلك اللحظة بخطاه أو خطأ طبيبه. المفاجأة التي صعقت والد أمل كانت في محاولته الرابعة لإعادة البسمة إلى شفاه طفلته وفي ذات المستشفى التي استضافت جراح عالمي من جمهورية مصر العربية وعرضت عليه الطفلة على كرسي متحرك بعد عجزها عن المشي جراء الأخطاء الجراحية التي زادت القصر في قدميها إلى 7سنتيمترات. أصدر الجراح تقريره باستحالة إجراء عملية جراحية لأمل كونها تعاني من هشاشة في العظام.. التقرير وإن جاء بعد خراب مالطا لكنه أيضاً لم يكلف إدارة المستشفى محاسبة طبيبها أو حتى عناء تقديم اعتذار عن قتل الفرحة في عيون أمل التي انكفأت على كرسي متحرك لن يمنحها الفرحة مستقبلاً. في المستشفى السويدي بتعز والملاصق تماماً لمستشفى السعيد وبعد أسبوع فقط من ولادته أصيب (رعد) بحمى دفعت والده علي محمد قاسم (وكيل أحدى المدارس بتعز) إلى إسعاف طفلتة إلى هذا المستشفى الحكومي المتخصص برعاية الأطفال. قرر للطفل (رعد) الرقود في المستشفى ل15يوماً فقد فيها أصابع أحدى قدميه..والد الطفل حمل المستشفى مسؤولية ذلك وقدم شكواه إلى جهات عديدة بدأت من مكتب الصحة بالمحافظة مروراً بالجهات القضائية والمحاكم. تقرير للطبيب الشرعي حمل المسؤولية المستشفى وأكد أن إهمال الأطباء وعدم متابعة حالة (رعد) خلال فترة رقوده بعد وضع كنيولة على قدمه أدت إلى تساقط جميع أصابع القدم. الحال لم ينته هنا وعدم اعتراف المستشفى بخطاه دفع والد رعد إلى اللجوء إلى القضاء بمراحلة الثلاث التي كبر معها رعد خمس سنوات ورغم إدانة الأحكام للمستشفى وإلزامها بدفع دية أصابع الطفل ودفع نفقات التقاضي إلا أن إدارة المستشفى السويدي لازالت أكثر عتواً ونفورا. مدير المستشفى عبد اللطيف مجلي حين قابلته قبل أربع سنوات أو تزيد للاستفسار حول قضية رعد هدد برفع دعوى قضائية ضد ما كتبته آنذاك وقال أنتم الصحافيون مزايدون وكذابون وأضاف هذا الكلام معارضة لا أحد يصدقكم. والآن هل يستطيع مدير المستشفى تكذيب الأحكام القضائية ؟ عمار بارجاش الحضرمي (22عاماً) ضحية أخرى في مهزلة طبية بشعة الملامح اغتالت ما تبقى من حلم حياة له بسكاكين مغلفة برداء أبيض ارتداه رجل يعمل في مستشفى الصفاء التخصصي بأمانة العاصمة طبيباً. لم يدرك عمار أن التهاب اللوزتين الذي يعانيه منه سيحتاج عملية جراحية رأت المستشفى أن تكون عاجلة. استعجل عمار العملية غير آبه بكل ذلك التلوث الآسن في (الصفاء) فكانت جرعة زائدة من المخدر أعطيت له كافية بتحويله إلى أطلال عمار. توقف قلبه بشكل مفاجئ بعد إجراء العملية وحدث له احتقان في الدماغ حسب تصريح أحد أطباء المشفى. الطبيب قال أن المريض كان لديه تحسس من التخدير محتملاً أن يكون ذلك قد أدى إلى عدم تنشيط القلب بشكل سريع. وأكد على أن توقف قلب عمار لثلاث مرات منع الأكسجين عن الدماغ فصارت حالته خطيرة متوقعاً في حال شفاءه أن يحدث له ضمور في بعض خلايا الدماغ مما قد يعطلها عن أداء وظائفها بشكل سليم. المستشفى التي لم يكن عمار أول ضحاياها ولن يكون آخرها وقفت عاجزة عن علاجه ونقلته يوم 25/8/2005م إلى مستشفى الثورة العام والتي فيهاالضحية محسن عميران من محافظة الضالع. محسن الذي كان يعاني من ضيق الصمام التاجي وإصابة الصمام الأبهري وثلاثي الشرفات أجريت له عملية جراحية في 16/4/2005م وقال الأطباء أنها نجحت وفصلوا عنه جهاز التروية القلبية ونقلوه إلى العناية المركزة. وضع محسن تحت جهاز التنفس الصناعي وبعد نصف ساعة تعرض إلى هبوط في الضغط الشرياني وانخفضت ضربات القلب بشكل مفاجئ. كان جهاز التنفس الصناعي معطلاً وحاول الأطباء إنعاش قلبه دوائياً ولم يفلحوا أجروا عملية إنعاشية مباشرة للقلب لكن قلب محسن لم يعد بذات القلب السابق ولم يستجيب لكل المحاولات وأصبح معطلاً كجهاز المستشفى. توقف قلب محسن ليتحول هو إلى شبح مرمي على سرير ترك بين عالمين متناقضين ضاقا من كل شيء واتسعا لرجل فقير خلف ورآه سبعة أطفال لا يدرون حتى اللحظة من أين يأكلون ولا يدري هو في أي عالم يعيش. وفي مستشفى الثورة العام بصنعاء أيضاً لا زالت جريمة بتر يد الطفلة (حلقة صالح الريحاني) شاهدة على ثلاث سنوات ألم تتكبد غصصها كل يوم منذ أن بترت إحدى ذراعيها (بتصنيفة) ممرضة هندية رأت أن تغرز كنيولة في يد طفلة ذهب والدها لشراء مغذية إليهاوتعاني من إسهال وتقيوء شديدين ليعود وقد بترت ذراع ابنته. (حلقة) لم تكن المعنية بالبتر لكنها كانت الضحية وأطباء الثورة بررو لوالدها البتر بتورم ذراع ابنته بسبب لدغة ثعبان لكن آخر ما قال أنها بسبب لدغة عقرب لينبري طبيباً ثالثاً مبرراً بعدم تصفية الجروح في اليد اليسرى للطفلة بالمطهرات فأصابها تلوث تحول إلى قيح خطير. وسواء صدقت تلك المبررات أو كذبت فالسؤال المتردد في ذهن (حلقة) منادياً ضمائر الأطباء ( لماذا جعلتموني أعيش بيد واحدة). مستشفى دار الرحمة هي الأخرى أرتكب أطباءها جريمة بشعة أدت إلى وفاة إمراءة. دخل محمد محمد عامر بزوجته إلى المستشفى التي تعاني من حالة الغثيان التي ينتابها بين اللحظة والأخرى فقرر الأطباء إعطاءها جرعة دم (500 سي سي) بذريعة أنها تعاني من فقر الدم ففقدت وعيها وأصبحت لا تفيق إلا لثوان زائغة البصر. باع زوجها كل ما يملك لدفع فواتير المستشفى وبعد أن عجز عن التسديد طالب بنقل زوجته إلى مستشفى حكومي فنقلوها بصحبة تقرير طبي يفيد أنها تعاني من التهاب في المعدة وحمى غير معروفة.. إلى مستشفى السعودي بحجة. في المستشفى السعودي أجريت لها الفحوصات والتحاليل اللازمة فقرروا أنها تعاني من حمى شوكية في الدماغ وأن جرعة الدم الخاطئة التي أعطيت لها في مستشفى دار الرحمة السبب الرئيسي لما أصابها. لم تستمر تلك المرأة سوى يوم واحد في المستشفى السعودي بحجة بعدها فارقت الحياة بخطأ أرتكبه من يسمون بملائكة الرحمة. كوكب أحمد أحمد الوادعي ضحية خطأ طبي بدأت معاناتها منذ أن كانت في الشهر الثاني من عمرها. كوكب أجريت لها عمليتين جراحيتين يقول والدها كان لهما أثرا شديداً في تدهور حالتها وما حدث لها من مضاعفات أخرى.. تطلب علاجها بالخارج ومنذ 8 سنوات لازالت كوكب ووالدها ينتظران أن تصحو ضمائر القائمين على إدارة مستشفى الثورة لإعادة كوكب إلى حياتها الطبيعية أما أوامر وزارة الصحة والسكان واللجنة التي شكلتها يبدو أنها لم تفارق دهاليز الوزارة. أما مستشفى العلفي بالحديدة فلا تزال عفونة الجريمة المنبعثة من أروقة المستشفى جراء بتر ساق محمد الصهباني تزداد رائحة أكثر من رائحة التعفن التي تركتها المستشفى تنبعث لتسبب البتر. محمد ذو العشرين حزناً أسعف إلى مستشفى العلفي مصاباً بكسر في عظم أحد ساقية وأجريت له عملية جراحية قال الطبيب الروسي أنها نجحت لكنه أوصى الممرضين بضرورة العناية المركزة ومجارحته وتنظيفه بشكل دائم. تعفنت رجل محمد وازدادت الروائح النتنة المنبعثة منها وإدارة المستشفى أذن من طين وأخرى من عجين.. حتى أشتد الحال وقرر أقرباء محمد إخراجه إلى مستشفى أخر لعلاجه لكن إدارة العلفي رفضت إخراجه إلا بعد توقيعهم على أوراق تخلي مسؤوليتها عن كل ما حصل لمحمد. كثير من المستشفيات رفضت استقبال محمد وأستقبله المستشفى الجمهوري بصنعاء الذي أعد تقريراً عن حالته قال فيه أن الحالة التي وصل إليها الساق كانت ناتجة عن إهمال في المجارحة والتنظيف عقب إجراء العملية وقرر قطع الساق. قطعت ساق محمد وقطعت معها آمال حملها بمعاودة السير بقدمين متلازمتين يستطيع بها الوقوف مرة أخرى أمام أدعياء الطب وقتلة الآدمية.