حينما نطالع مبادرات الأحزاب السياسية في اليمن التي تقدمت بطرحها كمشاريع للإصلاحات.. بعمق وحيادية، لمعرفة مدى محاكاتها للواقع المعمول والمعاش، وسلامة رؤاها، وتحليل توجهاتها الفكرية وثباتها، وتحديد مستهدفاتها التي انبنت عليها.. نجد أنها توزعت على ثلاثة مواقف رئيسية في الاتجاهات والتوجهات وتباين الأفكار، وفي اختلاف أساليبها في الرؤى والطرح. - الاتجاه الأول: ويمثل القراءة الناقدة للأوضاع القائمة في البلاد، فبدأ بعرض توصيفي باهر لتلك الأوضاع والحالات المخيفة التي وصلت إليها بلادنا على مختلف السبل.. في ظل نهج سياسي مأزوم أثبتت تجاربه.. عدم كفاءة واقتدار آلياته الحاكمة على إخراج الوطن من هذا المأزق التراكمي المعقد.. في أحرج مراحله التاريخية.. إلى مرافئ الأمان، وفي الوقت الذي يشكل هذا الطرح نقداً حاداً لكل ما هو معمول داخل البلاد.. كما لو كان –أيضاً- يمثل رسالة مستفزة تستهدف تحميل المعانات العامة لآلام الفساد ومواجع الاختلالات بجذور أسبابها ومسبباتها على رئاسة الجمهورية على اعتبار سيادة قرارها، وحكم تغلبه عادةً على الخطة الوزارية لإستراتيجية الحكومة، وسعة صلاحياتها على جميع مؤسسات الدولة وقطاعاتها وفروعها ومرافقها.! وبعد اكتفاء المشروع بهذه المقدمة التوصيفية.. ينتقل إلى طرح عمومي لجملة من النقاط للمستهدفات التي وردت بأسلوب سردي في قائمة من المطالب التي هي في الأساس مطالب لعامة الشعب.! وهذا يمثل التوجه الفكري للموقف الذي أختص به (المشترك) من خلال مبادرة (اللقاء) كمشروع للإصلاحات. - الاتجاه الثاني : ويبدو وفيه ميادين بارزة للتحدي والمنافسات الهامة والهادفة، غير أنه يختلل الواقع لإشباع محتواه وإسهاب مفردات بنوده بالإفراط في الحديث عن الذات، بطريقة مغايرة للمعطي الواقعي،.. والتمرد عن المواجهة الحقيقية بقلب وتحويل أوجه وصور الوضع المأزوم وحالات معاناته بأشكالها المختلفة.. إلى حالات النعيم والاستقرار.!، وهذا هو ما خرجت به الأمانة العامة للمؤتمر الشعبي العام في ختام دورتها السابعة. - أما الاتجاه الثالث : وإن كان يوافق الأول في النقد للأوضاع القائمة في البلاد.. إلاّ أنه لا يولي الأسلوب النقدي (لصفته) أهمية رئيسية.! بقدر ما يستخدم بعض الصور لمظاهر الفساد للاستشهاد في دراسته المقدمة، كما أنه لا يُطري الحديث عن نفسه.. بقدر ما تهمه حمل قضية وطنية هامة.! ويختلف ذلك – في تقديري- باختلاف تراكم الموروث السياسي للتجارب والخبرات والكفاءات ؛ وباختلاف اقتدار الآليات السياسية والفكرية، حيث نجد نقده للأوضاع يستند على المعيار المعرفي بتحليل لتلك الأوضاع، وتفنيد للاختلالات والخراب، ومواطن الضعف، وأسبابها وعوامل بقائها.. في مختلف مناحي الحياة وأجزاء البنى التحتية سياسياً واقتصادياً...الخ، وتقديم مقترحاته بما يراه من معالجات لازمة، ووضع آليات تنفيذها المناسبة، وتحديد معاييرها وفق دراسة شاملة ذات عمق إستراتيجي يستهدف الحاضر وآفاق المستقبل.. وهذا هو ما انفرد به حزب رابطة أبناء اليمن (رأي) بمشروعه الذي تميز به عن الآخرين. وقد تصدر المشروع مقدمة بقلم الأستاذ عبد الرحمن الجفري رئيس الحزب ، هي لوحدها أبلغ وأشمل وأعمق من أي طرح – مجرد عن الموضوعية- في الاتجاه الصحيح نحو إصلاحات حقيقية وشاملة، وبعد تقديم الأسس الوطنية كتوجهات موجزة في تسعة عناصر رئيسية ينتقل إلى الجزء الأول باستعراض حيثيات وقواعد ومنطلقات كل مناحي الإصلاحات الشاملة (فلسفتها) الثوابت، الخصوصيات، الخصائص،...الخ - يتصدرها بمدخل بسيط يتضح منه استطاعة الحزب تحقيق التكامل الإيجابي في رؤاه بين الأصالة والمعاصرة، وبين قيم ديننا والتفاعل مع العصر دون تناقض أو تنافر. وفي السياق.. يقدم تحليلاً للمواقف المحلية والإقليمية من المبادرات الدولية، ويصنفها إلى ثلاثة أقسام .. يقف منها القسم الأول: موقف الرافض متأثراً بثقافة التصادم الأيديولوجي.، حيث يراها اعتداءات خارجية لاستهداف القيم والمعتقدات، والتعارض مع الثوابت والخصوصيات..! الخ. وتشير الدراسة إلى الشرائح والنخب المتبنية لهذا الموقف؛ بينما يوجد موقف مغاير يتبناه القسم الثاني وهو الدعوة للأخذ بكل ما يأتي من مبادرات خارجية، موضحاً العوامل الدافعة لهذا القسم بالترحيب! أما القسم الثالث وهو ما يميل إليه هذا التوجه- فهو يرى بأن الحكمة ضالة المؤمن، وأن الرفض أو القبول المتطرفين.. أمر غير مقبول ولا تقره مصلحة.! مؤكداً أن الفكر الإنساني مشاع لبني الإنسان، وحيث توجد منطلقا ته المحققة لحاجات ومصالح الأوطان دون تعارض مع القيم والمعتقدات.. فليتم الأخذ بها. مشيراً إلى عوامل داخلية وخارجية أخرت فعل مبادرات انطلقت في مراحل سابقة لهذه المبادرات الدولية. ويذهب إلى تفسير مفاهيم الثوابت وتعريفاتها بأسلوب بلاغي جميل، وطريقة أكاديمية تنقيها من المفاهيم المغلفة التي تجعل منها حاجزاً صاداً للنهوض والاستقرار، وتعريها من التعريف العمومي التي اعتمدته الأنظمة السائدة وألفته المجتمعات! لجعله سوط بغلاف فكري قاس يستخدم في جلد ووأد أي تفكير سليم في التغيير والإصلاح، لحماية مصالح ذاتية ترسخت وتجذرت، ويرى بأن التعريف المنطقي للثوابت المطلقة: بأنها "التي لا تتغير بفعل التطور أو الزمان أو المكان أو الحاجة الحقيقية العامة"، ويشمل قضايا جوهرية ذات العلاقة بالقيم والمعتقدات والإنسانية في الحرية والحقوق والعدالة....الخ مؤكداً بأن الثوابت النسبية أو الفرعية أو الأسس والآليات والوسائل، خاضعة بحكم وظائفها للتطور والتعديل في نضمها واتجاهات حركتها لأداء مهامها في تحقيق وتفعيل وصيانة الثوابت المطلقة، وبناء الدول على أسس وآليات ووسائل جديدة قابلة للنهوض والتطور والتحديث، ويقدم- في البند الثالث من الفصل الأول- تفسيراً قيماً للخصوصيات والخصائص والقيم والتجارب الإنسانية والموروث الحضاري.، بمنهجية تحاكي الواقع ، واحتراف ديناميكي قادر على الربط بين الحاضر والموروث التاريخي والحضاري، وتوظيف هذا الخط في الاستفادة للإصلاحات، والمصالح الوطنية .. يخلص منه إلى الفصل الثاني – في إطار الجزء الأول- لتقديم دراسة تحليلية تقيّم "ما الذي يشمله الإصلاح الشامل في بلادنا" والذي بدأ بإطلاله أكتفي الاستشهاد بنصها حرفياً للوقوف عندها في استعراض المشروع المكون من: توطئة، وتوجهات، وثلاثة أجزاء، وخاتمة.. في مئة وواحد وأربعون صفحة .. يقول فيها: طالما الجميع، أصبح ينادي ويدعو للإصلاحات ويقر بضرورتها،.. نظام حكم، ومنظمات سياسية واجتماعية واقتصادية.. نخب مستقلة..شعب..دول أجنبية.. منظمات دولية...الخ فإن ذلك كله يؤكد أن الجميع قد أدرك أن هناك خراب واختلالات تستوجب إصلاحات.. ولكي نحدد ما تشمله الإصلاحات علينا أن نتفق على مكامن ونواحي الخراب والاختلالات. ولكي نحدد طبيعة تلك الإصلاحات علينا أن نتفق على أسباب الخراب والاختلالات وعوامل بقائها. ولكي نحدد آليات وأدوات ووسائل تلك الإصلاحات ومداها علينا أن نتفق على طبيعة ومدى تجذر تلك الاختلالات والخراب 0 ولكي نحدد أسس وآليات مخرجات تلك الإصلاحات لتأمين مسيرتنا المستقبلية علينا أن نتفق على الإستراتيجيات والأهداف التي نستهدف تحقيقها من مسيرتنا المستقبلية تلك) وهذا التعبير الصادق يمثل بداية للمشروع الفعلي بدراسة محققة لتلك الأهداف والمبادئ . - وبهذا أترك الحكم للآخرين في المقارنة، ليقيني بأن المتابعين والمطلعين يدركون بأن مشروع الاتجاه الثالث- هذا- كفيلاً بإخراج اليمن من مآزقه لما يحمله من منهجية علمية، ومصداقية خاصة.. لولا تجذر مخالب الفساد في عمق أوضاع الوطن اليمني. وإلى هنا من الممكن القول: إن المبادرة التي انفرد بها حزب الرابطة (رأي) لينتزع الريادة الفكرية في التوجه والطرح تجسيداً لكفاءة آلياته العلمية واقتدارها.. حيث يتصدر تلك المبادرات مرتبتاً باحتوائه الموقف جذرياً بطرح نتيجة نهائية متكاملة في إطار دراسته.. لمجمل الأوضاع والقضايا.. سدت مداخل الأخذ والرد، ولم تتح متنفساً للنقاش أو الدراسات في المقابل حول إستراتيجية الإصلاحات – لأي قضية كانت – إلاّ وقد سبق بها طرح رابطي متكامل! - أخيراً نأمل من إخواننا في حزب (رأي) تكليف أنفسهم بالتكرم على مشروعهم بمؤتمر صحفي واسع، أو حوار تلفزيوني يتيح للاستفسارات والمداخلات.. لتفسير ونشر المشروع على نطاق مساحة أوسع تعويضاً لحقه الترويجي من الفعاليات الإعلامية التي فاتته، وإصداره في كتيب ليكون في متناول الباحثين والمهتمين والمثقفين!