لو أن استطلاعاً للرأي جرى في أوساط من صوتوا في الانتخابات الرئاسية لمرشح غير علي عبدالله صالح لكانت نتيجة هذا الاستطلاع صادمة للكثيرين. أعداد كبيرة من الناخبين قالوا إنهم منحوا أصواتهم للمرشحين الآخرين ليس لأنهم يعتقدون بأحقيتهم وأفضليتهم بل ليوصلوا رسالة إلى الرئيس صالح الذي يؤمنون قبل إعلان النتيجة بأنه من سيتولى المرحلة المقبلة، مضمونها الضيق من الأوضاع التي غدت البلاد تتقلب في نيرانها بسبب جملة من السياسات التي أديرت بها حياتنا العامة، وأوصلتنا إلى حالة هي أقرب للاحتظار في معظم المجالات. إذا فالصوت الانتخابي الذي وضعه كثير من الناخبين، وحشد له آخرون، لم يكن لصالح أولئك المرشحين، كما لم يكن ضد علي عبدالله صالح بل كان رسالة إليه قالوها بطريقة مغايرة للوسائل المعتادة من تناولات إعلامية، وبرقيات عرض حالة، وفعاليات سياسية، وتقارير مؤسسات متخصصة، وكانوا يتبادلون عبارات سمعناها جميعاً "خليه يعرف إن الشعب ضابح، باغر"، "إعملوا له هزة يمكن يلتفت لأحوال الناس"، "فهموه إن الذي حوله لن ينفعوه ولن ينفعه إلا الشعب". في جانب من دلالة هذه الرسالة التي بعثها كثيرون إلى رئيسهم إنهم لايستهدفون تغييره في شخصه، وإنما يستهدفون تغيير سياسات جانبت مصالحهم، وتقاطعت مع احتياجاتهم، وأضرت بحقوقهم في الحياة الكريمة، يستهدفون حدوث حالة واسعة من الإصلاحات الشاملة التي تعالج الأوضاع المتردية وتنتقل بالبلاد والعباد من أتون الأزمات المركبة المتعاقبة إلى فضاءات النماء والازدهار. هؤلاء قالوا نعم لتغيير جاد وصادق يقوده الرئيس علي عبدالله صالح الذي أرادوا بمنح أصواتهم لسواه أن يشعروه بأن حبل الأزمات كاد يطبق مخالبه على الحلقوم، ربما لأنهم يدركون أن استهداف التغيير بآليات أخرى خارج هذا المسار ستكلفنا غالياً، ولن تتحقق بتلك المرونة التي يمكن أن تنجز بها أجندة الإصلاحات إذا ماقادها الرئيس بما سيتوافر له من مناخ استقرار، وإمكانات مؤسساتية، وخبرة ذاتية في إدارة شؤون البلاد، تعززها جميعاً إرادة سياسية عالية رجوا من خلال (رسالتهم) تلك أن تتوافر عاجلاً. وبقراءة مغايرة بعض الشيء قد تكون الرسالة موجهة لمراكز قوى في السلطة دأبت على أن تضع نفسها حجر عثرة في طريق الإصلاحات الشاملة، وترسم حدود وجودها على النقيض من عمليات التحول والتغيير الذي تعتقد أنه في الأساس يستهدفها في شخوصها وفي مصالحها التي ارتكزت على أرضيات فاسدة، ومدخلات تفتقر للمشروعية، مراكز قوى تشير كل التحليلات المنصفة إلى أنها وعلى مدى أكثر من عقد ونصف من الزمن كانت المعيق الوحيد لجهود الرئيس صالح في تنفيذ أجندة الإصلاحات الشاملة التي كشف علانية وبوضوح أنه يؤمن بها. الرسالة موجهة إلى هؤلاء لأن الرئيس يعلم حقيقة الأوضاع، فقد كان أكثر من انتقدها في العشرات من المنابر وعلى مساحة زمنية واسعة، ويؤمن بضرورة التغيير بل هو أول يمني جهر بمصطلح (حتمية التغيير) في مايو2000 أثناء خطاب جماهيري له في محافظة إب، وهو صاحب المثل المعروف بأن على القيادات العربية أن تبادر بالحلاقة لنفسها قبل أن تضطر للخضوع للحلاق الأجنبي، وهو الذي أعلن مؤخراً وبصراحة رفضه لأن يكون مظلة للفساد والمفسدين. وبعيداً عن العناد والمكابرة تؤكد معطيات المرحلة الراهنة أن الرئيس في حاجة مسيسة لإسناد الجميع لتوجهه المعلن الرامي لتبني إصلاحات شاملة تستجيب لسنة الحياة في التطور والتجدد والمواكبة، وتخرج الوطن من قمقم الأزمات الناتجة عن ركود السياسات والآليات في إدارة شؤون البلاد والعباد، وتلبي الاستحقاقات الإقليمية والدولية الناشئة عن تشابك المصالح، وتداخل الاستحقاقات والنتائج، وتهيئ اليمن لدور إقليمي لم يعد خفياً على أحد. قد يكون الرئيس صالح قرأ رسالة الناس في صناديق الاقتراع، خاصة وأننا قد تابعنا تصريحاته التي تشي بهذا والمتضمنة جملة واسعة من التوجهات والوعود والأماني ذات الصلة بالعملية الإصلاحية الشاملة، لكننا مازلنا في انتظار أن يقرأ الآخرون الرسائل الجماهيرية الموجهة لهم التي تدفع الجميع دفعاً إلى حالة وئام وتوافق تحقق المطالب الجماهيرية، وتقينا شر ماهو أسوأ.