أظهر قادة الدول الغنية استعدادهم الفوري لبذل المساعي اللازمة لحصار أزمة الغذاء التي تهدد العالم، وتنذر الدول الفقيرة بحدوث مجاعات بين سكانها. إن ما أبداه الأغنياء من اهتمام بهذه القضية أتى من بوابة المصلحة الخاصة بهم قبل أن يكون هماً إنسانيا؛ وذلك لتوجسهم من فوضى عارمة تحدثها ثورات الجياع في البلدان الفقيرة سوف ترتح لها اقتصاديات الأغنياء قبل الفقراء وإن كانت المؤشرات لازالت تحذر من تسونا مي بشري سيجتاح المصالح الغربية، ويغرق معه مصالح نظام العولمة، وقد حذرت المؤشرات أقوياء العالم" أغنياء العالم" بأن يتخذوا إجراءات وقائية للتخفيف من آثار أزمة الغذاء، وانفجارات الغلاء العالمي، وهو ما تحاول هذه الأيام القيام به قبل الوصول إلى النهايات الوخيمة المتوقعة على الاقتصاد العالمي. كشفت هذه الأزمة عن الشرخ المخفي في اللوحة الإنسانية، وكم هي الفجوة شاسعة بين فقراء وأغنياء الكوكب،وكم هي الحاجة إلى ردم هذه الهوة بين البشر القاطنين في هذه المعمورة، وأن النظام العالمي أو رأسمالية العولمة هي بمثابة المعول الذي يحفر في جدار الإنسانية ليخلق من جديد معاناة العبودية، التي اعتقدت الإنسانية بأنها تجاوزته منذ قرون.. الغريب في أمر العولمة بأن مبشريها أطلقوا لأنفسهم العنان بذكر محاسنها على العالم وأخفت عيوبها التي لا تقارن أبداً بحوافز المحاسن بقدر ما تلقي بظلال الجوع والفقر والفساد واختفاء الطبقة الوسطى وتقسم البشر إلى قلة ثرية بل فاحشة الثراء وأكثرية فقيرة وشديدة الفقر، وهو ما حدث بعد مرور ما يقارب من ربع قرن على فرض العولمة للنظام القطبي الواحد وها هي وحشية آلية السوق تسحق البشر حتى في البلدان الغنية. وبينما كانت الدول الأكثر فقراً في العالم تتخبط في سياستها للتناغم مع مدخلات العولمة وحرية السوق أخذت تبادر في عمل إصلاحات اقتصادية لتحرير اقتصادها من تبعية القطاع العام والولوج في عالم القطاع الخاص كان سكان هذه الدول يكتوون بهذه السياسات وأخذت أرقام الفقر ترتفع كل سنة وكل شهر ويوم ولم يكترث العالم الغني لتلك الضحايا وارتسام خط تحت الفقر عند حدوده الدنيا ولم تتوقع مؤشرات البنك الدولي وصندوقها بأن حجم الفساد لدى النخب الحاكمة كان أكبر وأكثر شراهة بحيث فرضت نفسها على الحياة العامة واستقطت كل الرهانات بتعافي اقتصاديات شعوبها والخروج من مأزقها، ومع ذلك ظل العالم متفرجاً على توسع دوائر الفقر والعوز والجوع تحيط بسكان العالم دون حتى إبداء القلق أو العتاب لقصور الآليات المنظمة لإعادة هيكلية الاقتصاد التي سيطر عليها مركز القوة في الحكم والمتنفذين ولعب الفساد الدور القاتل للوصول إلى هذه النهاية كان من الأجدر بقوى العولمة إن تعمد إلى تأهيل النظام العالمي على أساس اقتصادي إنساني اجتماعي وهو ما يعرف بالعمل بالنظرية الثالثة التي تضمن للإنسان الفقير قبل الغني بأن يكون عضواً مشاركاً وفعالاً بهذا النظام لا مهمشاً ومعدوماً....