سباق مع الألم وحواجز الفجائع نسير فيه، تتساقط الضحايا كل يوم كتساقط أوراق الشجر في فصل الخريف.. شهد اليمن في الفترة الأخيرة حوادث متفرقة زهقت فيها أرواح بريئة واغتصبت أحلام طفولية، فلا يكاد يمر شهر حتى تتناهى إلى أسماعنا جريمة تفوق ببشاعتها الجريمة الأسبق منها، إنه طوفان الطغيان، وصوت القوة، ولغة الاستقواء التي بدأت تجتاح مشاهد حياتنا و تصبغها بلون الدم وبنكهة الظلم والقهر وسحق الإنسانية بداية من تكرر فجائع الإرهاب واختتاماً بجرائم المتنفذين ومن هم فوق قوة القانون. مشاهد مؤلمة ومناظر مقرفة وردود أفعال سلبية إزاء كل جريمة تحدث بعد أن اختلطت حياتنا بفجائع العمليات الإرهابية التي تهتز لها مناطق آمنة ومسالمة، لم تعرف في تاريخها من قبل هذا النوع من الفظائع الإنسانية، ولم تشهد أرضها الطاهرة أشلاء إنسانية تلطخ وجه جبالها ووديانها وسهولها، وأمام الرفض الذهني والعقلي لثقافة القتل العبثية وسموم الكراهية والتطرف والتضحية المجنونة بحياة الإنسان لمجرد أن من يقابله يختلف معه بالرأي والوسيلة، ومع ذلك الرفض لهذه التراجيديا المأساوية تقابلها ردود فعل رسمية ومجتمعية غاية في السذاجة والبلادة، فمن التنديد والاستنكار والاستهجان التي تتوالى بعد كل عملية إرهابية سواء على مستوى الفعل الرسمي الذي يكتفي بالتصريحات الرافضة لهذا العمل والمنددة ببشاعة الجريمة والواصفة لمشاهد الحادثة وأعداد الموتى والجرحى وما تبقى من أشلائهم وإثراء دهاليز المؤسسات الحكومية بعقد ورش وندوات في قاعات مغلقة تندد بالتطرف، وبعد فترة التصريحات الانفعالية لا تنسى الحكومة ومسئولوها تذييل شجبها واستنكارها باستجداء المجتمع الدولي بتقديم المعونات والمساعدة اللازمة للحكومة في حربها على الإرهاب المسيئة لسمعة اليمنيين والمضرة بعمليات التنمية (لا ندري أي تنمية يقصدونها)، مع إرفاق تهديد مغلف بعبارات دافئة، تقول إذا لم يساعدنا العالم أمام هذه الظاهرة الدولية على رأي وزير الخارجية أبو بكر القربي الذي اعتبر تنظيم القاعدة تنظيماً إرهابياً دولياً فإن آثارها و انعكاساتها ستدمر العالم المحيط باليمن، وستهدد الأمن والاستقرار العالمي!!.. هكذا ببساطة يتم تحويل الأمر إلى ظاهرة تهدد العالم، وتصبح محل مساومة وحاجة استجدائية للحكومة، بينما لا يتم تفعيل أي نشاط محلي لمكافحة خلايا القاعدة النائمة في أحضان البلاد والعباد والسجون والأجهزة الرسمية، والتي تتغذى من ثقافة التطرف والإقصاء والتكفير المشاعة في مؤسسات بعضها رسمية وبعضها تتخذ من يافطات المجتمع المدني ستاراً لأفعالها، والسؤال هنا «لماذا لا تتخذ مؤسساتنا الرسمية إجراءات حازمة تجاه تلك الثقافة ومن يروج لها؟ ولماذا تتهاون حكومتنا بعمليات اصطياد الشباب اليمني ليكون وقود المحارق الإرهابية؟ ومن ثم لماذا لا تتخذ الحكومة سياسة توعوية تمتد قنواتها إلى داخل الأسرة ومنتديات الشباب وخاصة التجمعات التي تجنح إلى ثقافات التكفير والإلغاء، والتي تغذي وجودها بعض المنظمات والجمعيات الدينية والخيرية، وتتخذ في أوقات كثيرة منابر بعض الجوامع للتبشير والترويج لها؟! أسئلة كثيرة وعديدة تقف أمام المواطن اليمني عند اصطدامه بكارثة إرهابية والذي لم يقتنع حتى الآن بالسياسات الرسمية لمكافحة هذه الظاهرة بل بدأ يتنامى لدى الجميع بأن ما يرافق هذه الجرائم المتتالية من إجراءات قاصرة وتخاذلية متداولة لا يعفي الحكومة من مسئولياتها إزاء بقاء هذه الجماعات والأنشطة الإرهابية مستمرة في أفعالها القذرة.. لا أحد منا ينكر بأن اليمن تعاني من ضربات الإرهابيين، ولا أحد ينكر بأن لهذه الثقافة الإقصائية جذورها ارتبطت بمصالح بعض فئات مراكز القوى وبعض المتنفذين المخترقين دهاليز القرار الرسمي، ولا أحد ينكر بأن سياسة اللعب على وتر الجماعات المتطرفة لتحقيق فوائد ومصالح ذاتية وخاصة من الأشياء المسلحة بها.. لكن كذلك لا أحد ينكر بأن اليمنيين بكافة أطيافهم يرفضون بقاء هذه الظاهرة تطعن في ظهورهم وتهدد مستقبل واستقرار بلادهم، فلماذا لا تستغل الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني والعلماء والأئمة وكافة القوى الخيِّرة هذا الرفض الرسمي والشعبي للعمليات الإرهابية وصناعة رأي عام والاستفادة منه بعمل وثيقة وطنية ودينية تحرِّم و تجرِّم و ترفض كافة الأسباب التي تقف خلف هذه الظاهرة وتغذيها والحد من كافة الأنشطة التي تقترب من إنماء ثقافة التكفير والاقصاء وعدم القبول بالآخر؟! على الأقل سيكون النشاط الحقيقي الذي سيصبح له أثره داخل المجتمع وستتولد خلاله مساحة كبيرة من التوعية الحقيقية بمخاطر الإرهاب على الوطن أولاً وأولاً و أولاً.. ومن ثم تأتي نغمة الأمن والاستقرار العالمي.