أحلام اليقظة، كما يؤكد علماء النفس، أحد أبرز وأفضل الوسائل التي يمتلكها الإنسان للتنفيس عن نفسه، وتعويض واقع الحرمان الذي يعيشه المرء،وإن كانت لها فائدة التنفيس وتوسيع الخيال لدى الإنسان غير أن استمرار الحرمان وتعدد أنواعه واختلاف أشكاله يدفع الإنسان إلى الانفصام عن الواقع والشرود في عالم الخيال، حتى يصبح عالم الخيال الذي ترسمه أحلام اليقظة لديه هو العالم المفضل، وعندها ترتسم على سلوكياته معالم البعد عن الواقع والعالم الحقيقي في تصرفاته وأفكاره، وكرهه للمجتمع الذي يعيش فيه، والذي غرس فيه كل العقد وأذاقه أنواعاً شتى من المعاناة، وحينها تتميز حالته بما ليس بعيداً عن واقعنا وهو الجنون. إن أحلام اليقظة قد تراود المرء بأن يتخيل نفسه مديراً أو حاكماً، أو مالك منزل، أو رب أسرة أو جلاد قسم، أو طياراً، أو طبيباً، أو غير ذلك، وهي تختلف تماماً عن الطموح باعتبارها أمنيات ناجمة عن طموح اصطدم بالفشل لأسباب أو لأخرى. لكن الأغرب من ذلك أنني وجدت أحلام يقظة من نوع جديد لدى شباب مثقف، أحلام مؤلمة بحق، فلي صديق خريج علوم سياسية جامعة صنعاء للعام 2004م، بعد أن ضاقت به الحياة ولم يجد فرصة عمل في مجال تخصصه بعد عامين من البحث اضطر للعمل مع طبيب شعبي، ولا أدري ما علاقة السياسة في بلادنا بالطب الشعبي، وبراتب متواضع كانت أحلامه تنحصر في أن يحظى بفرصة عمل في مجال تخصصه، لكنني فوجئت عند زيارتي له قبل أسبوع يقول لي: «ماجد.. الله لو تنزل عليَّ كميات من الذهب تتساقط من السماء فجأة، ولو تضرب برأسي عند وصولها الأرض» فاستغربت كثيراً وتألمت لما أصابه، وكان الجميع حولنا يضحك مما قاله؛ لأنه يريد أن يودي بحياته مقابل ذهب يسقط من السماء على رأسه، متسائلين ما الفائدة إذا بقيت وسط الذهب بعد أن تفارق الحياة. لكنه واقع الحياة، والحرمان يدفع المرء إلى أحلام اليقظة، يتمنى فيها أن يفارق الدنيا بما فيها؛ لأن ما فيها لم ينل منه ولو البسيط، وليست مثل هذه الأحلام حصراً على أحد، فهي ومثيلاتها من أحلام اليقظة كثر، تبدأ بالسرد والتناوب، ليس في جلسات المقيل والسمر فحسب بل أثناء التنقل والمشي، فكان الله في عوننا، وأدام علينا نعمة العقل، أما الحرمان فيبدو أن أمده طويل، والله المستعان.