ثمة ما يجعلنا نجزم أن تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة، تمثل الأرقى والأنضج والأبقى بين التجارب الوحدوية العربية في التاريخ العربي الحديث والمعاصر، ذلك أنها تأسست على مداميك صائبة وقوية قابلة للرسوخ والديمومة، ومحققة لتوازن المصالح وتشابك المنافع، على نحو لا يداخله نزوع للاستحواذ والهيمنة والإقصاء، ولا يتخلله ما يثير الانقسام والتنافر والتباغض، وما يولد الغبن والقهر والتمييز والكراهية والتشظي والضغينة . إن حقائق التاريخ العربي خلال العقود الستة الماضية، ضاجة بمشاريع وحدوية عربية متعددة، اتخذت من الشعارات الملهبة للعواطف، والمد الحماسي الانفعالي القومي الجارف، مرتكزاًً ومنطلقاً وحيداً لها، فكان مصيرها الفشل والانهيار المريع، ذلك أنه بعد أن ذهبت (سكرة) المندفعين والمأخوذين بأجج العواطف، تبخرت الشعارات والتطلعات، وتنامت الانسدادات والأزمات لتؤول إلى صراعات وتمترسات وتمردات، قوضت تلك المشاريع والتجارب، وعمقت أخاديد التمزق والانقسام، وهزمت التوق العربي لوحدة جامعة، ولعل تجربة وحدتنا اليمنية المعلنة عام 1990م، وما حاق بها طوال التسعة عشرة عاماً الفارطة، وأدى بها إلى هذا المأزق الذي يخنقها اليوم، ويوشك على الانهيار بها في مجاهل مدمرة، لعلها التجربة الأحدث والأكثر تعبيراً عن أزمة تلك الأنماط من المشاريع الوحدوية العربية التي لا ترتكز على أسس محققة لقابلية الاستمرار والازدهار. لقد تأصلت في ذهنية الكثيرين مفاهيم مغلوطة تجعلهم يعتقدون بأن النظام الاتحادي الفيدرالي، أدنى الأنظمة الاتحادية، وأنه لا يصلح إلا في بلدان ذات تعددية عرقية ودينية ولغوية وثقافية، وفي ذلك ما لا يستقيم مع حقائق التاريخ والتجارب الإنسانية، التي تؤكد بيقين قاطع أن النظام الاتحادي الفيدرالي هو الأمثل والأكمل، في مضمار تأسيسه لوحدات تمتلك مقومات البقاء والمنعة والاستقرار والنهوض، ولا مكان فيها لمنابت الغبن والاختلال والتمييز والنزعات والعصبيات والثأرات والأحقاد، بل تزدهي بكل توهجات تبادلية المصالح والمنافع، والمواطنة السوية، والتوازن والشراكة الفعلية، وحاكميه قوة القانون والمؤسسات، وثراء مفاعيل الإدراة الخلاقة والمتمكنة للتنوع ، ولنا في إعجازات وانجازات دولة الإمارات العربية المتحدة النموذج الأزهى والأعظم ، خير شاهد ودليل على ما أسلفنا ، وعلى ان المبادرة الوطنية لحزب الرابطة ( رأي ) ، المتضمنة الدعوة للأخذ بالنظام الاتحادي الفدرالي، لم تنطلق من فراغ، ولم تستهدف غير إرساء مداميك يمن موحد ديمقراطي مستقر وناهض ومقتدر على انجاز مقتضيات اندماجه ووئامه ونمائه وازدهاره.. ولله الأمر من قبل ومن بعد ...