ثمة وقائع كثيرة دالة على أن النظام الاتحادي الفدرالي، هو أرقى أنظمة التوحد في تاريخ العالم، إذ يندر أن نجد دولة توحدت على أساس هذا النظام ثم تفككت، ويندر أيضاً أن نجد دولة توحدت على أساس النظام المركزي واستطاعت البقاء والاستمرار، بل أن كثيراً من الدول المتقدمة ودول العالم الثالث التي حققت قفزات تنموية وقطعت أشواطاً كبيرة في مضامير التطور والنهوض، تمثل نماذج حية للأنظمة الاتحادية الفدرالية، ولعلنا نذكر من بين تلك الدول: الأرجنتين واستراليا وبلجيكا والبرازيل والإمارات العربية المتحدة والهند وكندا وأثيوبيا وماليزيا والمكسيك ونيجريا وباكستان وروسيا وسويسرا وصربيا والجبل الأسود، وأسبانيا وجنوب أفريقيا وألمانيا والنمسا والولايات المتحدةالأمريكية .. نعم، تلك الدول التي تتصدر قوائم الدول الناجحة والمتقدمة والناهضة في العالم، إنما تمثل شواهد حية وملموسة على نجاعة الأنظمة الاتحادية الفدرالية واقتدارها على ترسيخ مداميك قوية للاستقرار السياسي والمجتمعي، وإرساء مقومات فعالة لحركة تنموية شاملة ومستدامة، وعلى نحو يجسد على الأرض وفي النفوس الشراكة الحقيقية في توزيع السلطة والثروة، والديمقراطية الفعلية المحققة للتوازن في المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبما يجتث كل مولدات الشعور بالغبن والانتقاص والإقصاء، وكافة محفزات التنافر والكراهية والضغائن،الأمر الذي لا يترك أي مجال لانتشاء فاعليات النزعات الجهوية أو الطائفية أو المناطقية أو القبلية، بل يفيض على الناس بكل ما يعمق شعور الجميع بالوجود الحي والفاعل والمتكافئ في إطار الوطن الواحد، وبضمان تبادلية المنافع والمصالح بين الجميع دون استحواذ أو استلاب أو تمييز، ومن هنا لا غرابة في أن تلك الدول الاتحادية الفدرالية القائمة على نظام الدولة المركبة، ظلت دولاً موحدة لا انفصال في أي منها، بل ولا تفكير في أي انفصال، ولا خوف مستقبلي منه، ولا تنافر أو غبن أو انقسام في إطار أي منها. إن مبادرة حزب رابطة أبناء اليمن (رأي) لمعالجة الأزمات الوطنية المستحكمة، عندما حددت ضرورة الأخذ بنظام الدولة المركبة، واعتماد النظام الاتحادي الفدرالي في اليمن، إنما استمدت ذلك من قناعة ترسخت أكدتها قراءات عميقة وشاملة لتجارب تاريخية قديمة وحديثة ومعاصرة، يتبدى من خلالها النظام الاتحادي الفدرالي، بصفته الأرقى والأقدر على المعالجة الجذرية الشافية لبلادنا من مجمل أزماتها بل إنه الضرورة والحاجة التي لا يمكن دونها إرساء وترسيخ أسس وحدة يمنية قابلة للاستمرار والديمومة، وفي ركام ما تطاول من أزمات وتشظيات وضغائن طوال السنوات التسع عشر الفارطة، وما يحتدم اليوم وعلى نحو راغب، ما يكفي لتوضيح حقيقة أن الرؤية والمبادرة الرابطية هي السبيل الأسلم للإنقاذ، وأن أي تردد أو ترحيل أو تأخير لاستحقاقات تجسيدها، لن يؤدي بالبلاد والعباد والوحدة، إلا إلى المهالك المدمرة .. ولله الأمر من قبل ومن بعد ..