حيث يؤكد "وليد حيدر"، تربوي، أن الكهرباء تحولت إلى كابوس يؤرق حياتنا ويقضي على ما نمتلكه من أجهزة الكترونية، مشيراً إلى أن ثلاجته التي اشتراها بالتقسيط من مرتبه ولم ينته من التقسيط بعد أصيبت بعطل كهربائي نتيجة احتراق (الماطور) المشغل الرئيسي للثلاجة. مضيفاً: والآن أقف عاجزاً عن شراء ثلاجة أخرى، ولم أسلم حتى من الأقساط الشهرية التي مازلت أقسطها حتى اللحظة، ومما يزيد من أرق وليد أن إصلاح الثلاجة سيكون مكلفاً وغير مضموناً في الوقت نفسه فمهندسو الإلكترونيات يوازون في خرابهم ما تصنعه الانطفاءات المتكررة بالأجهزة الإليكترونية، حيث يصنف الكثير منهم وبناء على تجاربه السابقة في إصلاح أعطال الكمبيوتر أو السخانة إلى صنفين، فبعض المهندسين تجده لايمتلك خبرة كافية لإصلاح الجهاز أو تجده شخصاً غير موثوق به، فما أن تترك هذا الجهاز أو ذاك؛ بغية إصلاحه لتتفاجأ حينما تعود إليه وقد قام باستبدال بعض أجزائه بأخرى رديئة، مستغلا حالة الجهل السائد في أوساط المواطنين بمكونات هذه الأجهزة. أما "حاتم الصالحي"، الذي يعمل موظفاً في قناة سبأ للأنباء، فيشير إلى أنه استدان مبلغ 15 ألف ريال لشراء تلفزيون، ونتيجة الانقطاعات المتكررة وارتفاع وانخفاض مستوى الكهرباء بين حين وآخر وفقد الجهاز واحترق الجهاز فجأة بالرغم من أنه لم يمضِ على شرائه سوى 12 يوماً. حاتم يؤكد المأساة ذاتها فيما يخص مهندسي الإلكترونيات في بلادنا، حيث يقول: حصلت العام الفائت على جائزة كمبيوتر محمول من رئيس الجمهورية، وذلك بمناسبة يوم العلم الذي يقام سنوياً لتكريم الأوائل المتفوقين في الجامعات الحكومية وبعد الحفل بأسبوع واحد فقط أصيبت الشاشة بعطل، والسبب انطفاءات الكهرباء فقررت إصلاحه، وحينها تفاجأت بأن المهندسين يريدون ثمن إصلاحه مبلغ 200 دولار؛ أي نصف قيمة الجهاز، فاضطر الصالحي إلى تركه دون إصلاح حتى الآن. وهنا يؤكد الشاب "إبراهيم العلفي"-مهندس إليكترونيات - أنه لم يصقل مهارته إلا من خلال الممارسة العملية والتجربة على أجهزة الزبائن, وهو ما جعله يخطئ في بعضها، ويضيف إلى أعطالها أعطالاً أخرى, فكانت النتيجة تذمُّر الزبائن ودخوله معهم في خلافات وصلت أحياناً إلى حد الشجار، لكن هذه العوائق لم تثن العلفي عن ممارسة حياته المهنية, لكن العلفي ليس الوحيد من سار على هذا الدرب في تعلمه لمهنة إصلاح الإليكترونيات، بل هناك الكثير من ممارسي هذه المهنة تعلموا بالطريقة ذاتها، ليصبح المواطن ضحية الاقتحام الخاطئ للمهنة، ويرجع العلفي تزايد شكاوى المواطنين في الآونة الأخيرة من مهندسي الإليكترونيات إما لغياب كفاءتهم المهنية، أو لطلبهم ثمن إصلاح جهاز ما بأكثر من قيمة شرائه, أو لإقدام بعضهم على سلب أجزاء الوكالة واستبدالها بأخرى رديئة.. مهندسون بالهواية ويتفق المهندس "غالب ناجي"، 42عاماً، مع ماقاله سابقه، ويقول عن ممارسة المبتدئين: يحتاج ميدان العمل إلى صبر واستمرار وعقل فطن لكي تتحقق للمبتدئ الفائدة المطلوبة. مضيفاً: العاملون في الهندسة الإليكترونية باليمن معظمهم اقتحم المهنة من خلال الهواية, أو لأنه وجد نفسه غارقاً في مستنقع البطالة، ولم يجد فرصة عمل فلجأ إلى ممارسة هذه المهنة مع أن ممارستها بهذه الطريقة يعد أسلوباً خاطئاً؛ لأن البداية ستكون صعبة للغاية, كما أن اكتسابه للخبرة ستكون على حساب سمعته, فكثرة أخطائه تفقد الزبائن الثقة بكفاءته, وإضافة إلى ذلك فإن المواطن يُعد ضحية, لأنه يدفع أمولاً دون فائدة، وأحياناً يضاف إلى جهازه عطل آخر، ولعل هذا مصدر حدوث العديد من المشاكل بين المهندسين المبتدئين ومن يصلح أجهزته لديهم, وشملت تداعيات ذلك المهندسين الأكفاء ولم يعد أحد من المواطنين يثق بقدرتهم وخبرتهم. واستطرد: دخول الأجهزة الإليكترونية إلى حياة الناس والمؤسسات كأحد أنماط الحياة الأساسية وإحدى متطلبات الحياة العملية, فرض على الجميع اقتناءها, ولأننا في اليمن لجأنا متأخرين إلى عالم التقنيات ونحن غرباء عنه حيث تستورد الأجهزة ويتم إدخالها إلى ميدان العمل دونما معرفة لآلية الاستخدام السليم وطريقة المحافظة عليها والصيانة الدورية لها، والنتيجة, إصابة الأجهزة بخلل أو عطل ما وضاعف ذلك الانقطاع الكهربائي المستمر والمفاجئ في كثير من الأحياء بالمدن اونتيجة ارتفاع أو انخفاض مستواها في أحياء أخرى. انقطاع الكهرباء أم المشاكل أما المهندس عبد الله الشرفي، 34عاماً، فيقول عن مصلحي الأجهزة الإلكترونية في بلادنا بأنهم سلكوها بطريقة عشوائية وبدون دراسة نظرية أو خبرة عملية كافية, فكانت النتيجة أن جلبوا لأنفسهم ولزملائهم بشكل عام سمعة سيئة الصيت وانعكس هذا الأمر على فقدان الثقة، بكفاءة العاملين في هذا المجال، مشيراً إلى أن بعض المهندسين من منعدمي الضمير يعمدون في الإصلاح المؤقت لبعض الأجهزة والبعض يستعمل الجهل الذي يكتنف العامة فبسلب أجزاء الجهاز"الوكالة" ويستبدلها بأخرى رديئة ثم يبيع الأولى بمبالغ ثمينة. وأوضح " الشرفي" أن الانقطاع المفاجئ للكهرباء يعدُّ مصدر الزيادة المذهلة في حدوث خلل للأجهزة الكهربائية والالكترونية معاً, وإلى جانب هذا السبب تأتي عشوائية الاستخدام وغياب الصيانة المستمرة للأجهزة أياً كان نوعها. ويعتقد أن المشكلة الجديدة التي تواجه مهندسي الإليكترونيات في اليمن تكمن في عدم مواكبتهم للتطور المذهل الذي يشهده عالم الأجهزة الرقمية, فالتقدم العلمي يسير بسرعة غير عادية, وتستجد أجهزة جديدة بين الحين والآخر وفي الآونة الأخيرة اعتمد تصنيع أجهزة الوقاية على النظم الرقمية وتم إلغاء جميع النظم الكهروميكانيكية، وإذا لم يتدرب المهندسون القدامى على كيفية التعامل مع هذه النظم فلن يستطيعوا إكمال مسار حياتهم المهنية. عمل أعمى بدوره أوضح محمد مفتاح، 22عاماً، أن من عوامل الزيادة الكبيرة في إصابة الإلكترونيات في بلادنا بأعطال مستمرة, إغراق أسواقنا المحلية بأجهزة رقمية ذات صناعة صينية أو كورية تفتقر للجودة، وأكد المهندس الشاب أن تعليمه بالمعهد المهني لم يحقق له الفائدة المطلوبة للالتحاق بسوق العمل لأن المناهج التي تدرس فيها غير مواكبة للجديد في هذا المجال, كما أن المعاهد لا تولي جانب التدريب العملي المستوى المطلوب, ولعل هذا ما يجعل مخرجات هذا النوع من التعليم غير قادرة على الانخراط في سوق العمل و غير منافسة للمهندسين القدامى. ويرى أن العلوم الهندسية لا تفرق بين النظري والعملي, لأنهما وجهان لعملة واحدة, فالنظرية العلمية بدون تطبيق تظل عرجاء, والجانب العملي بدون نظرية علمية عمل أعمى, مشيراً إلى أن الخبرة العملية تساعد العملية التعليمية بنسبة مليون % خاصة في مجال التعليم الهندسي وكلما كان المهندس ذا خبرة علمية كبيرة كلما كان عطاؤه كبيراً مع ملاحظة أن الخبرة لا تقاس بعدد سنوات الخبرة وإنما تقاس بكمية المعلومات التي يمكن الحصول عليها. ويذهب إلى أن التدريب العملي له أهمية كبيرة جداً للمهندسين القدامى والجدد لأن الحياة العملية مليئة بالغموض والمفاجآت التي لا يتوقعها أحد. ويعتبر "مفتاح" أن غياب أي شركة أو مكتب استشاري لإصلاح الأجهزة الإلكترونية يجعل مجال الهندسة الإلكترونية مجالا خصباً فهنالك العشرات من الفرص في هذا المجال التي تشكل أرضاً خصبة لمشاريع بسيطة يمكن أن توفر دخلاً ثابتاً للعاطلين عن العمل، كما أنه مجال لمن لديه رغبة في الاستثمار في مجال إنشاء أقسام متخصصة لصيانة الأجهزة.