الاحتراب في بلادنا اليمن مشهد متجدد وممتد على مدى عقود زمنية من تاريخنا المعاصر، بل لا نغالي إن قلنا أن صفحات الخمسة عقود الماضية، تؤرخ لدوامات متناسلة من الحروب الداخلية، التي ظل سعيرها مصدراً كارثياً لكل ما محق هذه البلاد، من ويلات التخلف والتردي، وانهزام ممكنات الاستقرار والنماء والنهوض، وكان أيضاً مصدر كل ما تراكم من إحن وتشظيات وأحقاد وجراح، ما فتئت اليوم متقدة (تفخخ) الحاضر ببؤر الفتن والتمزقات، وتشحن آفاق غدنا الوطني بنذر الانهيار الشامل. من وحي ما يحتدم اليوم في (صعدة) ومحافظات الجنوب والشرق، وما يتفاعل في وسط البلاد وغربها، تبدو الحالة الوطنية ضاجة بممكنات تفجرات لا تبقي ولا تذر، بعد أن أدى غياب وتغييب الأفعال الجادة المنتجة للتغيير الحقيقي والإصلاح الجذري الشامل، إلى تفاقمها وتأججها، على هذا النحو الذي تضج الساحة الوطنية اليوم بتجلياته الراعبة، فالحرب الطاحنة المستعرة في (صعدة) قابلة للتوسع والتطاول، والتوترات المضطربة في الجنوب مرشحة للتفجر الكارثي، وخلايا التيارات الإرهابية المتطرفة تنشط وتتمدد وتتربص بالأرض والإنسان، وذاك كله وضع بالغ الخطورة، لم تعد الإجراءات الانتقائية الترقيعية التخديرية، كافية لتخفيف حدته واحتواء أخطاره، ولم يعد الاتكاء على القوة الباطشة أو التعاطي الأمني المدجج بالسطوة المسلحة، سبيلاً مأموناً لإحكام القبضة وإنقاذ البلاد من الانهيار في مجاهل مدمرة، بل تستدعي اللحظة إرادة قوية للدفع بفعل التغيير والإصلاح الشاملين، وعلى نحو يحقق مقتضيات العدالة في توزيع الثروة والسلطة، والتوازن الفعلي الشامل في المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين مناطق وفئاته، فضلاً عن التنمية الشاملة المستدامة. من المهم أن يعي جميع الفاعلين وذوي القرار تحديداً بحقيقة أن من السمات البارزة لتاريخنا، أنه تاريخ انقسامي حافل بالصراعات والانقسامات، وتلك حقيقة يفرض الوعي بها، ضرورة أن تكون مفاعيل الإصلاحات الوطنية عميقة وجذرية، تؤسس لبنيان وطني يجد فيه الجميع ذواتهم وخصوصياتهم ومصالحهم دون غبن أو انتقاص أو تمييز أو صهر وتذويب، وهو ما يتأتى في سياق اعتماد نظام الدولة المركبة (الفيدرالية)، على أنقاض نظام الدولة المركزية البسيطة، الذي حفر أخاديد التمزق والضغينة والكراهية بين أبناء الوطن، ولم يورث اليمن غير مدد من دوامات الاحتراب والخراب والخيبات والنكبات .. ولله الأمر من قبل ومن بعد..