نزعم أن الدعوة الرئاسية للحوار الوطني يمكن أن تكون منطلقاً لتفعيل مقتضيات الخروج الآمن ببلادنا من كافة أزماته، والتأسيس لانفراج مستدام، تتعزز في سياقه ممكنات النماء والاستقرار والتلاحم والوئام، إذا ما استشعر الجميع خطورة الحالة الوطنية الراهنة وما تضطرم به اليوم من نذر للتفجر والتمزق والانهيار الراعب، وإذا ما خلصت النوايا وتعاطى الجميع بجدية وبمسئولية بعيداً عن كل ضروب المكابرة والمكايدة والمزايدة . إن ما يجري هذه الأيام من تفاعلات مع الدعوة الرئاسية للحوار الوطني، وما يصدر من هنا وهناك من مواقف وتجاذبات، وما يتسرب عن لقاءات تجري بعيداً عن الأضواء بين أطراف منتقاه من المنظومة السياسية اليمنية، سلطة ومعارضة، كل هذا وذاك يبدد أي أمل في إمكانية أن يشكل الحوار الوطني المرتقب، منطلقاً فعلياً لمعالجات جذرية عميقة لأجج الأزمات والاختلالات الوطنية، وعلى نحو ينزع فتيل التفجرات والتشظيات والانهيارات المدمرة إذ بات واضحاً أن هناك من يدفع مع سبق الإصرار باتجاه أن يكون الحوار بين الحاكم وبضعة أحزاب تحتكر لذواتها الحزبية صفة (المعارضة)، ولا تتورع عن إقصاء الآخرين وإلغائهم، بالانطلاق من ذهنيات شمولية صارخة، تختزل الوطن وقواه وفعالياته السياسية والاجتماعية ومنظماته وأطيافه، في تلك الأحزاب (البضعة) من جهة والحزب الحاكم وتوابعه من جهة ثانية، بل إن الأدهى والأفجع هو أن تنبري من بين هؤلاء وأولئك أصوات تدعو نهاراً جهاراً إلى (العودة إلى اتفاق فبراير 2009م)، بصفته ذلك الضرورة والمنطلق ل (حوار وطني) يراد له أن يستثني الجميع خارج دائرة ال ( 6 + 1 )، وأن ينهمك في مناقشة ما هو جزئي هامشي من قبيل أدوات العملية الانتخابية وآلياتها، وفي المقام الأول تقاسم اللجنة العليا للانتخابات ولجانها الفرعية. مؤلم ومؤسف ومفجع، أن يطلق بعض الفاعلين السياسيين دعوات كتلك، في وقت يبدو فيه الوطن مطوقاً بالحرائق المضطرمة مهدداً بالتفجرات والتمزقات المدمرة، وكأني بالانتخابات ولجانها القضية المحورية المركزية التي يتحدد على أساس معالجتها مصير الوطن وأبنائه ووحدته .. وموجع ومفزع أن تستمرئ بعض قوى المعارضة نزوعها الإقصائي الإلغائي على نحو يفوق بأضعاف مضاعفة نزوع الحزب الحاكم في هذا المضمار .. ألا من صحوة للعقل توقف هذا العبث بمصير وطن تسحقه المحن والانكسارات والإحن ؟ ... ولله الأمر من قبل ومن بعد ..